لبنان والصومال: بين الفشل والنهوض

لبنان والصومال: بين الفشل والنهوض

  • ٢٦ حزيران ٢٠٢٤
  • ريمي يونس

أوجه شبه عديدة بين لبنان والصومال. الدولة مسروقة في النموذجين. أزمات وحروب وإرهاب، ولكن!

يبدو أنّنا نعيش في عصر يجمع بين السخرية والكابوس، حيث تتفاوت الواقعيات بين دولة مزقها الفساد والصراعات الدموية، وأخرى تحاول التأقلم مع أزماتها الإقتصادية والسياسية. هل نحن في دولة مشوهة تجمع أشكالاً من الإنسانية المتدهورة والأخلاق المفقودة، أم أنّنا في محطة للهرب من واقع مؤلم، بينما تتداخل المصالح السياسية والإقتصادية في ساحة السلطة؟          

في عصر مليء بالتناقضات بين الأمل واليأس، تتلاقى قصص لبنان والصومال كأمثلة حية على التحديات الإقتصادية والسياسية الكبيرة التي تواجهها الدول النامية في العالم الحديث. على الرغم من إختلافهما الجغرافي والثقافي، إلا أنّ كل منهما يشهد تجارب فريدة من نوعها في محاولة مواجهة الفساد والصراعات الداخلية، مما يجعلهما نموذجين يستحقان النظر في التعامل مع الأزمات المعقدة.

في لبنان، البلد الواقع على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، يعاني منذ سنوات من أزمات سياسية وإقتصادية خانقة. تتميز السياسة اللبنانية بالتشرذم الطائفي والإنقسامات السياسية التي تعيق أي محاولة لإيجاد حلول شاملة ومستدامة للأزمات. يعاني الشعب اللبناني من إنعدام الثقة في الحكومة والنظام المالي، نتيجة للفساد المستشري والتلاعب بالسلطة، مما أدى إلى إنهيار النظام المصرفي وتدهور الوضع الإقتصادي بشكل كبيرحيث يتسم الوضع السياسي بالتشرذم والإنقسامات الطائفية، إذ تعاني الشعوب من إنعدام الثقة بالحكومة والنظام المالي. التلاعب بالسلطة وتفاقم الفساد  أدى إلى إنهيار النظام المصرفي وتدهور الوضع الإقتصادي، مما دفع بالبلاد نحو أزمة مالية غير مسبوقة.و كل ما يجري اليوم في الشارع اللبناني من إحتجاجات دائمة تنادي بالإصلاح والعدالة الاجتماعية، هو صراخ بلا نتيجة في ظل  تصارع الساسة على قطع من حصة الكعكة السلطة.

من جهة أخرى، الصومال ؛ البلد الواقع في القرن الأفريقي، يعاني من عقود من الصراعات المسلحة والفقر المدقع، مما جعله يحتل صدارة قائمة أفقر الدول في العالم. النزوح الكبير وانتشار الجفاف يضافان إلى قائمة المصاعب، مما يجعل من التنمية والإستقرار مهمة شبه مستحيلة في ظل غياب الحكم الرشيد والبنى التحتية الأساسية.

إذا نظرنا إلى ماضي هذين البلدين، نجد أنّهما كانا في وقت من الأوقات محطات للتقدّم والإزدهار. لكن الحروب والنزاعات الداخلية والتدخلات الخارجية أفقدتهما الإستقرار والفرصة للنهوض. دولتان في قلب الإقتصاد العالمي، لكن بواقع مختلف تمامًا. هاذان البلدان، رغم أنّهما جغرافياً بعيدان عن بعضهما البعض، إلا أنّهما يشاركان في واقع إقتصادي يقف على هوامش الفشل، كل في سياقه الخاص.

 المفاجئ أن تطل علينا سنة 2024 بأرقام صادمة تشير الى تفاقم معدل التضخم السنوي 2024 في لبنان الى 51.6 % و هو رقم حتماً يثير القلق في حين أنّ معدل التضخم السنوي للصومال لسنة 2024 يبلغ 4.8 %. أما بالنسبة للتضخم الغذائي فهو قد وصل الى 31.7% في لبنان في مايو 2024 مقارنة بالصومال الذي بلغ رقم التضخم الغذائي فيها 0.00% في الشهر نفسه. لا شك أنّ تدفّق المساعدات من المنظمات الدولية قد ساهمت في دعم الإستقرار الإقتصادي الصومالي و تخفيف الضغوط على الأسعار و تخفيف أعباء الديون بواقع 4.5 مليارات دولار بحسب تقرير البنك الدولي، في الوقت الذي يشهد فيه لبنان إنهيار للنظام المصرفي و فقدان الثقة في العملة المحلية.

