بالفيديو-فضيحة على غرار طائرات «سيكورسكي» في وزارة الطاقة... ومصابو إلتهاب الكبد أول المتضررين!

بالفيديو-فضيحة على غرار طائرات «سيكورسكي» في وزارة الطاقة... ومصابو إلتهاب الكبد أول المتضررين!

  • ١٦ حزيران ٢٠٢٤
  • فتاة عيّاد

هبة عينية قوامها محطة لمعالجة المياه الآسنة ، بالإضافة الى ٣ شاحنات مهملة منذ ٢٤ عاماً Leak detection تكفي الحاجة اليومية لبلدة متوسطة عدد السكان أي ما يقارب تكرير ٥٠ متراً مكعباً ولم تستخدم إطلاقاً، في الوقت الذي يعاني فيه الناس من تلوّث المياه: من «مزاريب» الهدر على الطاقة إلى «مزاريب» الهدر على استراتيجية الصرف الصحة وربما على اللقاحات.

إنّ فساد وزارة الطاقة يبدأ من براز الطيور إلى براز المواطنين، فإلى تفشي إلتهاب الكبد في لبنان.

وأموال باهظة رُصدت لتطوير البنية الصحية التحتية في لبنان. أكثر من مليار دولار منها فقط، ذهبت على استراتيجية وزارة الطاقة للصرف الصحي، وغالبيتها اليوم خارج نطاق الخدمة، في ملف فساد تتقاسمه وزارة الطاقة ومجلس الإنماء والإعمار. إلّا أنّ الفساد لم يعُد يختصر بالهدر المالي، بعدما مسّ بجودة مياه الشفة والإستخدام، مع عودة تفشي أوبئة مرتبطة بتلوث مياه الشفة بالصرف الصحي، كانت مضت عقود على انحسار موجات انتشارها في لبنان.

وفي طليعة تلك الأوبئة، إلتهاب الكبد الفيروسيّ الألفيّ (الصفيرة) Hepatitis A، مع تسجيل 1341 إصابة حتى 1 حزيران الحالي، ورغم أنّ العدوى أصبحت Endemic أو «إستوطنت» في لبنان، دون أن تصل لمرحلة التفشي الوبائي Pandemic بعد، إلا أنّ الخوف الأكبر هو من إمكانية تجدّد إنتشار وباء الكوليرا القاتل، الذي عاود الإنتشار بالفعل منذ عامين، بعد إنكفاء 29 عاما، وتجاوزت وفياته، العام الماضي، الـ 20 حالة.

ولا تتحمل وزارة الطاقة المسؤولية الأكبر في أخذ لبنان لقائمة الدول التي تعاني من تفشي أوبئة منقولة بالمياه الملوثة، بل تفشل كذلك بالإستجابة للأزمة. في السياق، تكشف «بيروت تايم» عن فضيحة على غرار فضيحة وزارة الداخلية إبّان حرائق الغابات عام 2019، لهبة طائرات «السيكورسكي» الثلاث لإطفاء الحرائق، والتي بيعت خردة، لعدم صيانتها لسنوات، ما أودى بلبنان للإستعانة بقبرص لإطفاء حرائقه.

عمر الفضيحة في وزارة الطاقة، عقدان ونصف من الزمن. وتتمثل بهبة من الشركة الفرنسية لنوعية المياه lyonnaise des eaux، قوامها محطة معالجة نقالة ضخمة، لمعالجة مياه الشفة، وقادرة على معالجة حاجة بلدة متوسطة عدد السكان يومياً، وكانت لتصنع فرقا طيلة السنوات الماضية، بحسر إنتشار الأوبئة المنقولة عبر المياه، وهي مرمية اليوم في محطة مياه ضبية، إضافة إلى 3 آليات قياس لهدر المياه في الشبكة leak detection، تقبع إحداها في «باركينغ» وزارة الطاقة (الصورة أعلاه)، فيما مكان الآليتين الأخريين ومصيرهما مجهول.

 

الصحة تفضح الطاقة: «كلور» غير مطابق

 

وفي بحث لـ «بيروت تايم» في لوائح الترصّد الوبائي لعدوى إلتهاب الكبد-الصفيرة، على موقع وزارة الصحة، يتضح أنّه في الخمس سنوات السابقة لاستفحال إنتشاره (ما قبل العام 2022)، كان معدل الإصابة به سنوياً في لبنان، 532 حالة.

