«بس تخلصو من الولد اقتلوه لأن ممكن يخبّر»..كوميديا أم إنحلال أخلاقي؟

«بس تخلصو من الولد اقتلوه لأن ممكن يخبّر»..كوميديا أم إنحلال أخلاقي؟

  • ١٤ أيار ٢٠٢٤
  • تمارا طوق

لبنان اليوم.. تُعد الكوميديا أداة تستخدم لتحسين الحياة فأصبحت اليوم أداة للتسلية بجروح البشر

تعد الكوميديا أداة قوية يمكن استخدامها لتحسين حياة الفرد والمجتمع. من خلال التخفيف من التوتر والقلق، وتحسين المزاج، وتعزيز الإبداع والتفكير النقدي، وبناء العلاقات الإجتماعية، والتعافي من الصدمات، ونقد المجتمع وتحدي الأفكار التقليديّة، وتعزيز التسامح والتفاهم، وبناء مجتمع أكثر عدالة، والترويج للصحّة النفسيّة.
هذا التمهيد ، للإضاءة على الكم الهائل من النكات على مواقع التواصل الاجتماعي حول مواضيع حساسة وخطيرة وصادمة، لقد صعقتنا النكات المتعلقة بالإستغلال الجنسي أو الجرائم بحق القصر والاولاد، وقد حولتها بعض المنصات الى «تراند» للتسلية ولزيادة المشاهدات والمزاح السمج الممزوج بالعنف الّلفظي، والذي يجب أن يعتبر جناية في سياق الأحداث الأخيرة حول شبكات إغتصاب المراهقين والأطفال. وكأنّ فكرة الإعتداء باتت أمرً طبيعياً لبعض صناع المحتويات «الكوميدية» فتحولت الى إغتصاب وتعدٍ من نوع آخر.  وبما أنّ الدستور اللبناني هو الضامن لحرية التعبير، يتوجب تمييز الحد الفاصل بين حرية التعبير والإساءة التي دون قصد قائلها تصبح تسويقاً للجريمة.
 
في ١٣ أيار ٢٠٢٤، تمّ تحميل حلقة جديدة من بودكاست «سوري أتشتينيsorry atachtine » تقدمه رنا مدور وجواد مزهر الذّي وحسب وصفهما، هو بودكاست كوميدي لبناني غير «مفلتر» وينشر أسبوعياً. فلنغض النظر عن «غير مفلتر» وعن الفكاهة «القصص المبتذلة»، إلّا أنّ رنا مدوّر وجواد مزهر قدما محتوى برأييهما«مضحك »، فيما هو في الواقع مثير للإشمئزاز والغضب ، الغضب الذي يوازي «التروما» التي يعيشها الضحايا والإشمئزاز الذي يشعر به اللّبنانيون من الجريمة التي ما زالت تتفاعل وتهز النفوس! فالكوميديا عادةً وفي لبنان تحديداً تُستخدم لإنتقاد وتفكيك هياكل السلطة لا لإيذاء الأشخاص، وتتناول مواضيع تُعد آفّة إجتماعيّة خطرة. أما هذا النوع من السخرية يعدّ شكلاً من أشكال العنف اللفظي. ففي الحلقة الأخيرة من «سوري اتاشتيني»  وردت  عبارة في قمّة الخطورة والهزالة والسقوط الأخلاقي، ففي مقطع من الحلقة يطوف على مواقع التواصل الإجتماعي يتعلق بموضوع التّحرش بالأولاد. كانت النصيحة-النكتة التي قدمها جواد ورنا للمتحرّشين هي قتل الولد بعد إغتصابه «بس تخلصو من الولد اقتلوه لأن ممكن يخبّر» بهذه العبارات وبهذا المحتوى قدّم مدوّر ومزهر محتوى مرّ مرور الكرام دون حساب قانوني ودون توقيف. فإذا كان الإغتصاب والإعتداء الجنسي يزدهران في الصمت، فاليوم تحولت بعض الأصوات الى جعلها مادة للتسلية والضحك، ومادة للإستهزاء بجراح الناس، ومظهر لفقدان قيمة التعاطف والرحمة، قد يبرّر مزهر ومدور أنّهما قالا ذلك عن نيّة حسنة وهذا الأقرب الى الصحيح، ولكن خطورته تكمن في افتقادهما أولاً لروح المسؤولية وثانياً للحس الإنساني لصالح البلاهة والإبتذال.
وللأسف لقد تحوّل «الميكرو والكاميرا» الى سيف ذو حدّين، والهامش البسيط بين حريّة الرأي والإنحدار الفكري قد اغتُصب ، يبقى أن يصرخ أحدهم هذه خطيئة..!