البيئة في لبنان: الفجوة بين القانون والتطبيق

البيئة في لبنان: الفجوة بين القانون والتطبيق

  • ٢٠ حزيران ٢٠٢٤
  • إلياس معلوف

لا يزال الحيّز التطبيقي لقانون البيئة ينحصر ضمن حدود ضيقة للغاية، رغم المحاولات الجدية التي تعتمدها الادارات والمنظمات البيئية لتنفيذ السياسات البيئية عبر تحليلات جذرية لعناصرها الأساسية.

يعاني عصرنا الحالي من تفاقم الأضرار البيئية وتأثيرها السلبي على الإنسان، على سبيل المثال، تلوث الجو والمياه والتربة، تدهور الأراضي الزراعية، التصحر، الضجيج، التغيير المناخي، الخطر على التنوع البيولوجي، سوء استخدام الموارد الطبيعية... 
في مواجهة هذه المخاطر تحرك المجتمع المدني اللبناني والجهات الرسمية عبر إبرام العديد من الإتفاقيات والمعاهدات الدولية، محدداً من خلالها أهدافاً واقعية لمواجهة المخاطر على الأماكن الحضرية والطبيعية وللحفاظ على التنمية المستدامة، ومركزًا بشكل خاص على أهمية التشريعات البيئة وتطبيقها. 

وابتداءً من سنة 1993 فقد أحرز لبنان تقدماً ملحوظاً في السياسية البيئة، وتطوراً هاماً في مجال التشريعات والتطبيقات البيئة. والدليل الأبرز على النضج البيئي الذي حققه والجهد الذي يبذله لتحقيق التطور الراسخ في هذا المجال، إنشاء وزارة البيئة قانون رقم 93/216 عام 1933 وصدور قانون حماية البيئة رقم 444/2022. لكن التطبيق الصارم لمثل هذه التشريعات يبقى الخطوة الأهم والأبرز في حماية البيئة في مختلف قطاعاتها. 

وفي الواقع، لا يزال الحيز التطبيقي لقانون البيئة ينحصر ضمن حدود ضيقة للغاية، رغم المحاولات الجدية التي تعتمدها الإدارات والمنظمات البيئية لتنفيذ السياسات البيئة عبر تحليلات جذرية لعناصرها الأساسية. ما زال هذا الملف يفتقد للمتابعة والبيانات الدقيقة، وتعتبر الإنجازات البيئية في لبنان هي نتيجة مجهود الأفراد وبعض هيئات المجتمع المدني، والعديد من الأحكام القضائية البيئية منذ التسعينات حتى اليوم وفي هذا السياق جولة سريعة على التدابير القانونية حول تنظيم ملف حماية البيئة.

إنطلاقا من هذا الواقع، وإدراكاً من وزارة العدل لأهمية الدور الذي يؤديه القضاة في تطبيق وتفسير القوانين، تمّ التعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وبتمويل من البنك الدولي، لاطلاق مشروع دعم الجهاز القضائي في تطبيق التشريعات البيئية. 
ويشكل هذا المشروع نقلة نوعية بالنسبة إلى لبنان ويمكن إعتباره من أهمّ المشاريع الانمائية القانونية في المنطقة بحيث يعزّز قدرات المحاكم في تطبيقها للقوانين البيئة ويرفع مستوى الوعي البيئي في الجسم القضائي. 
كما يهدف هذا المشروع إلى خلق قاعدة بيانات فورية خاصة بنظام الاجتهادات القضائية البيئية، وإطلاق برنامج تدريسي خاص في معهد الدروس القضائية، ومراجعة الإجتهادات التي تتعلّق بنظام القوانين البيئة الخاصة بكل القطاعات ومقارنتها مع الإجتهادات العالمية ذات الحالات المماثلة، ناهيك عن وضع لائحة بالأدلة القضائية البيئة.

قطاع البناء
يعاني لبنان من نقص في النصوص البيئية المرتبطة بتنظيم قطاع البناء. وقد تسبّب هذا النقص بعشوائية ملحوظة في حركة البناء وبعدم مراعاة حسن استعمال الأراضي وحماية الموارد الطبيعية بالإضافة الى سوء تنظيم استخراج مواد البناء من المقالع والكسارات، وعدم مراعاة معايير بيئية في استخدام مواد البناء وأنظمة ورش البناء، وإدارة النفايات الصلبة الناتجة عنها من أنقاض وردميات. 

