«عمر الأسد» القطبة المخفيّة وراء العقوبات الأميركية على الجيش الإسرائيلي
«عمر الأسد» القطبة المخفيّة وراء العقوبات الأميركية على الجيش الإسرائيلي
لا ترى واشنطن ضرورةً في محاسبة إسرائيل على جرائمها في غزة، والعقوبات التي يزعم بلينكن فرضها على كتيبة في الجيش الإسرائيلي تأتي إكراماً لروح عمر الأسد.
«توصّلت إلى إستنتاجات، يمكنكم الإطلاع عليها مطلع الأسبوع المقبل»، هذا كان ردّ وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن على سؤال حول احتمالية فرض الولايات المتحدة الأميركية عقوبات على وحدة في الجيش الإسرائيلي. بلينكن هو نفسه الذي نزل في تل أبيب بعد أيام قليلة على على «طوفان الأقصى»، وقدّم نسخته اليهودي بخطاب شهير، قال فيه: «أزور إسرائيل بصفتي يهودياً فرّ جدّه من القتل».
لم يتبدّل موقف الإدارة الأميركية الداعم لإسرائيل، ولا موقف وزير خارجيتها اليهودي. ثارت ثائرة الإسرائيليين فور سماع الكلام الصادر عن بلينكن. نتنياهو كتب على منصَّة «أكس»، «الجيش الإسرائيلي يجب ألا يعاقب»، ووصق احتمال فرض عقوبات على وحدة في جيشه، «بقمَّة العبثيّة والانحطاط الأخلاقي».
إلا أن بلينكن، ربط كلامه عن العقوبات بقانون «ليهي» الأميركي الذي يُحظر على الحكومة الأميركيّة استخدام أموال لمساعدة وحدات أمنية أجنبية عندما تفيد تقارير موثوقة بتورّط الأخيرة بانتهاكات لحقوق الإنسان.
أُقرّ قانون «ليهي» في الكونغرس الأميركي عام 1997 والهدف الأساس منه منع تورّط الأميركيين بجرائم ترتكبها وحدات أمنية أو عسكرية ضمن الجيوش الحليفة التي تموّلها واشنطن. وبحسب القانون، تُقطع المساعدات فوراً عن الوحدات التي تنتهك حقوق الإنسان إذا أثبتت تقارير للإدارة الأميركيّة صحَّة ذلك. للمفارقة لم يُطبّق قانون «ليهي» سابقاً منذ إقراره. وعدد من موظفي الخزانة الأميركية انتقدوا ذلك بالعلن. من هؤلاء، يأتي «جوش بول»، الذي استقال من منصبه في وزارة الخزانة الأميركية بعد أسابيع قليلة على الحرب، إعتراضاً على الجرائم الإسرائيلية بحقّ الفلسطينيين. بول علَّق على القانون غير المُفعَّل معتبراً أنَّه من المعيب إرسال مساعدات عسكرية ومن ثم الإستماع إلى انتهاكات محتملة بدلاً من التدقيق قبل إرسال المساعدات.
وأضاف بول، الذي استقال في 18 تشرين الأول من منصبه في الخارجية الأميركية أنَّه كان «كان يثير المخاوف منذ مدة طويلة من أن نظام المحاكم العسكرية الإسرائيلية متحيز عندما يتصل الأمر بالإنتهاكات التي يرتكبها المسؤولون الإسرائيليون».
ما هي كتيبة «نيتساح يهودا»؟
تمّ تشكيل كتيبة «نيتساح يهودا» في عام 1999 لاستيعاب المعتقدات الدينية لليهود المتشددين وغيرهم من المجندين القوميين المتدينين في الجيش. أنشأت الحكومة الإسرائيلية الكتيبة كمسار لهذه المجموعات للخدمة في الجيش من خلال السماح لها بالحفاظ على ممارساتها الدينية، مثل منحها الوقت للصلاة والدراسة والحد من تفاعلاتها مع المجنّدات، حيث أنَّ هذه الكتيبة تتألف بمعظمها من الرجال.
الوثائق التي حصلت عليها وزارة الخارجية الأميركية تؤكّد استخدام هذه الكتيبة العنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، وقتلها لمواطن فلسطيني أميركي يُدعى عمر الأسد ويبلغ من العمر 78 عاما، في كانون الثاني 2022. وقتها تمّ نقل الكتيبة من الضفة الغربية إلى مرتفعات الجولان. إلّا أنَّ القصّة لا تنتهي هنا، فقد جذبت القضية اهتمامًا غير عادي بسبب جنسيته المزدوجة وعمره ومطالبة وزارة الخارجية الأمريكية بإجراء تحقيق في وفاته. برّر الجيش الإسرائيلي ذلك بالقول إنَّ جنود من كتيبة «نيتساح يهودا»، كممو عمر الأسد بقطعة من القماش وكبّلوا يديه بربطة عنق بسبب رفضه التعاون معهم والمثول لطلبهم.
وتمّ توبيخ قائد كتيبة «نتساح يهودا»، وفصل ضابطين لكن المدعين العسكريين الإسرائيليين قرروا عدم توجيه إتهامات جنائية لأنّهم قالوا إنَّه لا توجد صلة بين الأخطاء التي ارتكبها الجنود ووفاة المواطن. وقال المدّعي العام العسكريّ إنّ مسؤولاً طبياً عسكرياً وجد أنّه من المستحيل تحديد أنّ وفاته كانت بسبب سلوك الجنود على وجه التحديد، وأنّ الجنود لا يمكن أن يكونوا على علم بحالته الطبية. وإلى جانب هذه القضية، عشرات الحوادث المشابهة حصلت بسبب العنف المفرط المستخدم من عناصر الكتيبة المنتمون للحريديم، وهم يهود أصوليّون متشدّدون، لاسيّما في الضفّة الغربية. ووقعت عدة حوادث أخرى في السنوات الأخيرة، تمّ تصوير بعضها بالفيديو.
في المُحصّلة، الكرة بملعب الخارجية الأميركية التي قرّرت اليوم فتح ملف يعود إلى ما قبل أحداث السابع من أكتوبر وما تلاها، من جرائم إسرائيلية بحقّ الفلسطينيين. ومما لا شك فيه، أنَّ الضفة الغربية التي تضمّ القدس تبقى في أولويات الولايات المتحدة، على عكس غزّة المنسيّة التي لاتزال وزارة الخارجية الأميركية تتغاضى عن الجرائم المرتكبة فيها، وهذا كان سبب الإستقالات التي سُجّلت في الإدارة الأميركية التي تصنّف الإنسان في فلسطين وإسرائيل بثلاثة خانات. أولاً الإسرائيلي، ثانياً المقدسي، وأخيرا يأتي أبناء غزّة.