«وزارة» داخل وزارة الطاقة.. نسف للقوانين والمديريات بإشراف الوزير

«وزارة» داخل وزارة الطاقة.. نسف للقوانين والمديريات بإشراف الوزير

  • ٠٢ شباط ٢٠٢٤
  • عبدالله ملاعب

من "فكرة" لبرنامج الأمم المتحدة الانمائي إلى هيئة قائمة بالوزارة تمارس مهام مديريات وتضرب القوانين عرض الحائط.. إليكم القصَّة كاملةً

يوم كان النائب جبران باسيل وزيراً للطاقة والمياه، في العام ٢٠١٠، طلب من الدولة اللبنانية مساهمة مالية بقيمة نصف مليار ليرة أي ثلث مليون دولار لمؤسسة، ضمن وزارة الطاقة والمياه، تُعرف بالـ «المركز اللبناني لحفظ الطاقة».
هذا المركز ليس إلّا «فكرة» ضمن توصيات لمشروع مشترك نُفذ بين وزارة الطاقة والمياه وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، وتمّ التوقيع عليه عام 2002 في عهد الوزير محمد عبد الحميد بيضون وانتهى في عهد جبران باسيل بعد إنقضاء المدة الزمنية للمشروع بموجب الإتفاق.

بعد إنتهاء المشروع، أراد الوزير باسيل تحويل مقترح «المركز اللبناني لحفظ الطاقة» إلى هيئة دائمة ضمن الوزارة، تستمر رغم إنقضاء تمويل الـUNDP. ثمّ مأسس الوزير باسيل هذا المركز «مالياً» عام 2010. 

(كتاب وزير الطاقة السابق جبران باسيل لوزارة المالية الذي تضمّن مساهمة مالية للمركز اللبناني لحفظ الطاقة، وتلك الممساهمة أمّنت استمرار عمله بعض انقضاء مشروع الـUNDP)

 

باشر المركز اللبناني لحفظ الطاقة نشاطه بصيغة جمعية بموجب علم وخبر مُسجَّل لدى وزارة الداخلية والبلديات بتاريخ 27 كانون الثاني 2011. 
ومهامه التي حدَّدها في بياناته تتمثل بإعداد التشريعات المتعلقة بحفظ الطاقة وكفاءة إستخدامها وترشيد إستهلاكها، وهي جزء من المهام الموكلة إلى مديرية الإستثمار في وزارة الطاقة والمياه بموجب القانون. 
إلى ذلك، يعترف المركز في بياناته أنَّ نفقاته هي مساهمة من وزارة الطاقة والمياه التي هي المصدر الرئيسي لتمويله. ويُعتبر وزير الطاقة والمياه صاحب الدور الرئيسي في إدارته ورسم سياسته ومراقبة أعمال هيئتة الإدارية وأيضاً الموافقة على المصاريف ومراقبة مشروع موازنته وقطع الحساب، وبالإجمال، الإشراف على مجمل نشاطاته والعمل على تطويرها، بحسب ما تظهر بيانات المركز. 
وبهذا الشكل، يستطيع المركز أن ينقلب على الوزارة بمديرياتها والقوانين التي تُنظم عملها، وعلى الدستور أيضا، وهذا فعلاً ما حصل في وزارة الطاقة منذ العام 2011.  
يشرح غسان بيضون، المدير العام السابق لمديرية الإستثمار في وزارة الطاقة والمياه ومحلل سياسات الشراكة مع القطاع الخاص في المعهد اللبناني لدراسات السوق LIMS لـ«بيروت تايم»، تخطي وزراء الطاقة المتعاقبين القوانين عبر هذا المركز الذي يصفه «بغير القانوني» والذي «يحلّ مكان الدولة». علماً أنّ بيضون عاصر كُلّا من جبران باسيل وسيزار أبي خليل وندى البستاني. 
وفي تموز من العام 2016 حاول الوزير سيزار أبي خليل إقتطاع 6 مليارات دولار من الموازنة العامة لتمويل هذا المركز الذي إتخذ من وزارة الطاقة مقراً له. وخلال إجتماع عقده أبي خليل في مجلس النواب واصطحب معه بيضون لهذا الغرض، سُئل عن طبيعة المشروع من حيث أنَّ القانون لا يُجيز تمويل أعمال مركز أو هيئة غير مدرجة تحت إشراف مديرية وزارية ما، فردّ أبي خليل أمام لجنة المال والموزانة النيابية أنّ المركز يُدرج ضمن مديرية الإستثمار، ولمَّا عبَّر بيضون عن إستهجانه لرد أبي خليل غير الدقيق، رفضت لجنة المال والموزانة تمويل هذا المركز ولم تخصّص له الستة مليارات دولار التي أرادها أبي خليل.

يقول بيضون، ذهب الأمر بوزراء الطاقة إلى حدّ صرف أموال عامة على دفاتر شروط وإطلاق مناقصات عبر هذا المركز. وبحسب معلومات «بيروت تايم» تمّ إطلاق مناقصتين عبر المركز في خطوة تُعدّ مخالفة للقانون. الأولى في العام 2014 لإنتاج الطاقة من الرياح، وأخرى لإنشاء محطات عائمة للتغويز، لإستيراد الغاز المسال وتخزينه وإعادة تحويله إلى غاز في العام 2019. كما قام هذا المركز بتوسيع مهامه بإستدراج عروض لبناء مزارع طاقة شمسية في مختلف المناطق اللبنانية.

