الرئاسة اللبنانية صناعة خارجيّة.. وهل من اتفاق دوحة جديد؟

الرئاسة اللبنانية صناعة خارجيّة.. وهل من اتفاق دوحة جديد؟

  • ١٣ أيار ٢٠٢٤
  • كاسندرا حمادة

الرئيس بين الخماسية والدوحة.. التدخّل الخارجي«قدر» بعبدا!

بدأت صناعة الرئيس يوم كاسرت بريطانيا  فرنسا مع الرئيس السابق  بشارة الخوري، وسجّلت صعودها الأوضح مع كميل شمعون. عام 1952، قدّم بشارة الخوري إستقالته من رئاسة الجمهورية، وذلك تحت ضغوط خارجية أجنبية(بريطانيا). فمنذ إعلان إستقلال لبنان، لم تمرّ أزمة على الساحة الداخلية اللبنانية إلّا وشهدت تدخّلاً خارجياً، أجنبياً كان أم عربياً. وتوالت الاتفاقات(القاهرة، الدوحة.. )، تبعاً للأحداث المختلفة التي عرفها لبنان، وكانت جامعة الدول العربية العرّابة الأولى. تباعاً، وقد ظهر الدور القطري السعودي في أكثر من محطة لبنانية. 
فإنّ لبنان على مدار الأزمنة والعصور دفع ضريبة موقعه الجغرافي وأهمّيته الإستراتيجية، ساهم في ذلك هشاشة نظامه السياسي، الذي على الرغم من كونه ديموقراطياً، إلّا أنّ صعوبة الحوار الداخلي، أدّى إلى التعثر في تطوّره المؤسّساتي، والترهّل في إصلاحه الإداري وتدخّلاً خارجياً مستمرّاً. 

 ومع مرور الوقت أصبح من الصعب حصر الحلول بما هو داخلي فقط، أو خارجي فقط. ذلك أنّ الأسباب الداخلية والخارجية قد تشابكت فيما بينها واختلطت حتى نشأت بين الإثنين علاقة سببية في الإتجاهين معاً.

العرب والدخول السوري إلى لبنان

ومن المحطّات البارزة في هذا السياق، دخول الجيش السوري إلى لبنان، الذي كان تحت رعاية عربية، مبنية على قرار جامعة الدول العربية. وقد دخل الجيش السوري مرّتين إلى لبنان الأولى عام 1976 ضمن قوات الردع العربية، والثانية عام 1990 حين شارك في عملية إخراج العماد ميشال عون من قصر بعبدا، إستناداً الى الإحاطة العربية بتطبيق اتّفاق الطائف.

من الطائف إلى الدوحة
كما يعدّ إتّفاق الطائف المثال الأبرز للتدخّل العربي في السياسة اللبنانية. وهو الوثيقة التي أنهت الحرب الأهلية اللبنانية وتوقّف القتال الذي إستنزف لبنان طوال 15 عاماً. وإتفاق الطائف، أرسى أسس نظام سياسي جديد يرتكز على إلغاء الطبيعة المذهبية للسياسة والمجتمع اللبناني. وكانت تسوية مقبولة من غالبية الأطراف اللبنانية على مستوى الإصلاح السياسي، غير أنّ الممارسات والمماطلة في تطبيق ما نصّ عليه الإتفاق قد أدت إلى تفاقم الأوضاع وتراكم الأزمات، وحكماً أمام العجز عن إدارة البلاد، إزداد تدخّل الدولة الخارجية في الأزمات اللبنانية كافةّ. 
وبعد اتفاق الطائف مباشرة كان انتخاب الرئيس رينيه معوّض عام 1986، والذي إغتيل في العام نفسه. 

ومن الإتفاقات الأخرى، التي دفعت الى إنتخاب رئيس في لبنان، كان اتفاق الدوحة عام 2008. وكان ذلك بعد إنفجار الأزمة السياسية المستمرة في لبنان بعد قرار  الحكومة إزالة شبكة إتصالات حزب الله، وإقالة رئيس الأمن في مطار رفيق الحريري الدولي. فحدثت أعمال الشغب في بيروت مما أدى إلى توترات أمنية كبيرة قادها حزب الله في مواجهة أطراف لبنانية أخرى، تمددت الى بعض أحياء بيروت والشوف وعاليه، وتشير بعض التقديرات إلى مقتل العشرات العملية التي طالت منطقة الجبل. إثر ذلك، تحرّك المجلس العربي بسرعة لوقف العنف. وانطلاقاً من المبادرة العربية الخاصة باحتواء الأزمة اللبنانية أبرمت الأطراف اللبنانية في بيروت في 15 أيار 2008، برعاية اللجنة الوزارية العربية اتفاقًا لحل الأزمة،  فانعقد الحوار الوطني اللبناني في الدوحة. ويمكن القول إن هذا الاتفاق وإن لم يصل إلى اعتباره أساساً دستورياً، كي لا يُفهم من ذلك تعديلاً للطائف، إلا أنّه أُعتبر عرفاً جديداً وأسّس لوضع سياسي معقول، بحيث تشعر المعارضة لأي جهة كانت أنّها ممثّلة في الحكومة، من خلال حصولها على الثلث الضامن، الذي يمنع السلطة من التفرّد في القضايا المهمة. وقد هيّأ اتفاق الدوحة وصول الرئيس السابق ميشال سليمان إلى كرسي الرئاسة في بعبدا.

