خطاب الكراهية.. لغة إقصائية وخوف من الرأي المختلف

خطاب الكراهية.. لغة إقصائية وخوف من الرأي المختلف

  • ٢٤ آذار ٢٠٢٤
  • إلياس معلوف

لا يوجد تعريف موحّد لخطاب الكراهية ولكنّ منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) تعرّفه بأنّه «عبارات تؤيد التحريض على الضرر (بخاصة التمييز أو العدائية أو العنف) حسب الهدف الذي تمّ تحديده وسط مجموعة إجتماعية أو ديموغرافية. فقد يشمل على سبيل المثال لا الحصر، الخطاب الذي يؤيد الأعمال العنيفة أو يهدد بارتكابها أو يشجعها».

وبعض السّمات الأكثر شيوعاً التي يُبنى عليها خطاب الكراهية هي الدين والعرق والأصل الإثني والنوع الإجتماعي والتوجّه الجنسي والطبقة الاجتماعية. ويتّخذ أشكالاً تتراوح بين المقالات المكتوبة والصور ورسوم الكرتون وصولاً إلى الفيديوهات والتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي. 

يمكن لـخطاب الكراهية أن يشكّل خطرًا بوجه خاص حين يسعى إلى تحريض الناس على العنف تجاه مجموعات مهمشة. إنّما، حتى في أشكاله الأقل حدّة، مثل حالات الشتم المتكرر أو الافتراء أو الصور النمطية المؤذية التي قد تنشئ بيئات مشحونة بالحقد وتؤدي الى حصول تداعيات سلبية. وخطاب الكراهية قد يشعر من يعاني منه بأنّ كرامته مهانة باستمرار وهذا قد يلحق نوعًا من الأذى النفسي به ويساهم في تعزيز نطاق تهميش الفريق المستهدف إجتماعيًا وسياسيًا وثقافيًا وإقتصاديًا.

ويمكن أن يأتي خطاب الكراهية بأشكال مختلفة منها التعليقات الناتجة عن الجهل والمزاح المسيء ووصولاً إلى الدعوات الصريحة إلى التمييز ضّد مجموعة معينة وفي أسوأ الأحوال الدعوة إلى القتل الجماعي.

هذا ويشير القانون الدولي لحقوق الإنسان بشكلٍ خاص إلى تصنيفات معيّنة من خطابات الكراهية الحادة التي يجب على الحكومات منعها. وهذا يشمل الخطاب الذي يروّج بشكلٍ فاعل للكراهية التمييزية بطريقة تحرّض الناس على ارتكاب الأذية بحق المجموعة المستهدفة، لمجرد إنتمائهم لهوية معينة. هذا النوع من الأذية قد يأتي على شكل عنف أو تمييز أو أي فعل معادي آخر.

وقد يعود أصل الكراهية إلى الخوف أو الجهل غير أنّه قد ينتج أيضًا من الأحكام المسبقة أو الصور النمطية أو القناعات الإقصائية أو تحريف الأمور عند عرضها في الإعلام أو التلاعب السياسي أو المواقف العنصرية. وقد يجرد خطاب الكراهية أحيانًا المجموعات المهمشة من إنسانيتها، ما يحتمل أن يؤدي إلى تعريضها للعنف.

التجريد من الإنسانية!

والتجريد من الإنسانية هي عملية تقوم على نزع الصفات الإنسانية الفردية عن الأشخاص لتبرير المعاملة المختلفة التي يتلقونها من أصحاب السلطة. ويسعى التجريد من الإنسانية إلى ترك إنطباع غالبًا لدى الأكثرية أو المجموعة المسيطرة أو مناصريها يظهر مجموعة أخرى جراء صفة تعريفية عامة على أنّها أقل إنسانية نوعًا ما. مع مرور الوقت، تنزع الخطابات فيما بين المجموعة المسيطرة الصفات الإنسانية الفردية عن الآخرين وتعاملهم على أساس مجموعة فقط فتحرم بذلك كل فرد من المجموعة من قيمته الفردية.

