١٣ نيسان.. أسئلة مَن يُجيب عنها؟

١٣ نيسان.. أسئلة مَن يُجيب عنها؟

  • ١٣ نيسان ٢٠٢٤
  • أنطوان الخوري طوق

لبنان.. بعد خمسة عقود على نيسان الـ75، أسئلة مشروعة عن الهويّة والدولة وبقايا وطن.

مضى على ١٣ نيسان ١٩٧٥ حوالي خمسين عاماً، وهو تاريخ إندلاع الحرب الأهلية اللبنانية أو حرب الآخرين على أرض لبنان كما يسميها بعض اللبنانيين . وها هو نيسان ٢٠٢٤ يطلّ من جديد بكامل أناقته وأزماته وتعقيداته  وإنقساماته العامودية ورهانات بعض أهله القاتلة والغريبة عنه، يطلّ بكامل تحدياته وإنهياراته، فهل باستطاعتنا القول بأنّ الإقتتال الأهلي قد ولّى إلى غير رجعة بعد مضي حوالي خمسة عقود على حرب ال ٧٥، وهل باستطاعتنا تسمية  هدنة ١٩٩٠ سلماً أهلياً، وهل إنتهت الحرب فعلياً أم ما زالت تتناسل حروباً؟ ها هو نيسان يطلّ برأسه وكأنّ البلاد واقفة «على صوص ونقطة» علماً بأنّ آلة القتل لم تتوقّف يوماً عن إصطياد النخب السياسية والثقافية وكأنّ القاتل يعرف بدهائه كيف يصطاد ضحاياه. 

بعد خمسة عقود هل باستطاعتنا القول بأنّ «الآخرين» وإن تبدّل بعض لاعبيهم وبعض أسمائهم قد توقفوا عن إستباحة هذه البلاد بأرضها وأهلها ودستورها وحدودها وقوانينها وأعرافها وحقّ تقرير مصيرها؟ هل باستطاعتنا القول بأنّ هذا «الخارج» قد استراح إستراحة المحارب و جنوبه مشتعل وقد دّمّرت قراه ومدنه وزيتونه ومواسمه ونزح أهله من جديد ؟ وهل ما زال هذا الخارج يشارك ويدعم ويموّل ويدير النزاعات والحروب المتنقلة بالتعاون والتنسيق مع أطراف الداخل ؟ هذا الخارج الذي إتخذ أسماء جديدة وجداول أعمال جديدة، وخطاب كراهية جديداً. 

 

بعد خمسين عاماً هل باستطاعتنا القول بأنّ اللبنانيين الذين دفعوا أثماناً هائلة من أرواحهم وأعمار أولادهم وأرزاقهم قد أنضجتهم التجارب بعدما إختبروا كلّ أصناف المجازر، وأنواع الإغتيالات والدمار والتهجير والتبعية العمياء للخارج، والتزلّم الأعمى لبعض رموز الداخل من اللاعبين والمرتهنين  وأصحاب السوابق من المقامرين بالناس والأوطان خدمة لأهداف خاصة بهم، ولإيديولوجيات غريبة عن اللبنانيين؟  بعد كلّ هذه السنين هل أدرك اللبنانيون أنّه ليس بإمكان أحد أن يلغي أحداً أو أن يقصيه؟ وهل أدرك اللبنانيون أنّ الأرض السائبة والحدود السائبة براً وبحراً وجواً تعلّم الناس الخراب؟ ألم يدركوا أنّ الأرض السائبة تثير شهية الطامعين واللاعبين بمصائر البشر بحيث يتحوّل لبنان من وطن الرسالة الى بلاد «الرسائل» في كلّ إتجاه، ولا عجب أن يتوافد الزوار من كلّ حدب وصوب يدخلون ويخرجون ويجتمعون ويصرحون ويهددون من دون إستئذان، ومن دون أي دعوة من الدولة، أو أي إلتزام بأدنى معايير اللياقة. 