وفي هذا السياق، صدّق قرار مجلس الوزراء رقم 4 تاريخ 12/3/1997 المخطط التوجيهي العام لموقع المقالع والكسارات وقضى في بنده السادس بإلغاء المهل والرخص السابقة كافة والمعطاة من أي مصدر أو جهة. 

إن شروط الترخيص بإنشاء واستثمار المقالع والكسارات هي من صلاحيات وزارة البيئة والمجلس الوطني للمقالع بحيث أسند المرسوم المتعلق بتنظيم المقالع والكسارات إلى هذا الأخير صلاحية تحديد الشروط الهامة لإنشاء واستثمار المقالع وتعديلها على ضوء التطور التقني ومفاهيم سلامة البيئة. 

قطاع النقل 
يعتبر قطاع النقل من القطاعات التي تضع ضغوطاً كبيرة على البيئة في لبنان، وذلك بدءاً من انعكاسات إنشاء البنى التحتية كالطرقات والمرافئ والمطارات على المناظر الطبيعية والنظام البيئي. وقد ألزمت العديد من الاتفاقيات الدولية والإقليمية التي انضم اليها لبنان الجهات الرسمية بوضع تدابير ومعايير تتعلق بشكل مباشر أو غير مباشر بحماية البيئة من آثار قطاع النقل. 

ولجهة الشروط والمعايير المفروضة على مركبات النقل البري للحد من آثار الملوثات المرتبطة بها على البيئة والسلامة العامة، فقد وضعت نصوص تتعلق بمواصفات الدراجات النارية وشورط قيادتها وتجهيزها بما يحد من الضجيج وانبعاث ملوثات الهواء.

كما منع قانون السير إخراج السيارات دخاناً مضراً بالصحة العامة، ومنع أن يكون تصريف الغاز الناجم عن المركبات طليقا، كما منع إحداث السيارات ضوضاء تزعج المنتفعين من الطريق أو مجاوريها وألزم السيارات المحملة بتغطية حمولتها بإحكام في حال كانت تنقل مواداً يمكن أن تتطاير. 

الطاقة والبيئة
وضع القانون اللبناني بيع وتوزيع المحروقات تحت الإشراف الإداري، وفرض على المؤسسات التي تزاول هذه المهنة ترخيصاً دون سواها من مصادر الطاقة. ويعطى الترخيص بإنشاء واستثمار محطات توزيع وبيع المحروقات السائلة بعد موافقة وزارة الطاقة والمياه. 
أما التخزين والإستعمال الصناعي للمحروقات بغية توليد الطاقة في المصانع فلا يحتاج إلى ترخيص مستقل عن الترخيص المعطى للمؤسسة الصناعية. 

كما أعطى القانون لرئيس السلطة التنفيذية في البلدية مهمة الإهتمام باتخاذ وسائل الوقاية من الحريق والانفجار وطغيان المياه، كتنظيم مصلحة المطافئ، ومراقبة الأماكن التي تُخزن فيها المواد الملتهبة والمتفجرة والمحروقات، وتحديد كميات هذه المواد التي يجوز لهذه الأماكن تخزينها، والأمر باتخاذ وسائل الوقاية الواجبو عليها. 

كما ويخضع توزيع وبيع المحروقات إلى الرقابة التي تخضع لها باقي المؤسسات المصنفة، إضافة إلى الرقابة التي تمارسها المديرية العامة للنفط في وزارة الطاقة والمياه على المؤسسات الخاصة التي تتعاطى أعمال ضخ ونقل النفط الخام أو تكريره أو توزيع المنتجات النفطية وتدقيق حساباتها. أما الرقابة على باقي مصادر الطاقة فهي شبه معدومة.

