المجلس التأديبي «يؤدّب» غادة عون المُتمردة!

المجلس التأديبي «يؤدّب» غادة عون المُتمردة!

  • ٢٢ آذار ٢٠٢٤
  • خاص بيروت تايم

منذ يومين تمّ تبليغ النائب العامة الاستئنافية في جبل لبنان، القاضية غادة عون بوجوب حضورها إلى قصر عدل بيروت اليوم الجمعة عند العاشرة صباحاً للمثول أمام الهيئة العليا للتأديب وحضور الجلسة الأولى لها. هذه الجلسة وسط تكتم تام حول مضمونها ، إذ لم تُعرف أسباب تحريك هذا الملف بعد أكثر من عشرة أشهر على قرار فصلها من السلك القضائي الذي إتُّخذ على يد القاضي جمال الحجار، والذي كُلف حديثاً للقيام بمهام المدّعي العام التمييزي بعد إقالة القاضي غسان عويدات إلى التقاعد في 22 شباط الماضي.

ولكن، في مضمون هذه الجلسة حكاية أخرى لم تُكشف بعد، وهناك قرار  تكتمت عنه المراجع القضائية منذ بدء القضية، إلا أنّ مصادر ل«بيروت تايم» أكدت أنّ الإستئناف الذي قدّمته عون سابقاً بعد قرار فصلها، قد «رُدّ» لأسباب قانونية، وهذا يعني أنّ تبليغ عون بردّ إستئنافها، يعني فصلها بشكل رسمي ونهائي من السلك القضائي وعدم إمكانية تغيير القرار. 
وعند العاشرة من صباح اليوم الجمعة، حضرت عون إلى قصر عدل بيروت برفقة مجموعة من جمهور التيار الوطني الحر، الذين رافقوها لدعمها، وفي مدة لم تتجاوز الخمس دقائق، دخلت عون إلى الجلسة وردّت القاضي سهيل عبود. وبهذه الخطوة، لم تبّلغ عون بمضمون الجلسة وخرجت فور تقديمها طلب الرد. 
فبدأت المسألة في شهر أيار عام 2023، عندما قرّر المجلس التأديبي القضائي فصل عون من الخدمة، بسبب بعض الدعاوى التي قدّمها متضررون من إجراءات كانت قد إتخذتها سابقاً، وبسبب مخالفتها لتعليمات رؤسائها وعدم الإلتزام بها، ما أدى إلى تراكم المخالفات القضائية بحقها، ومن ضمنها أيضاً سفرها إلى فرنسا من دون الحصول على إذن، ورفضها تبلّغ مواعيد محاكماتها وعدم إلتزامها بقرارات القاضي غسان عويدات. وقرار فصلها أو عزلها عن العمل، إتخذ من قبل القاضي جمال الحجار بصفته رئيساً للمجلس التأديبي للقضاة، وهوقرار كان قابلاً للإستئناف وهذا تماماً ما حصل. 
وغادة عون المعروفة بأنّها «قاضية العهد»، نسبةً لميولها السياسية، فهي محسوبة على التيار الوطني الحر وعلى رئيس الجمهورية السابق، ميشال عون، وخلال هذه السنوات خالفت قرارات رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، وإتخذت سلسلة من الإجراءات التي أثارت جدلاً كبيراً، من خلال ملاحقتها للمصرفيين وإدعائها على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وعائلته بـ«الإثراء غير المشروع»، وبملاحقة حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة وشقيقه رجا سلامة، إضافة إلى ميشال مكتف المدير العام لشركة مكتف للصيرفة ومجموعة من كبار المصرفيين. 
وقرار فصلها من الخدمة أفقدها صوابها داخل قصر عدل بيروت في الرابع من أيار عام 2023، إذ استمرت بالصراخ في الطابق الرابع تعبيراً عن غضبها من هذا القرار، وتوجهت نحو الطابق الخامس لطلب المساعدة والإستنجاد بالوفود الأوروبية التي كانت تتواجد في بيروت لمتابعة جلسات إستجواب مع مجموعة من المصرفيين والسياسيين في ملف رياض سلامة. وشاءت الصدف أن يتزامن قرار تبليغها بفصلها من الخدمة في اليوم نفسه الذي تُحقق فيه الوفود الأوروبية مع صاحب شركة «فوري»، رجا سلامة (شقيق حاكم مصرف لبنان السابق)، فدخلت القاعة شاكيةً للقضاء الأوروبي الإجراء الذي إتخذه القضاء اللبناني بحقها، إلا أنّ ما حصل بعدها كان مستغرباً وأغضب الوفد الأوروبي، فلحظة خروجها من القاعة، سيطر القلق على رجا سلامة، وطلب من القضاة إرجاء جلسته إلى موعد لاحق، وألح عليهم بطلبه هذا راغباً منهم السماح له بمغادرة قصر عدل بيروت. 
