التوقيع الإلكتروني في لبنان.. «يا ورد مين يشتريك»؟
التوقيع الإلكتروني في لبنان.. «يا ورد مين يشتريك»؟
أُقرّ مرسوم التوقيع الإلكتروني والأسناد الرسميّة الإلكترونية في جلسة مجلس الوزراء اللبناني، ما قبل الأخيرة، التي عُقدت في شباط الماضي. أخيراً سلك هذا المرسوم طريقه إلى النور بعد 16 عاماً من محاولات حثيثة لتحويل معاملات اللبنانيين كلّها إلى صيغة إلكترونية تخفّف من تكاليف التنقّل وبطء العمل، والأهم من ذلك، تقطع الطريق إلى حد ما، أمام الرشاوى.
صدر المرسوم المذكور، إستناداً إلى المادة الثامنة، من قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات، ذات الطابع الشخصي، الذي يحمل رقم 81، وكان قد أُقرّ في العام 2018 لتنظيم المعاملات الإلكترونية.
مرسوم الأسناد الإلكتروني هذا، يهدف أولاً إلى تحويل معاملات المواطنين إلى نسخة إلكترونية. وإعتماد تقنية التوقيع الإلكتروني أو الـ e-signature هو أول الغيث في رحلة التحوّل الرقمي في لبنان، الذي وضعت إطارها القانوني الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد. والخطوات التنفيذية لتطبيق المرسوم موكلة إلى وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية برئاسة نجلا رياشي.
كيف سيُنفّذ المشروع؟
تُوضّح الوزيرة نهلا رياشي في حديث لـ «بيروت تايم»، أنَّ تنفيذ مرسوم التوقيع الإلكتروني يحتاج إلى خطوات تقنية لاتزال تنقصها بعض التفاصيل، وهي بإختصار تأمين الأرضية والجهوزية اللازمة للمواطنين والموظفين على حد سواء، لتسيير العمل بالصيغة الإلكترونية. تصف رياشي هذه المرحلة بالـ readiness stage القائمة على التعليم والتدريب. وتقول، إنّ الوزارة ناشطة على هذا الخط. وعلى الرغم من أنَّ المرسوم قدّ أقرّ في مجلس الوزراء ومرّ مرور الكرام، لينهي بذلك عقد من التشاور والخوف على البيانات التي ستصبح متاحة إلكترونياً وإمكانية سرقتها أو تسرّبها، إلّا أنَّ نجاح مجلس الوزراء بتمرير المرسوم، بالتعاون مع لجنة التكنولوجيا النيابية، لا يعني حلّ مشكلة حفظ البيانات عبر الخوادم، التي ستكون ضمن هيئة أوجيرا، فالمشكلة تبقى بتمويل تأمين تلك الخوادم لجمع البيانات وربطها ببعضها وضمان سريّتها وحفظها بالشكل السليم.
تقول رياشي، «نتطلّع ليكون المجتمع الدولي موجوداً لدعمنا في شراء الخوادم»، وتتحدّث عن تلمّس تجاوب وإيجابية من الدول المانحة في هذا الإتجاه، لأنّ خطوة إقرار المرسوم اليوم تُعدّ من ضمن الإصلاحات المطلوبة من لبنان لمكافحة الفساد ووقف الهدر.
رياشي تحدّثت عن مدّة تتراوح حوالي الشهرين لبدء جملة من التطبيقات اللازمة لتنفيذ مرسوم التوقيع الإلكتروني، إلّا أنَّها توقّفت عند نقص التمويل، الذي بدونه، سيبقى إحراز التقدّم أمراً صعباً.
وفي السياق، أيَّد البنك الدولي بكتاب وصل إلى الدولة اللبنانية إقرار مرسوم التوقيع الإلكتروني، وتتطلع حكومة تصريف الأعمال عبر وزارة التنمية الادارية بتفعيل هذا التأييد لدعم المشروع من خلال خطة مشتركة بين البنك الدولي وهيئات الأمم المتحدة و الإتحاد الأوروبي للعمل على إطار مشترك وموحدّ ينتج عنه تنفيذاً جدياً للمشروع وتحولاً كاملاً وشاملاً للمعاملات، إلى صيغة إلكترونية في كلّ الوزارات. وتهدف هذه المقاربة أيضاً إلى توحيد الجهود الرامية لتحقيق التحوّل الرقمي، تجنباً لمشاريع متعدّدة تصبّ في الخانة نفسها.
يُذكر أنَّ رسالة البنك الدولي قد تضمّنت توصيات حول تطبيقات المرسوم، وقد أعلن وزير الصناعة جورج بوشكيان في وقت سابق أنَّ الحكومة ستسعى لجمع كل الإدارات مع بعضها وستعمل على تنفيذ التوصيات.
إذاً، يبقى مرسوم التوقيع الإلكتروني اللبناني قليل التأثير ودون نتائج يلمسها اللبنانيون قبل تأمين التمويل اللازم. موازنة العام 2024 لم ترصد أموالاً لمشاريع الرقمنة والحوكمة الإلكترونية. والأنظار تبقى شاخصة بإتجاه الجهات المانحة. فالعديد من الكتل النيابية لا ترى الملف ضرورياً، بل على العكس لقد عرقلت التحوّل الرقمي لسنوات من باب الخوف على البيانات، فيما المخاطر في مكان آخر. فلم يكن المرسوم ليمرّ في مجلس الوزراء لولا الضمانات التي أُعطيت للقوى السياسية بأنَّ ذلك لن ينتج عنه التخلّي عن خدمات بعض موظفي القطاع العام، الذي كان التوظيف فيه سياسيا.
ختاماً، لن يتحوّل لبنان إلى بلد رقمي بفعل إستراتيجية أُقرّت عام 2022، أو مرسوم الأسناد والتواقيع الإلكترونية. فهي خطوات أولى بالإتجاه الصحيح، إلّا أنَّها لا تكفي لتحسين مرتبة لبنان في مؤشر الحوكمة الإلكترونية. فالبلد الذي يحتل المرتبة 122 من أصل 196 على المؤشر المذكور، بحاجة أولاً إلى بنى تحتية حاضنة للتحوّل الرقمي، يسهل فيها الإتصال بالإنترنت وتُعزّز فيها خدمات إمدادات الكهرباء. وتعتبر هذه الخطوة الأولى في عملية التحوّل الرقمي. إلّا أنَّ لبنان قفز فوقها اليوم، بإتجاه القوانين والمراسيم الضرورية، ولكن نجاحها مناط بالبنى التحتية المناسبة والإستقرار السياسي والمساعدات أو الإستثمارات الدولية الغائبة، ليبقى الإتكال على التمويل الخارجي.. تحت قاعدة: «يا ورد مين يشتريك»؟