الكرة الطائرة اللبنانية.. هل تعود؟

الكرة الطائرة اللبنانية.. هل تعود؟

  • ٠٢ نيسان ٢٠٢٤
  • محمد فوّاز

الأسباب المباشرة للتراجع

أين لعبة الكرة الطائرة؟ وأين شعبيتها وانتشارها؟ وأين أنديتها التي تجاوز عددها في مرحلة من المراحل الـ400؟ وأين منتخباتها رجالاً وسيدات؟ والأهم أين الإتحاد الفاعل والقرارات الجريئة التي تعيد البريق إلى اللعبة؟ فلولا ومضات منتخبات «الجنس اللطيف» بين الفينة والأخرى لما كان لهذه اللعبة من حضور يُذكر.
فقد سجلت لعبة الكرة الطائرة تراجعاً حادّاً في العقود الأخيرة على الرغم من أنّها كانت الأكثر إنتشاراً في مختلف المناطق اللبنانية، إذ لم تكن تخلو قرية من وجود فريق فيها يمارس اللعبة ولو على «حبْل». كما كان للبنان صولات وجولات في الدول العربية، لكن لماذا هذا التراجع الحاد وما هي أسبابه؟ 
فبعدما أن إستحوذت الكرة الطائرة في القرن الماضي على إهتمام معظم الرياضيين اللبنانيين وكانت الخيار الأول بالنسبة اليهم وأصبح لهذه اللعبة جمهور غفير، وارتقى المستوى الفني إلى درجات عالية عربياً وآسيوياً، وكانت تقام دورات رياضية في مختلف القرى والبلدات اللبنانية وسط إقبال جماهيري غفير، بدأ نجم هذه الرياضة يخبو شيئاً فشيئاً لتحلّ مكانها كرة القدم وكرة السلّة.
خلال العقود الماضية تراجعت الكرة الطائرة فنياً وإدارياً بسبب المحسوبيات والخلافات السياسية التي طغت على أنديتها مما حدا بمحبي اللعبة إلى الإتجاه نحو ألعاب أخرى ممارسةً ومشاهدةً واهتماماً. 
وعلى الرغم من أنّ بطولة اللعبة لهذا الموسم دخلت حالياً مرحلتها نصف النهائية، إلا أنّ حضورها خافت ولولا النقل التلفزيوني الذي تكفّلت به محطة واحدة لما كان أحد تنبّه إلى وجودها.
تقف رياضة الكرة الطائرة اليوم عند مفترق طرق، لذا ينبغي إتخاذ قرارات حاسمة إذا أردنا لها أن تبقى على قيد الحياة في لبنان. وعلى أهل الكرة الطائرة خاصّة وأهل الرياضة اللبنانية عامّة، تغليب مبدأ المحاسبة، فلا يتقدّم الشخصي على المصلحة العامة. فعند تأسيسها كان للعبة أساس رياضي بحت بعيداً عن المناكفات على أنواعها، لذا تألقت وأثبتت حضورها وكرّست ريادتها.
لكن في العقود الأخيرة، تعرّض القطاع الرياضي للعديد من الإشكالات والخلافات الطائفية والمناطقية والسياسية والإضطرابات بحجج التطوير وتأمين التمويل وتحسين الإدارة ومساعدة الأندية والعمل على القطاعات العمرية لإطلاق نشء قادر على تحقيق الحد الأدنى من الإنجازات. لكن كل ذلك لم يُفضِ إلى تجاوز الأزمة المادية والإنتفاضات، بل انتهى إلى تسويات ومصالحات آنية أدّت الى إنقسامات على مستوى الإدارة الإتحادية وبالتالي عرقلة مسيرة أي هيئة إدارية. تسويات وترقيعات لم يَنجم عنها سوى صِيَغ للتهدئة مجيّرة للمحسوبيات من دون مساهمات مادية لتسيير الأمور.
ثم أين دور اللجنة الأولمبية ووزارة الشباب والرياضة من تراجع الرياضة بشكل عام والكرة الطائرة بشكل خاص؟ أين المحاسبة بعد الدعم؟ وهل يعقل أن يقتصر حضور اللعبة على مجموعة أندية تعتمد على متموّل يوجه النادي حسب أهوائه من دون خطة تعمل على رفع مستوى الفريق وبالتالي اللعبة والمنتخب. وقد يجرّ هذا المتموّل في سجيته مجموعة أندية أخرى يعمل من خلالها على فرض حضوره الشخصي على الإتحاد.

