الساحرات.. مستقلات وذكيات يمتلكن حسّ الفكاهة

الساحرات.. مستقلات وذكيات يمتلكن حسّ الفكاهة

  • ٠٨ آذار ٢٠٢٤
  • غادة حدّاد

شعار يتكرّر كل عام في 8 من آذار، في يوم النساء العالمي، مفاده «نحن بنات الساحرات اللواتي لم تتمكّن من حرقهن». الشعار خرجت به مجموعة WITCH التي تأسّست في تشرين الاول عام 1968، وأطلقته خلال تظاهرة في نيويورك.

إستقت المجموعة إسمها من حملة مطادرة السحرة، بين القرنين السادس والسابع عشر. وهي ظاهرة إنتشرت في أوروبا والأميركيتين في العصور الوسطى، وتشير التقديرات أنّ عدد الأشخاص الذين قتلوا خلالها، وصل إلى عشرات الآلاف، وفي بعض أجزاء من أوروبا، كألمانيا، كانت أغلبية المتهمين من الإناث، في حين كانت الأغلبية في أيسلندا من السحرة الذكور. 

أول عملية مطاردة للساحرات كانت في سويسرا عام 1428، إستمرت لثماني سنوات، وأدت إلى قتل 367 شخص. إتهام السحرة كان يتمّ عبر ثلاث شكاوى من جيرانهم، وبعد المحاكمة، يُحرق معظم المُدانين حتى الموت، أو تقطع رؤوسهم، وكرحمة أخيرة، ربطت السلطات أكياس البارود حول أعناق الساحرات لتسريع موتهن في النيران.

أما أكبر عمليات مطاردة للساحرات في أوروبا كانت في بامبرج في ألمانيا، بين عاميّ 1626 و1631. ومن بين ألف شخص أدينوا، أُحرقت 900 إمراة، والمحظوظات منهن قُطعت رؤوسهن أولاً. وكشفت إحدى الوثائق عن وقائع محاكمة لساحرات بين عاميّ 1629 و1630، في فلامرشايم في ألمانيا، قضت بحرق الساحرات في الساحة العامة في موقع فوكوس الألماني.

إستمرت عمليات الإعدام بتهمة السحر حتى عام 1782، وتظهر البيانات أنّ محاكمات السحرة، إنتهت بقتل 42 في المئة من المتهمات، وكان الحرق هو الطريقة الأكثر شيوعاً لإعدام السحرة في أوروبا، أما في إنجلترا وأمريكا الشمالية كن يعلقن على حبل المشنقة.

أما كيفية تحديد التهمة بالسحر فتتلخص بالتالي:  
- العلامة على الجلد، مثل الشامة، أو البقعة العمرية، أو الوحمة، بإعتبارها علامة للشيطان.
- الوخز بالدبابيس، إن لم ينزفن، فهذه علامة أكيدة على أنهن تحت سيطرة الشيطان.
- «سباحة السحرة»، وهي تجرّيد المتهمات من ملابسهن وربطهن بحبل حول خصرهن وإلقائهن في مسطح مائي، إذ إن المعتقد السائد آنذاك أنّ المياه ترفض مَن تحمل علامة الشيطان، فإذا طافت المرأة تتمّ إدانتها بالسحر. وإذا غمرتها المياه، يتمّ سحبها بالحبل الملتف حولها كدلالة على براءتها. 

وتفيد الدراسات أنّ آخر محاكمة رسمية للساحرات جرت في بولندا عام 1775، حيث قُبض على 14 إمرأة بعد إتهامهن بإستخدام السحر، لإيذاء زوجة أحد النبلاء المحليين. ماتت ثلاث منهن بعد تعرضهن للتعذيب، بينما أُحْرِقت الأخريات. يُرجع بعض المؤرخين الفضل إلى هذه المحاكمة بأنّها كانت سبباً لحظر الحكومة البولندية التعذيب ومحاكمة الساحرات عام 1776 .