إتفاق دوحة جديد؟ 

واليوم، حديث عن إتفاق دوحة جديد، أصبح متداولاً في الإعلام ، خاصة بعد العقبات التي تقف أمام اللجنة الخماسية، رغم جهودها المكثّفة للتوصّل إلى تسوية رئاسية في المدى القريب، وغياب الدور السعودي عن المشهد السياسي اللبناني. إلى ذلك، أشارت مصادر صحافية لصحيفة الأنباء الكويتية أنّ اللجنة الخماسية تدور في حلقة مفرغة في إطار مساعيها لتأمين إنتخاب رئيس للجمهورية، ما يحصر الخيارات بمسارين، إمّا رئيس جديد إمّا اتفاق دوحة جديد. إذ إنّ لبنان اعتاد على حلحلة أزماته الداخلية عبر قنوات الخارج. وفي هذا السياق، رأى مصدر مطّلع لجريدة الأنباء الكويتية، أنّ المعلومات الخاصة التي تشير إلى أنّ الحديث عن اتفاق الدوحة بنسخة جديدة ومنقحة للخروج موقتًا من المأزق الذي تعانيه البلاد، أصبح في التداول جديًّا بموافقة مشروطة لمعظم الأطراف والقوى اللبنانية، على أن تبقى وثيقة الوفاق الوطني (الموقعة في الطائف) هي الأساس لأي اتفاق ظرفي حصل أو سيحصل مستقبلاً. فمن اللافت هنا  الدور المميز التي تقوم به الدوحة خارج إطار الخماسية، وهذه ليست المرّة الأولى التي تنفرد بها قطر في مبادرات مماثلة. وتشير معلومات خاصّة لـ«بيروت تايم» إنّ عمل قطر لا ينفصل عن عمل اللجنة الخماسية في لبنان، وستدعو الدوحة قريباً، لائحة من الشخصيات اللبنانية ومنهم سامي الجميل، سمير جعجع، وليد جنبلاط، ابراهيم منينمة. 

لقاءات الدوحة
وكانت قد لفتت مصادر خاصّة للأنباء الكويتية، أنّ باكورة الزائرين إلى الدوحة هم القيادات المسيحية. وسيتمّ التركيز معهم على ملف الإستحقاق الرئاسي المعطّل، وسبل الخروج من هذه الأزمة التي تعطّل مسار الإستحقاقات الدستورية الأخرى، وتهدّد المؤسسات والإدارات العامة في لبنان بمزيد من الشلل. وستتمّ مقاربة ملف رئاسة الجمهورية، إنطلاقاً ممّا توصل إليه سفراء الخماسية في لقاءاتهم مع القيادات اللبنانية، والجهود التي بذلتها قطر عبر موفدين. 

ويسبق اليوم لقاء قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون ووزير الخارجية القطري، الزيارات القادمة. ومن المتوقّع أن تُحيي قطر برنامج المساعدات المالية للجيش في ظلّ تعديلات مقترحة على ما سمّي مساعدة المئة دولار لعناصر الجيش اللبناني، وإحياء عملية التمويل المباشرة، بحسب جريدة «الأخبار».

الإستحقاق الرئاسي ضمن مهلة زمنية
توازياً، يبقى الملف الرئاسي الأهم ، وكانت قد استضافت سابقاً قطر قيادات عدّة في هذا السبيل. 
أمّا الحديث عن مهلة زمنية لشهر حزيران، فقد أكّدت معلومات خاصة أنّ هذا الكلام لا يمت إلى الواقع بصلة، إذ سبق وأعطى أيضاً السفير السعودي وليد البخاري مهلة إلى آخر شهر تموز.  من جهة أخرى، فإنّ الملف الرئاسي مرتبط بقرار حزب الله، وجبهة المشاغلة، إذ لا حلحلة قبل وقف الحرب في غزّة، هذا وقد تلعب الضغوط الأميركية دوراً في هذا الإطار، قبل شهر حزيران. 
في المحصّلة، لطالما كان لقطر دوراً في المشهد السياسي اللبناني، في سياق الأزمات التي يتخبّط فيها الداخل مع اختلاف التوجّهات في كلّ مرحلة، والذي عاد بقوّة من خلال اللجنة الخماسية الدولية بعد تمادي الشغور الرئاسي. وبعد تسابق الأحداث اليوم، أسئلة عدّة تطرح على صعيد الدور القطري المنفرد في علاج السياسة اللبنانية، خاصّة أنّ المنطقة باتت محكومة بحرب غزّة. وعلى الرغم من ذلك، لا مفرّ من التدخلات الخارجية، ولا رئيس في بعبدا، إلّا بما تقدّره تسويات المنطقة.