ومؤخراً في أيار 2023، أعدَّ وأشرف المركز على عقود وقَّعها الوزير فياض مع 11 محطة شمسية لإنتاج الكهرباء ويتمّ ربط الإنتاج على شبكة مؤسسة كهرباء لبنان وبيعه للمؤسسة. كلّ هذا من مهام الهيئة الناظمة للكهرباء لا المركز اللبناني للطاقة الذي يفتقر لأي مسوّغ قانوني. 
يعدّد المدير العام السابق لمديرية الاستثمار في وزارة الطاقة والمياه غسان بيضون التجاوزات التي يقوم به هذا المركز منذ العام 2012. ويرفض أن يكون شاهد زور عليها.
وفي سياق متّصل يوضح رئيس هيئة الشراء العام د. جان العلية لـ«بيروت تايم» أنَّ لدى كل وزارة هيكل تنظيمي واضح وصريح وعلى الوزراء إحترامه والتقيّد بالمادة 66 من الدستور اللبناني التي تحدّد مهام الوزير وسلطته وعمله. ويُضيف العليّة تعليقاً على «الوزارة» داخل الوزارة، أنَّ القانون يعطي الوزير حقّ الإستعانة بمستشارين غير أنّ إستشاريي الوزير، وهم أعضاء المركز هنا، لا صفة قانوناً تخولهم إتخاذ قرارات أو إختزال مواقع إدارية ويستهجن العليّة كل التعدّيات على القوانين ومنطق المستشاريين والهيئات الخارجة عن القانون.

وفي السياق يبقى السؤال ما هو نشاط المركز اللبناني لحفظ الطاقة حالياً؟ 
بحسب معلومات من داخل وزارة الطاقة، يستجدي «المركز اللبناني لحفظ الطاقة» اليوم دعماً من الإتحاد الأوروبي بقيمة مليون و750 ألف يورو للقيام بمهمات تقع على عاتق مديريات في وزارة الطاقة والمياه. وهي إستدراج عروض ووضع دفاتر شروط والتخطيط لإنشاء معامل إنتاج كهرباء وتنظيم قطاع إنتاج الطاقة الكهروضوئية أي قطاع «الطاقة الشمسية». 
وحالياً حدّد المركز 33 شركة تعمل في مجال تركيب الطاقة الشمسية داعياً كل المواطنين الراغبين بتركيب أقراص طاقة شمسية في منازلهم أو مؤسساتهم بالتعامل مع هذه الشركات حصراً. وهذا بدوره بحسب خبراء القانون يُدرج في خانة المنافسة غير المشروعة، وبإمكان الشركات التي لم تتمّ دعوتها، مقاضاة الوزارة. كما أنَّ من ضمن الشروط التي وضعها المركز اللبناني لحفظ الطاقة أن تخضع الشركة إلى تدريب في إنتاج الطاقة الكهروضوئية من قبل معهد البحوث الصناعية عبر المركز، ويكون هذا التدريب مدفوعاً ويخضع بعده مندوب الشركة إلى إختبار تقييم لمؤهلاته. 
وفي سياق متصل لا بدَّ من الإشارة إلى أنّ المركز نفسه حاول في آب من العام 2022 التقدّم بإقتراح فرض ضريبة سنوية بقيمة 200 ألف ليرة لبنانية عن كل لوح طاقة شمسية تمّ تركيبه، أي يلزم كل منزل يستخدم 10 ألواح بدفع مليوني ليرة لبنانية سنوياً تحت قاعدة أنّ الدولة تستحصل ضريبة من الآبار الإرتوازية كون المياه الجوفية هي ملك الدولة. إلّا أّن الوزير فياض أسقط هذا الإقتراح بعد الإعتراض الشعبي الكبير على تلك المحاولة الفاشلة لجباية المال ممَنْ تَوَجَّه للألواح الشمسية بعد فشل الوزارة الذريع في تأمين الكهرباء.

ردّ وزير الطاقة وليد فياض: 

تجدر الملاحظة  أنّ «بيروت تايم» تواصلت مع وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال وليد فيّاض للوقف عند تعاطيه مع ذلك المركز الذي "تمأسس" بشكل غير قانوني. إلا أنَّ فياض نفى أن يكون المركز قد تخطّى الدور الاستشاري معتبراً أنَّ المركز "يقوم بدراسات هندسية وتقنية متعلقة حصراً بموضوع الطاقة المتجددة ولا يدخل في نطاق العمل القانوني للمديريات التابعة للوزارة"، وهو "يساهم بدعم وزارة الطاقة والمياه في هذا الإطار كما يعمل مع مجموعة من الإدارات الرسمية كمؤسسة كهرباء لبنان ولجنة الطاقة النيابية لتطوير القوانين، ويعمل على تحسين نوعية أنظمة الطاقة الشمسية بالتعاون مع مؤسسة المعايير والمواصفات اللبنانية- ليبنور".