و في تطور مثير، نجحت الصومال اليوم من تسوية متأخرات الديون المستحقة للمؤسسات المالية الدولية ما ساهم في تنفيذ حلول عديدة تهدف الى إعادة بناء إقتصادها بدعم ملحوظ من المجتمع الدولي .و المثير للجدل هو تلقي الصومال بصيص أمل في ظل الجهود الدولية والمحلية لتحسين الأمن الغذائي و الإستقرار الإقتصادي فيها في الوقت الذي يشهد فيه لبنان أسوأ ما يذكر في تاريخه من أزمات مالية و سياسية أدت الى دمار الإقتصاد و الأحوال المعيشية فيه مما يتطلب إصلاحات هيكلية و شاملة.

لبنان الذي شبّه يوماً بسويسرا الشرق  يتربع  في المرتبة الثانية بين الدول الأتعس في العالم بحسب تقرير السعادة العالمي للعام  2024 كما أنّ وضعه الإقتصادي يضعه ضمن لائحة أفقر دول العالم . إنّ غياب الحكومة اللبنانية عن أغلب أجزاء البلاد، قد أوصل الناس الى العيش في ظروف قاسية لا تصدق تتعدى مجازر ما حدث يوماً في الصومال,لا بل أسوأ.منذ إندلاع   الأزمة الإقتصادية في 17 تشرين الأول سنة  2019 ، والشعب اللبناني لا يعرف غير الصبر على كمية العار و السرقة التي قامت بها الحكومة اللبنانية في التخطيط الإقتصادي، وضعف الحكم، والإعتماد على الدعم الخارجي للبقاء ما أدى الى عجز مالي ونقص في السيولة المالية.

الواقع في لبنان اليوم يعكس تصارع القادة الكبارعلى قضاياه ومصائره، تارة باسم الطائفة وتارة أخرى باسم الميثاقية. الدولة لا تحمي شرائح المجتمع ولا تحافظ على وحدته الوطنية، والشرائح الإجتماعية الطائفية لا تعتمد على الدولة في أمنها وضبط علاقاتها ومصالحها المتداخلة. وبالتالي، أصبح الميثاق الوطني، أو العقد الاجتماعي، هشاً كخيط العنكبوت، حيث يُذكر بوسط دعوات التفلّت التي تنطلق من مختلف الإتجاهات كصرخة في وادٍ وحسب.

بعض القوى في لبنان تعتمد على سلطة تعتبرها مثالها الاعلى ، مما يؤدي إلى السمعة والطاعة الشعبية. وبينما يستند بعضها الآخر إلى سلطة إستبدادية تهدف بدعواتها لحقوق الناس و حماية مصالحهم. ومع ذلك، لا زالت الناس تشكو من فقدان حقوقهم بشكل عام   وفشل الدولة في المحافظة على مصالحهم.

وهكذا تبدأ الفتنة بتبادل الإتهامات، حيث تتحوّل الإتهامات إلى إدانات، والإدانات إلى صدامات، والصدامات إلى إنقسامات وتشرذمات، مما يشبه ما يحدث في الصومال اليوم من إنقسامات  وحروب ظاهرها عقائدي و باطنها قبلي. وبدلاً من أن يكون لبنان محافظا على صورته التي عرف بها يوماً كسويسرا الشرق، نجد أنفسنا اليوم نخشى من صوملة لبنان. والمضحك المبكي أنّ  النائب سامي جميل  كتب عبر حسابه على فيس بوك في 15 ديسمبر سنة 2022، «البعض يريد تحويل لبنان مقديشو جديدة»،  في الوقت الذي أطلت علينا سنة 2024  بدمار إقتصاد بيروت و نهضة إقتصاد مقديشو.

هذه الوضعية تبرز تحديات عميقة يجب مواجهتها بشجاعة وتحكيم، لكي يستعيد لبنان مساره نحو الإستقرار والتقدم ويحقّق العدالة الإجتماعية والوحدة الوطنية التي يحتاجها شعبه للنهوض من جديد. النقطة المحورية هي كيف يمكن للبنان أن يتجاوز تلك الأزمات الضاغطة؟ هل من الممكن أن ينهض لبنان من ركام الفساد والنزاعات السياسية؟
الإجابات على هذه الأسئلة ليست بسيطة، وتتطلب جهوداً مشتركة من القادة السياسيين والمجتمع الدولي. إذا لم تتخذ خطوات حاسمة وسريعة، فإنّ لبنان سيظل عالق في مأزقه الإقتصادي، مما قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية وزيادة التوترات الاجتماعية .