الزراعة والبيئة
تعتبر وزارة الزراعة المرجع الأساسي في تنظيم قطاع الزراعة بكافة جوانبه بما فيها تلك المرتبكة بالبيئة. وقد تقاطعت مهام وزارة الزراعة مع الشؤون البيئة في عدة مجالات. وهذا ما أسفر عن عدم وضوح المسؤوليات والمرجعية في عدة ملفات كالتحريج والمحميات... فقد أعطى القانون اللبناني بعض المهام المحدودة والعامة وغير الواضحة المتعلقة بالزراعة لوزارة البيئة لجهة المحافظة على الطبيعة، كتنظيم الصيد البري والمائي بالتنسيق مع وزارة الزراعة، وحماية حرم الأنهر والينابيع من المواد الكيميائية التي  تشمل الكيماويات الزراعية. 

وتقوم وزارة الزراعة بتنفيذ الأنظمة المتعلقة بحماية الثروة المائية وحماية الحيوانات والطيور النافعة للزراعة، وتعنى بتنظيم عملية تجارة وصنع وتوضيب واستيراد كل الأسمدة الزراعية، وتتولى قضايا الري، أي مشاريع الري وتحديث أساليبه، بهدف الإفادة من الموارد المائية لتأمين زراعات منتجة.

كما تتولى وزارعة الزراعة تخزين المواد الكيماوية والزراعية وحسن توزيعها عند الحاجة، إلى جانب حفظ وصيانة المعدات والآلات المعدة لمكافحة الحشرات والأمراض الزراعية. إلا أنه من غير المعروف مدى مراعاة الوزارة للشروط البيئة خلال تنفيذ حملات الآفات التي لا تزال تعتمد بشكل كبير على المكافحة الكيميائية. 

 المياه والبيئة 
يتناول قطاع المياه كل من المياه العذبة والمياه المبتذلة ومياه البحر. في حين فرق القانون اللبناني بين المياه المعدة للشرب وتلك غير المعدة للشرب، إذ نص قرار وزير الصحة العامة المتعلق بتحديد طرق الفحص الجرثومي للمياه على بضعة تعاريف تفرق بين النوعين. وقد جاءت تلك التعاريف في إطار وضع آلية الفحص الجرثومي المطلوب لكل من النوعين. 

وعن ملكية المياه فقد نص القرار رقم 144 المتعلق بالأملاك العمومية على أنّ هذه الأخيرة تشمل جميع الأشياء المعدة بسبب طبيعتها لاستعمال الجميع أو لاستعمال مصلحة عمومية. وهي لا تباع ولا تكتسب ملكيتها بمرور الزمن. 

ومع قانون تنظيم قطاع المياه، أكد المشترع على دور وزارة الطاقة والمياه في التخطيط المتعلق بالتنقيب واستخراج المياه، حيث أعطاها صلاحية تصميم ودرس وتنفيذ المنشآت المائية الكبرى كالسدود والبحيرات الجميلة والأنفاق، وتقويم مجاري الأنهر وشبكات المياه وغيرها، ووضعها في الاستثمار. 

الهواء والبيئة
إنضم لبنان إلى الاتفاقيات الدولية الأهم فيما يتعلق بنوعية الهواء كاتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وبروتوكول مونتريال المتعلق بالمواد المستنفذة لطبقة الأوزون، علماً أنّ مشاكل تلوث الهواء لا تقتصر على تدهور طبقة الأوزون وتغير المناخ. 

بالإضافة إلى وزارة الأشغال العامة والنقل، ومؤسسة المقاييس والمواصفات اللبنانية، فإن وزارة البيئة تشكل الجبهة الأبرز فيما يتعلق بموضوع حماية الموارد الطبيعية والتي يعتبر الهواء، ناهيك عن المياه والأرض والكائنات الحية. وتتولى هذه الوزارة مهامًا عدة تساهم في المحافظة على نوعية الهواء والحد من تلوثه عبر اعداد السياسة العامة ومشاريع الخطط الطويلة الأمد في كل ما يتعلق بشؤون البيئة واستعمال الموارد الطبيعية. 

وفي الواقع، لا يزال الحيز التطبيقي لقانون البيئة ينحصر ضمن حدود ضيقة للغاية، رغم المحاولات الجدية التي تعتمدها الادارات والمنظمات المسؤولة لتنفيذ السياسات البيئة عبر تحليلات جذرية لعناصرها الأساسية.