يطلّ نيسان ٢٠٢٤ وقد بات لبنان مقراً لفصائل وتنظيمات سياسية وعسكرية إنطلاقاً من اليمن مروراً بالعراق وسوريا وصولاً الى لبنان، وكأنّ إتفاق القاهرة السيء الذكر قد بُعث من جديد، وبات لبنان الناطق بإسم محور الممانعة في منطقة الشرق الأوسط يهدّد من يريد، شاء من شاء وأبى من أبى. وهكذا تمّ إقتطاع الجنوب اللبناني إضافة الى مناطق مقفلة لها ماليتها وإقتصادها وأمنها الذاتي وسياستها، في ظلّ ما يشبه دولة غائبة كلياً عن السمع وسلطة تتلهى بالمُماحكات والصفقات، لتصبح البلاد ملعباً لقواعد إشتباك غير معروفة الأهداف والنهايات.

في ١٣ نيسان ٢٠٢٤، هل أدرك اللبنانيون أنّ بلادهم أضحت مأوى للعجزة بعد أن هجرها شبابها وتفكّكت عائلاتها وغادرها أصحاب الكفاءات، بعد أن سرقت الحكومات المتعاقبة والمنظومة السياسية الفاسدة جنى عمر اللبنانيين وقروشهم البيض التي إدّخروها للأيام السود، وهكذا جرى تهجير اللبنانيين وتوزيعهم على مشارق الأرض ومغاربها ليحلّ مكانهم اللاجئون والنازحون والأيدي العاملة من مختلف الأعراق والجنسيات وبحيث فاقت أعداد النازحين السوريين أعداد سكان البلاد الأصليين.

بعد خمسة عقود على نيسان الـ ٧٥ هل بوسعنا القول بأنّ  اللبنانيين باتوا ينعمون  بالسلام؟ وهل يعيشون رفاهية السلم الأهلي في ظلّ إحتفاظ قسم منهم بترسانات من الأسلحة، وفي ظلّ تفردهم بإعلان الحرب نيابة عن الدولة الغائبة والمفككة، وفي ظلّ عودة الإستعراضات المسلحة في شوارع بيروت، والعودة الى الحديث من جديد عن الطيونة وعين الرمانة والشياح، وغيرها؟

كيف يمكننا الحديث عن السلام في ظلّ الإنهيار المالي والإجتماعي والسياسي والتربوي والمؤسساتي، في تجاوز فاضح للقوانين والدساتير وفي غياب الثقة بالقضاء؟

كيف نتحدث عن سلم أهلي، والخطاب السياسي حافل بالحقد والكراهية والمهانة والتهديد ومصطلحات الحرب؟ هذا الخطاب الحافل بعبارات التخوين والتكفير والإتهام بالعمالة لكلّ من يجاهر برفض التسلّط ودعوات الموت في سبيل الآخرين والمتاجرين بعذابات الفلسطينيين؟ كيف يمكن التحدّث عن سلم أهلي بعد تفجير مرفأ بيروت وسقوط المئات من الضحايا والجرحى، وبعد منع التحقيقات من الوصول الى الحقيقة بقوة السلاح؟ أي سلم أهلي هذا الذي يرعاه تحالف المافيا والمليشيا؟ وهل يمكن الحديث عن السلم الأهلي وثقافة السلام، في ظلّ الفقر والعوز والمجاعة والعجز عن الحصول على الرغيف والدواء والكتاب؟ فالسلم الأهلى يؤسَّس على العدالة والمساواة وقيم التنوّع وحقّ وحرية الإختلاف وقبول الآخر. أي سلم أهلي برعاية منظومة سياسية تجتر نفسها. منظومة مملّة بألسنة خشبية لا يرف لها جفن لمرأى البؤس والتعاسة. منظومة وقحة لا تشعر بالخجل من جولات السفراء والموفدين الدوليين الذين يأتون من كلّ حدب وصوب  ويدعونهم  باستمرار لانتخاب رئيس للبلاد.

 إنّها جرصة عالمية! 

منظومة تُشعر عقلاء اللبنانيين بالقرف والملل. وقد تفنّنت بإذلال اللبنانيين إذ أنّ ذروة العنف هي عدم قتل الضحية وتشييء الإنسان وتحويله الى جثة فاقدة الحرية والكرامة.