ممداني يتولى بلدية نيويورك… وبرّي ينتصر في بيروت!

ممداني يتولى بلدية نيويورك… وبرّي ينتصر في بيروت!

  • ١١ تشرين الثاني ٢٠٢٥
  • أنطوني سعد

«حدوتة» الإنتصارات، نبيه برّي يبيع جمهوره أحلاماً مستحيلة

في الأيام الماضية، حاول نبيه بري ومعه الثنائية الشيعية تصوير إنتصارات إنتخابية خارج لبنان وكأنّها «علامة صعود شيعي عالمي». فجأة صارت نيويورك وديربورن حدثاً مصيرياً، وصار أي خبر بلدي أميركي يُقدّم للداخل اللبناني وكأنّه إنتقام تاريخي، وكأنّه إختراق جيوبوليتيكي يقلب موازين القوى. الحقيقة أبسط بكثير من كل هذا الضجيج: ما يجري هو عملية تجميل للهزيمة، ومحاولة إنتاج معنويات لدى جمهور تعب، منهك، ومخنوق بأزمات يومية لا تنتهي.

لنبدأ من نيويورك. المرشح ممـداني ليس مرشح «مقاومة» ولا مرتبط بالمشروع الإيراني. الرجل من أصول هندية، يساري، يعلن دعمه للمثليين والمتحولين علناً، ويدافع عن أجندة إجتماعية تقدميّة بالكامل. والأهم من كل ذلك، أنّ الرجل صرّح خلال مناظرة إنتخابية أنّه يؤمن بحقّ إسرائيل بالوجود «ككيان له حقوق متساوية». فكيف يصبح فوزه «إنتصاراً لمحور المقاومة»؟ كيف يمكن تحويل سياسي يختلف جذرياً عن أفكارهم إلى رمز إنتصار؟ هذا تحويل للواقع إلى كاريكاتور، فقط لأنّ القاعدة الشعبية بحاجة لأي جرعة أمل، ولو كانت وهمية.

ننتقل إلى ديربورن. منذ 2005، والديمقراطيون يفوزون فيها. لم يحصل إنقلاب سياسي. لم يحصل تغيّر في الهوية الحزبية. ومع ذلك، يتم تقديم هذه الإنتخابات كفتح مبين، وكأنّ الثنائية الشيعية قلبت مشهد أميركا السياسي رأساً على عقب. في الحقيقة، لا شيء جديد. لا بنية سياسية تغيّرت، ولا ميزان قوى تبدّل. فقط استثمار إعلامي في شيء قديم، لإنتاج صورة جديدة تُباع للداخل اللبناني كإنجاز «عابر للحدود».

الواقع القاسي أنّ الثنائية الشيعية تعيش أزمة رواية حقيقية: في لبنان خسروا الحرب ويخسرون كل يوم لأنّ إسرائيل تواصل الضرب والإغتيالات بلا أي ردّ فعلي ولا حتى صاروخ واحد يدخل إلى قلب إسرائيل، وفي سوريا خسروا الركن الأكبر للمشروع يوم خرج بشار من سوريا فعلياً ولم يعد ممسكاً بها كما كان، لذلك يتم استيراد أي «انتصار خارجي صغير» وتحويله لمادة تعبئة داخلية لتعويض هذا العجز والانهيار.

بالتالي، ما يحصل اليوم ليس قراءة سياسية، بل صناعة رواية. بدل الإعتراف بالواقع، يتم تخدير المزاج الشعبي عبر قصص نجاح مستوردة من أماكن بعيدة، لا علاقة لها لا بالسلاح ولا بالميزان الفعلي للقوة. فالانتصارات لا تُقاس بعدد المقالات والمنشورات، بل بتغيير الوقائع على الأرض. واليوم، على الأرض، كل الوقائع تقول شيئاً واحداً: هؤلاء لا يربحون… هؤلاء فقط يحاولون بيع وهم الربح.