الإقتصاد خلف العنف

بين القرنين السادس عشر والسابع عشر، شهد العالم إنتقالاً من نمط الإنتاج الإقطاعي إلى الرأسمالي. يومها كانت النساء القوة العاملة في التعاونيات الزراعية، وبدأ إستملاك الأراضي لتوسيع المنشآت الصناعية فكانت النساء  الأكثر تضرراً من السيطرة على الأراضي، وخضن معارك لمنع خصخصة الأراضي.

 وفي إطار مهني آخر، إمتهنت النساء الطب، خاصة في الصين، وكن الطبيبات الأوائل، عبر وصفات من الأعشاب لعلاج الدورة الشهرية، إضافة إلى منع الحمل والاجهاض، الأمر الذي لاقى إستهجاناً من السلطات الدينية، لتعارضه مع مفهوم الإرادة الإلهية في الإنجاب.

ففي النظام الاقتصادي الجديد، تتطلب عملية الإنتاج وجود عمالة. ولكن آنذاك، كان رفض هؤلاء النساء الزواج والإنجاب يعتبر تهديداً للنمط الإقتصادي الجديد. لذا، إضطهدت النساء العازبات والرافضات للزواج، وتمّ تصنيفهن، إلى جانب الطبيبات، على أنهن ساحرات فتحولت مطاردة الساحرات بمثابة عملية إقتصادية وسياسية للبشرية.

في كتاب «كاليبان والساحرة: المرأة، الجسد، والتراكم البدائي»، قامت الكاتبة النسوية والأستاذة سيلفيا فيديرتشي بدراسة العلاقة بين محاكمات الساحرات والنظام الأبوي وظهور الرأسمالية المبكرة. وإكتشفت أنّ هناك تزامنًا بين محاكمات الساحرات والعنف ضد المرأة وعمليات سلب الملكية الأرضية وإعادة صياغة الأنشطة الإنجابية والذاتية للمرأة. وظهر ذلك بوضوح خلال محاكمات الساحرات الكبرى في أوروبا.

كانت هذه الفترة فترة إنتقالية بالنسبة لأوروبا والأمريكتين، وتوضّح دراستها كيف أنّ محاربة الجسد والعقل النسائيين كانت شروطًا أساسية لتطوير قوة العمل والملكية الذاتية، وهما مبدأان أساسيان في التنظيم الإجتماعي الحديث. كما قدمت فيديرتشي تحليلاً يتضمن عنصرية، حيث إستندت إلى النظرية النسوية في أمريكا اللاتينية. من خلال تحليلها، يمكننا تتبع المزيد من العلاقات التي تظهر الإرتباط الوثيق بين إضطهاد الساحرات وتطوّر الرأسمالية، موضحة كيف أدى العنف والسطو على الملكية الذاتية إلى إستيلاء البشرية على الطبيعة أيضًا.

ديزني: ترسيخ تهمة السحر

شيطنة فكرة الساحرة مستمرة حتى اليوم، وتعتبر أفلام ديزني أحد تجلياتها، إذ تتكرّر الصورة النمطية للساحرة فهي، مسنة، بشعة، حاقدة على الأميرة الجميلة، وهي الطرف الساعي دائماً الى الأذية. بالمقابل تترسخ لدى الفتيات الصغيرات صورة الأمير المنقذ، بقبلة يمنع عنهن السحر، وتنتهي القصة بالزواج ولا طموح خارج الإطار المنزلي.

وبنظرة متأنية نستنتج أنّ الساحرات، هن من حقّقن ذواتهن بمفردهن، مستقلات وذكيات يمتلكن حس الفكاهة، وبمفهوم ديزني، هن قبيحات، وحاقدات، ووحيدات. اليوم أكثر من أي وقت مضى، أصبحت الساحرات رمزاً للنساء اللواتي ينتفضن ضد الصعاب.