«سوبرمان» (2025).. خيال يتشابك مع جحيم الشرق الأوسط
«سوبرمان» (2025).. خيال يتشابك مع جحيم الشرق الأوسط
ساحة معركة، قوة عسكرية تطلق النار على المدنيين عبر حدود مسورة. طائرات بدون طيار في السماء، نساء وأطفال عالقون في الفوضى. وأكثر ما يلفت الإنتباه: طفل يلوح بعلم وسط الأنقاض. هذه ليست مشاهد من الأخبار، بل من فيلم سوبرمان(2025).
جيمس غان يُطلق فيلم سوبرمان في دور العرض، مدشنًا عهدًا جديدًا لعالم «دي سي». لكن إلى جانب الحماس المتوقع، ظهر شيء أقل توقعاً: موجة من التفسيرات عبر الإنترنت تصف الفيلم بأنّه بشكل صامت، بل وواضح، مؤيد للقضية الفلسطينية.
رغم أنّ غان كتب السيناريو قبل حرب 2023 على غزة، يشير الجمهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى أوجه تشابه لافتة بين صراع الفيلم الخيالي والأحداث الواقعية في الشرق الأوسط. الصور، الحدود العسكرية، معاناة المدنيين، والظلم النظامي، تشعُر بأنّها مألوفة بشكل مخيف. وسواء كان ذلك عن قصد أو صدفة، فقد لامس الفيلم وترًا حساسًا لدى المشاهدين الذين يرون فيه نقدًا أوسع للإحتلال والإستعمار والسلطة غير المنضبطة.
ينفي صناع الفيلم أي دلالة سياسية، لكن ربما هذه ليست حالة تنبؤ بقدر ما هي إسقاط، كاتب أمريكي يروي قصة عن السلطة والأخلاق والمقاومة، التي، سواء كان ذلك مقصودًا أم لا، تتحدث مباشرة إلى العالم خارج قاعات السينما ومن خلال ذلك، ربما فعل سوبرمان شيئًا قليلًا ما تجرؤ عليه الأفلام الضخمة: تمكين حركة ما.
ساحة معركة، قوة عسكرية تطلق النار على المدنيين عبر حدود مسورة. طائرات بدون طيار في السماء، نساء وأطفال عالقون في الفوضى. وأكثر ما يلفت الإنتباه: طفل يلوح بعلم وسط الأنقاض. هذه ليست مشاهد من الأخبار، بل من فيلم سوبرمان. وبينما يصر جيمس غان على أنّ الفيلم ليس إستعارة، يرى الكثير من المشاهدين شيئًا مختلفًا تمامًا. التفاوت في القوة على الشاشة يثير صور غزة بوضوح مدهش.
في تشابه صارخ، يشبه الخصم في الفيلم، بعض الشيء بنيامين نتنياهو، فهو قائد طموح يسعى للفوضى تحت ستار الدفاع. لا يذكر الفيلم أسماء، لكنه لا يحتاج لذلك. هناك شيء متأصل في الوعي الجمعي حول من هو المعتدي، وفي هذه الحالة، يحمل بطل خارق خيالي المرآة.
ردًا على الجدل المتصاعد، صرح المخرج جيمس غان بوضوح: «الفيلم ليس عن إسرائيل أو فلسطين... لقد كتبته قبل أن تبدأ الحرب». لكن بمجرد أن يدخل الفيلم العالم، لم تعُد معانيه محصورة في يد خالقه فقط. الجمهور بطبيعة الحال يجلب سياقاته السياسية وعواطفه لما يشاهده، خصوصًا في لحظات الأزمات العالمية.
كان سوبرمان دومًا أكثر من مجرد بطل كوميدي؛ فشخصيته التي أوجدها مهاجرون يهود خلال صعود الفاشية، ظلت رمزًا للعدالة والمقاومة والأمل. من محاربة النازيين في الأربعينيات إلى إعادة تصويره خلال الحرب الباردة كبوصلة أخلاقية في أوقات غامضة، تراث سوبرمان سياسي بعمق، حتى عندما ترفض القصص ذلك.
الممثل الكوميدي المصري باسم يوسف قال علنًا إنّه تمّ استبعاده من فريق عمل سوبرمان بسبب دعمه العلني للقضية الفلسطينية. وأشار يوسف إلى أنّ موقفه السياسي جعله عبئًا في مشروع يُنظر إليه على أنّه سياسي الشحنة. لكن جيمس غان وعدد من المطلعين ينفون هذه الرواية، موضحين أنّ الشخصية التي كان من المقرر أن يلعبها يوسف قد أُلغيت من السيناريو قبل أن تظهر مواقفه المؤيدة للفلسطينيين. تثير هذه الحادثة أسئلة مهمة حول التداخل المعقد بين الفن والسياسة والمصالح التجارية في هوليوود. سواء كان ذلك نتيجة قرارات إبداعية حقيقية أو خوفًا من ردود الفعل والرقابة، فإنّ نهج الصناعة الحذر في اختيار الممثلين وسرد القصص حول القضايا الشائكة يعكس توترًا أوسع في كيفية إدارة الأصوات السياسية في السينما التجارية.
عندما يُنظر إلى فيلم عالمي ضخم مثل سوبرمان على أنّه سياسي، رغم الإنكار الرسمي، فإنّ ذلك يكشف العلاقة المتوترة بين النفوذ الثقافي الضخم لهوليوود وموقفها الحذر غالبًا من الجغرافيا السياسية الحقيقية. تميل الإستوديوهات الى تجنّب الرسائل السياسية الصريحة لتعظيم جاذبيتها الدولية وتجنّب الجدل.
ومع ذلك، الجمهور حول العالم هم مفسرون نشطون، يجلبون تجاربهم ومعتقداتهم إلى الشاشة. بهذا المعنى، يصبح التفسير فعلًا سياسيًا بحد ذاته. إرث سوبرمان الدائم كرمز للعدالة والهجرة والمقاومة يجعله عرضة لمثل هذه القراءات بشكل خاص. هذا الفيلم الأخير أعاد إطلاق عالم «دي سي» تحت إدارة جيمس غان وحقق أداءً قويًا في شباك التذاكر، مما يثبت أنّ القصة التي تحمل رسائل سياسية أو تُفسر كذلك يمكن أن تلاقي صدى واسعًا.
سواء كان ذلك مقصودًا أو لا، فإنّ سوبرمان (2025) دخل بقوة في النقاش الثقافي المحيط بفلسطين. وقد يمتد تأثيره الدائم إلى ما هو أبعد من النجاح التجاري، حيث يرن كرمز تضامن للبعض — وجدل للآخرين. في عصر يصعب فيه فصل الفن عن السياسة، تجد حتى أفلام الأبطال الخارقين نفسها متشابكة في الصراعات الواقعية التي تسعى إلى تصويرها، لتذكيرنا بأنّ قصص العدالة والمقاومة ليست مجرد خيال.