الأسباب المباشرة للتراجع
1 - عدم إقامة البطولات بشكل دائم وإذا أقيمت تكون مقتصرة على مسابقات شكليّة لا تغنِ ولا تسمن، مع إهمال الفئات العمرية وخصوصاً في المدارس التي هي الأساس لبناء جيل المستقبل.
2 - الرياضة أصبحت إحترافاً ولم تعدْ هواية والوضع الإقتصادي الصعب الذي مرّت وتمرّ به الأندية ينعكس عليها وعلى لاعبيها الذين باتوا يطالبون برواتب شهرية وتجهيزات إحترافية وهي في هذا المجال مقصّرة.
3 – غياب المنشآت الرياضية والقاعات المغلقة من أجل التدريب وإقامة المباريات والدورات، خاصّة أنّ الملاعب المكشوفة لم تعدْ صالحة وقانونية لممارسة اللعبة.
4 – عدم إقامة دورات لصقل المدربين وابتعاد معظم مدربي اللعبة عن مواكبة التطور السريع والتعرّف إلى المستجدات الفنيّة والتدريبية.
5 – غياب الآليات لتمويل الإتحاد من جهة ومساعدة الأندية من جهة ثانية.
6 - قلّة عدد اللاعبين الموهوبين والمميزين في الأندية.
7 – عدم تطوير الجهاز التحكيمي.
8 – عدم إقامة معسكرات شبه دائمة للمنتخبات الوطنية وخصوصاً الفئات العمرية المتحمسة لتحقيق إنجاز ما.
9 – عدم الإستعانة بمنشآت الجامعات والمدارس لإطلاق المسابقات الجامعية والمدرسية علّها تنتج لاعبين مميزين قادرين على رفع شأن اللعبة. 
10 - إهمال الجيل القديم وعدم الإستعانة بالخبرات واللاعبين القدامى الذين رفعوا يوماً راية الوطن في المحافل العربية والإقليمية والقاريّة، من دون أن ننسى تكريمهم.
11 – غياب المشاركات الخارجية التي تؤمن الإحتكاك مع بلدان أفضل مستوى.
12 – عدم تعديل بعض القوانين والمواد في النظام الداخلي وتحديثها للمساعدة على تطوير اللعبة وتقدمها.

طائرة «زمان»
كانت الكرة الطائرة في فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي اللعبة الشعبية الأولى في لبنان قبل أن تتراجع أمام لعبتي كرة القدم وكرة السلة. 
انطلقت الكرة الطائرة اللبنانية أوائل الخمسينيات وكانت منضوية تحت لواء كرة السلّة، وكان الإتحاد اللبناني لكرة السلة يشرف على الرياضتين. وفي عام 1960 إستقلّت الكرة الطائرة عن إتحاد السلة ليصبح لها إتحاداً خاصّاً حصل على الترخيص في سنة 1961. 
وقد عمل الإتحاد في البداية بشكل بنّاء وكان الهدف الأساسي نشر هذه الرياضة في مختلف المناطق اللبنانية، وتمكّن من جمع عدد كبير من الأندية الرياضية حوله حتى أصبح أكبر إتحاد في لبنان.
لكن تدريجياً، تدخّلت السياسة والمناطقية والطائفية والإستنسابية والأنانية لتجعل من الكرة الطائرة «لعبة» في أيديهم يتنازعونها تحت حجج واهية وجعلوا منها مطيّة لأهوائهم.  
في النهاية، هل ستعود الكرة الطائرة التي عشناها في عزّها؟ وهل سيستفيق المعنيون من سباتهم لإعادة الإعتبار لهذه اللعبة التي لطالما أطربت الجماهير على إمتداد الوطن؟  سؤال برسم المعنيين!