ويجرّد الناس الآخرين من إنسانيتهم عبر سبل متعددة، منها على سبيل المثال مساواة مجموعة من الأشخاص يحملون صفة مشتركة (كالعرق أو الدين نفسه) بالحيوانات أو الحشرات أو حتى الآفات.

تعسف الحكومات! 

من المغري التفكير بأنّ حظر كل خطابات الكراهية أو فرض الرقابة عليها قد يحد من التمييز. إلا أنّ ذلك غير كفيلٍ بمعالجة الأسباب الجذرية للكراهية والتمييز. والأهمّ أنّ الرقابة لا تشمل الأفراد الذين ينشرون الكراهية بل تمنع النقاشات وتطيح بفرص تبادل الأفكار والتجارب. 

إنّ كانت الأسباب الجذرية للكراهية ناجمة عن الجهل، فنحن بحاجة إذًا إلى العلم والنقاش وإلى تصوير أفضل للأمور في وسائل الإعلام. ولكن إن كانت النية وراء خطاب الكراهية هي إما الحفاظ على أنظمة تمارس فيها السلطة بشكل غير متساوٍ على المجموعات أخرى من الناس أو تكريس أجندة سياسية ما، علينا إذًا الحدّ من هذا الخطاب أو الاعتراض عليه بناء على ذلك.

وحين تتوفر قوانين تمنع حريّة التعبير أو تحدّ منها، لا بدّ لها من أن تكون واضحة ودقيقة للغاية. وإلا قد تستغل الحكومات القوانين إن كانت تتعلق بخطاب الكراهية أو الأمن القومي أو الكفر أو مكافحة الإرهاب لتبرير قمعها لأي معارضة مشروعة.

يتجاوز أصحاب السلطة بإستمرار القوانين التي تفرض الرقابة على خطاب الكراهية وذلك غالبًا لتجريم خطاب المجموعات المهمشة أو الضعيفة أو المعارضة التي يفترض بأنّ القانون موجود لحمايتها.

كما تسيئ الحكومات أحيانًا إستعمال مصطلح خطاب الكراهية وتستخدمه لإسكات الانتقادات وتفادي تحمّل المسؤولية. لكن في الحالات القصوى، يمكن للدول منع أيّ خطاب يحرض على العداوة ويشجع على العنف أو يدعو لارتكاب التطهير العرقي بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.

خطاب الكراهية وحريّة التعبير

ولأنّ حريّة التعبير مهمة للغاية، لا بدّ أن يكون أيّ قيد يفرض عليها استثنائيًا ومحددًا بشكلٍ واضح ومسوّغًا بدقة. إذ لا يكتفي القانون الدولي لحقوق الإنسان بوضع خطوط حمراء بشأن ما يمكن التعبير عنه وما لا يمكن التعبير عنه أيضًا، بل يحدد أيضًا معايير صارمة يجب أن تلتزم بها الدول لتسويغ وتبرير أي تدابير تتخذها لفرض قيود على حريّة التعبير.

ولكن لا يمكن تعريف المعارضة أبدًا على أنّها خطاب كراهية فقط لأنّها تنتقد أفعال الحكومة أو تحتج عليها. ويجب أن يؤمّن لهذا الخطاب المعارض الحماية على الدوام.

 فحريّة التعبير حقٌ جوهريّ من حقوق الإنسان وأهميتها لا تنحصر بكيفية تبادل الأفكار بل تمتد أيضًا إلى جوهر ممارسة الديمقراطية. وهي الطريقة التي تمكننا من معرفة ما تقوم به حكوماتنا وتعلّم كيفية ممارسة المعارضة والمطالبة بالمحاسبة. فوجود المساءلة والنقاش ضروري لوضع سياسات أفضل وبناء مجتمعات لا تستثني أحدًا وتحقيق الازدهار الاقتصادي والتقدّم الاجتماعي.