وحظيت عون بدعم كبير من جمهور التيار الوطني الحر، الذي اعتبرها من أقوى القضاة في محاربة الفساد ووصفها  بالمرأة الأكثر جرأة النساء كونها تلاحق الفاسدين، وتتابع أهم الملفات القضائية وتمكنت من فضح أهم قضايا الفساد، ولاحقت ملف المصارف. في حين رأت فئة أخرى من المواطنين أنّ قرار فصلها من القضاء هو قرار صائب وفي وقته المناسب حيث جرى إتهامها بأنّها قاضية إستنسابية تُلاحق الملفات بهدف إبتزاز خصوم التيار الوطني الحر أي أنّها تتحرك وفقاً لأسباب سياسية. 
والمعركة القضائية لم تكن وليدة الساعة، بل كانت نتاجاً لسنوات من الخلافات القضائية، وكان للمدعي العام التمييزي السابق، القاضي غسان عويدات دوراً أيضاً، حين قرر أن يكفّ يدها، وفرض عليها عقوبات مسلكية وأصدر قراراً عام 2021 يقضي بتوزيع الأعمال في دوائر النيابات العامة الإستئنافية في جبل لبنان على ثلاثة قضاة آخرين، وكان قراره يقتضي بإحالة جميع ملفات الجرائم غير المشهودة التي لا تزال قيد النظر لدى النيابة العامة إلى القضاة الذين حددهم عويدات، وبالتالي يطلب منهم تبليغ عويدات بجميع الجرائم الخطرة. كما أنّه طلب من إدارة الجمارك عدم الأخذ بإشارات عون من دون المرور بوزير العدل،  وطلب من قوى الأمن الداخلي والأمن العام عدم مخابرتها في الملفات والقضايا المطروحة أمامهم ومخابرة المحامي العام المناوب في جبل لبنان أو المدّعي العام التمييزي، واستكمل عويدات إقصاء عون عام 2023، حين أصدر كتاباً إلى النيابة العامة الإستئنافية في جبل لبنان طلب فيه وقف إجراءات عون الإستقصائية المتعلقة بملفات المصارف معتمداً على المادة 751 من قانون أصول المحاكمات المدنية. 
وبحسب معلومات «بيروت تايم» فإنّ جلسة عون كادت أن تكون من أكثر الجلسات حساسية وفي غاية الأهمية، حيث كان من الممكن أن تشعل معركة قضائية جديدة، وتفيد المعلومات أنّ هذه الجلسة حملت إحتمالين فقط، إما  تبليغ عون بـ«ردّ إستئنافها» ما يعني أنّ قرار فصلها بات رسمياً ولن تتمكن من مزاولة مهنتها، إما أنّ هناك قرار بتهدئة الأمور وستُخصص الجلسة للتحاور مع عون ومناقشة قضية صرفها من الخدمة. لكن عون قطعت الطريق أمام أي حوار مع القا ضي عبود. 
وأكدت مصادر قضائية أنّ الهيئة العليا لمجلس التأديب حدّدت هذه الجلسة الأولى في قضية عون حيث كان يفترض الإستماع إليها لمتابعة ملفها، كما تمّ تحديد جلسة أخرى لها في نيسان المقبل. 
وتستمر معركة عون داخل القضاء اللبناني، خاصةً أنّها لم تعُد تملك الدعم التي تمتعت به سابقاً حين كان ميشال عون رئيساً للجمهورية، والمؤكد أنّ جميع المحسوبين على التيار الوطني الحر تقلّص حجم دعمهم وقوتهم داخل القضاء اللبناني بعد إنتهاء «العهد القوي». 
وعلى الرغم من كل ذلك، وبالرغم من أنّ قرار صرفها إتُخذ من القاضي جمال الحجار، إلا أنّه منذ لحظة توليه لمنصب المدّعي العام التمييزي، يسعى باستمرار لحلحلة جميع المشاكل، إذ إلتقى بالقاضية عون أكثر من مرة داخل مكتبه لمتابعة بعض الأعمال القضائية. فهل دُقت عقارب الساعة وحان موعد «فصل» عون رسمياً؟ أم أنّ الأمور ستجري بشكل مختلف؟ فلننتظر المرحلة المقبلة!