وحتى تاريخ اليوم، 6 حزيران 2024، سجلت 1341 إصابة لهذا العام. وإذا حافظت العدوى على نسبة مشابهة في الأشهر القادمة، تكون عدوى التهاب الكبد قد تضاعفت 4 أضعاف على الأقل في عام واحد. فكيف فاقمت وزارة الطاقة، إنتشار حالات التهاب الكبد في لبنان؟

في 23 نيسان الماضي، أصدرت وزارة الصحة بياناً، عن تفشي التهاب الكبد الفيروسي الألفي في بلدة كامد اللوز في البقاع، مع تسجيل 40 حالة في حينه. وبناءً على فحص ميداني لنسبة الكلور المتبقي في شبكة مياه الشرب في البلدة ومصادرها، أظهرت النتيجة وفق البيان «عدم وجود النسبة المطلوبة من الكلور المتبقي لمكافحة الجراثيم». ما جعل وزارة الصحة تلجأ للتنسيق مع البلدية ووزارة الطاقة والمياه ومصالح المياه «من جهة تأمين حسن عمل الكلورة ومضخات الكلورة لتفادي تفشي التهاب الكبد الفيروسي الألفي».

هكذا فضحت وزارة الصحة، تقصير وزارة الطاقة، بعدم ضخها نسبة الكلور المطلوبة في شبكة مياه الشرب، في بلدة كامد اللوز. وهذه بلدة واحدة إفتضحت نسبة الكلور غير المطابقة فيها، ما يطرح تساؤلات عن كميات الكلور في البلدات الأخرى، وتقصير الطاقة بل تأزيمها لحالات التفشي الوبائي المنقول عبر المياه.

والحال أنّ هذا التقصير يصبح مضاعفاً، بالنظر إلى أداء الوزارة، على مستوى الإستجابة للأزمة، التي لا تستخدم فيها محطة المعالجة النقالة، المقدمة كهبة منذ العام 1998، والتي تقدر سعة معالجتها للمياه بـ 50 متراً مكعباً يومياً، أي حاجة بلدة للمياه يومياً، وكانت لتحصر تفشي الوباء في كامد اللوز وغيرها من البلدات التي تفشى التهاب الكبد فيها. فما قصة هذه المحطة؟

 

عقدان ونصف على الإهمال

محطة معالجة لحاجة بلدة يومياً

 

وبحسب مصادر مواكبة لمرحلة إستقدام الهبة العينية من lyonnaise des eaux (هي شركة فرنسية مختصة بمعالجة المياه وتسمى اليوم France Suer Eau) لوزارة الطاقة، وفي حديثها لـ«بيروت تايم» توضح أنّ الهبة دخلت عبر مرفأ بيروت عام 1998، وبقيت عالقة فيه، قبل أن يفرج عنها بعد عامين.

العام 2000، هو عام تسلّم وزارة الطاقة للهبة، المكونة من محطة معالجة مياه نقالة كبيرة، نقلت إلى محطة مياه ضبيه وبقيت فيها إلى اليوم، إضافة لـ3 آليات Leak detection، لفحص هدر المياه ومشاكل الشبكة، لتعلق الآليات هذه المرة «علقة» من نوع آخر.

24 عاما مضت على ركن إحدى تلك الآليات في موقف وزارة الطاقة، أما الآليتين الأخريين فمصيرهما كما مكانهما غير معروف. وإلى اليوم، يبقى سبب عدم إستخدام تلك الآليات «مجهولاً». في حين تعزو مصادر «بيروت تايم» إلى «الفساد المنطوي على الإهمال والتفريط بالموارد، حتى ولو كانت على هيئة هبات مجانية».

ويشكل عدم استخدام محطة معالجة المياه النقالة، خسارة كبيرة للبنان، كونها كبيرة الحجم، وتقدّر قدرتها على تكرير المياه بسعة 50  متر مكعب من مياه الشفة يومياً، أي بمقدار حاجة بلدة لبنانية بأكملها.

وبما أنّ المحطة نقالة، كانت لتشكل رأس حربة في مواجهة تفشي وباء الكوليرا العامين الماضيين في لبنان، والذي تسبّب بعشرات الوفيات. وكانت كذلك لتطوق انتشاره، كما إنتشار التهاب الكبد الألفي اليوم. فهي قادرة على معالجة آبار المياه التابعة لمصالح المياه، لتجعلها محمية من الأوبئة المنقولة عبر الماء.

لكنّ السؤال المضحك المحزن في آنٍ: هل ما زالت هذه المحطة قابلة للعمل بعد أكثر من 24 عاماً على عدم استخدامها أو صيانتها؟ ومن يتحمّل مسؤولية التفريط بها، وماذا لو بات مصيرها أشبه بمصير طائرات «السيكورسكي» التي بيعت خردة؟

علما أنّ تفاصيل الهبة غير واضحة، فالقصة مضى عليها زمن طويل، وليس معروفاً ما إذا كانت قد رصدت أموالاً للتدريب والصيانة، كما طائرات «السيكورسكي»، التي مولت وقتها بمليون دولار بهدف التدريب والصيانة.

 

فشل نظام الصرف الصحي

وتهرب وزارة الطاقة والمياه من مسؤوليتها عن تفشي الأوبئة المنقولة عبر المياه، مستغلة وضع مخيمات النازحين وتقليص تقديمات اليونيسف التي تقع عليها مسؤولية تأمين مياه الشفة الصالحة للشرب، وتقدر حصة الفرد الواحد في المخيمات من 20 ليتر من مياه شفة يومياً إلى 12 ليتراً، ما انعكس سلباً على نوعية المياه فيها.

فغالبية الإصابات هي في الشمال حيث تخطت 500 إصابة وفي البقاع الذي سجل أكثر من 400 إصابة، أي بين النازحين. في السياق، يوضّح الدكتور منذر حمزة، رئيس مختبر ميكرو-بيولوجيا الصحة والبيئة في الجامعة اللبنانية، بأنّ «التهاب الكبد ينتقل في الحروب والجفاف والنزاعات ومخيمات النزوح، حيث تدني مستوى الخدمات والمياه الآمنة والمراقبة السليمة لمصادر المياه». لكن الخطر في الحالة اللبنانية اليوم، يكمن بإمكانية انتشار أمراض معدية أشد خطورة عبر الجهاز الهضمي مثل التيفوئيد، الريقان، الكوليرا، الطفيليات ووحيدة الخلية وغيرها.

من جهته، يلفت عضو لجنة الصحة النيابية، النائب عبد الرحمان البزري، إلى أنّ الموجة الواسعة من الأوبئة المنقولة عبر المياه، تضرب لبنان للسنة الثالثة على التوالي، وهي بشكل أساسي تعكس ضعف البنى التحتية الصحية للمياه في لبنان.

ويفصل البزري بين تقليص اليونيسف تمويلها وهو سبب وجيه، وبين سبب آخر هو لبّ المشكلة، ويتمثل بمسؤولية مصالح المياه ووزارة الطاقة ومجلس الإنماء والإعمار عن محطات تكرير مياه الصرف الصحي. ففشل نظام الصرف الصحي في لبنان، هو السبب الأول لتلوث مياه الشفة بالمياه الآسنة وإنتشار الأمراض المعدية المنقولة عبر المياه، إضافة لانقطاع مياه الاستخدام عن المنازل لأيام بسبب انخفاض ساعات التغذية الكهربائية ما قد يجعل المواطن يلجأ لمصادر مياه غير آمنة.

 

هبة أكلها الغبار

ولا يدرج لقاح التهاب الكبد في لبنان على جدول اللقاحات الإلزامية، وهو لم يعُد محصوراً بمخيمات النازحين، حيث سجل في بيروت 23 إصابة حتى 1 حزيران الحالي وتخطى المئة إصابة في جبل لبنان. في السياق، يوضح البزري أنّه «أثناء إنتشار موجة إلتهاب الكبد في لبنان من قرابة الخمس سنوات، كان هناك إقتراح لبرنامج wash التابع لليونيسف، برصد أموال من أجل البنى التحتية الصحية في لبنان، عوض رصدها لكلفة اللقاحات، كون التهاب الكبد الألفي ينتقل أساساً عبر المياه الملوثة، وإختلاط مياه الشرب بمياه الصرف الصحي.

اليوم تعود جدوى إلزامية اللقاح بشكل جدي للمناقشة، ووفق البزري «بعدما فشلت سياسة وزارة الطاقة بصيانة البنى التحتية». لكن منطق الأمور في لبنان يجعلنا نسأل في حال أصبح اللقاح إلزامياً: هل ننتقل من «مزاريب» الهدر في الطاقة ، إلى «مزاريب» الهدر في على استراتيجية الصرف الصحي، وعلى اللقاحات؟

بالمختصر، لبنان اليوم متروك لمصيره مع الأوبئة المنقولة عبر المياه. فوزارة الطاقة والمياه، لم تكن خلال الـ24 عاماً التي مضت، أحرص على مياه اللبنانيين، من الهبة التي تركتها للغبار وبراز الطيور يغطيها (تمعّنٌ بسيط بصورة آلية رصد هدر المياه المركونة منذ 22 عاما في موقف الوزارة التي تنشرها «بيروت تايم» حصرياً، تبدو مليئة ببراز الطيور وحتى لم تتم إزالته عنها).

فمياه الشرب والإستخدام التي في حوزة اللبنانيين تختلط بمياه الصرف الصحي، في ملف فساد وهدر يقدر بملايين الدولارات، على حساب جودة المياه في بلد المياه، وصحة المواطنين.

هكذا، «وسخ الحمام»  بات يؤدي إلى الموت في لبنان، طالما أنّ إهمال هبة محطة المعالجة وآليات فحص هدر المياه، ليس إلا نقطة في بحر إهمال مياه لبنان!