غزة بعد تشرين الأول 2023: انهيار العملة وكفاح يومي للعيش

غزة بعد تشرين الأول 2023: انهيار العملة وكفاح يومي للعيش

  • ١٢ تموز ٢٠٢٤
  • ريمي يونس

تظل القصص اليومية من غزة تذكر العالم أنّ الأمل لا يزال موجودًا، وأنّ الإنسان قادر على التكيف والتحدي رغماً عنه مهما كانت الظروف.


غزة، تلك البقعة الصغيرة التي تتحدى الظروف القاسية يومًا بعد يوم خاصةً بعد أن شنت اسرائيل حرباً عليها في تشرين الأول 2023 .غزة ليست مجرد مكان، بل هي رمز للصمود والتحدي، حيث يتشبث أهلها بالحياة رغم كل ما يمرون به من معاناة وحصار. إنّ الأشهر الأخيرة من استمرار الحرب على غزة قد تركت خلفها دمارًا هائلًا ومعاناة لا توصف. لم تقتصر آثار الحرب على الدمار المادي والبشري فحسب، بل تجاوزتها إلى انهيار اقتصادي شامل. في ظل هذه الظروف القاسية، يواجه أهل غزة تحديات غير مسبوقة، حيث انهارت قيمة العملة المحلية وارتفعت معدلات التضخم إلى مستويات قياسية، مما ألقى بظلاله على كل جانب من جوانب الحياة اليومية. 

إنهيار العملة وتأثيره على الحياة اليومية
منذ الحرب الأخيرة في تشرين الأول 2023، شهدت غزة تدهورًا غير مسبوق في قيمة عملتها المحلية. فقد ارتفعت نسبة التضخم إلى 50%، مما أدى إلى زيادة حادة في أسعار السلع الأساسية. على سبيل المثال، كان سعر كيلوغرام الطماطم قبل الحرب حوالي 4 شيكل (1.2 دولار)، لكنه ارتفع بعد الحرب إلى 20 شيكل (5.8 دولار)، وهو ما يعادل ارتفاعًا بنسبة 400%. هذا الارتفاع لم يقتصر على الطماطم فقط، بل شمل كافة المواد الغذائية الأساسية مثل الأرز، الذي ارتفع سعره من 5 شيكل (1.5 دولار) إلى 25 شيكل (7.3 دولار)، والزيت الذي ارتفع سعره من 10 شيكل (3 دولارات) إلى 50 شيكل (15 دولارًا).

البطالة والفقر: أرقام مقلقة

غزة تعاني من أحد أعلى معدلات البطالة في العالم، حيث وصلت نسبة البطالة بعد الحرب إلى 60%، وفقًا لتقرير منظمة العمل الدولية. هذه النسبة تعكس الواقع المرير الذي يعيشه آلاف الشباب العاطلين عن العمل، والذين لا يجدون فرصًا لتحقيق الدخل وتأمين احتياجاتهم الأساسية. الكثير من الأسر تعتمد بشكل كامل على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة. العاملون في القطاعين العام والخاص يعانون من تأخر دفع الرواتب، وفي كثير من الأحيان يتقاضون رواتبهم بعملات فقدت الكثير من قيمتها، مما يجعل حياتهم أكثر صعوبة. على سبيل المثال، متوسط الراتب الشهري الذي كان يبلغ حوالي 2000 شيكل (600 دولار) أصبح الآن لا يتجاوز 500 شيكل (150 دولارًا) بسبب التضخم.

 

انهيار النظام الصحي
قطاع الصحة في غزة يعاني من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية. تقرير صادر عن وزارة الصحة الفلسطينية في يناير 2024 أظهر أن 70% من الأدوية الأساسية غير متوفرة في مستشفيات غزة، مما يعرض حياة المرضى للخطر. الأطباء والممرضون يعملون في ظروف بالغة الصعوبة، حيث يتعين عليهم التعامل مع نقص المعدات الطبية الضرورية وتزايد أعداد المرضى. بالإضافة إلى ذلك، تقارير من منظمة الصحة العالمية تشير إلى أنّ نسبة الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد ارتفعت إلى 30% بعد الحرب، مما يعكس حجم الأزمة الصحية في المنطقة.

التعليم في مهب الريح
الأطفال في غزة يكافحون من أجل الحصول على تعليم جيد وسط ظروف بالغة الصعوبة. تقرير من منظمة اليونيسف في ديسمبر 2023 أشار إلى أن 80% من المدارس في غزة تعاني من نقص حاد في الموارد التعليمية. الطلاب يجلسون على مقاعد متهالكة ويدرسون في كتب ممزقة، ومع ذلك، يظل الأمل في التعليم بمثابة شعلة مضيئة في حياتهم. على سبيل المثال، مدرسة الابتدائية في منطقة الشجاعية التي كانت تستوعب 500 طالب أصبحت اليوم تعمل بقدرة استيعابية 300 طالب فقط، بسبب الدمار الذي لحق بالبنية التحتية ونقص المواد الدراسية.

الحياة اليومية: مشاهد من الكفاح اليومي
الأسواق في غزة تعكس الواقع الاقتصادي المأساوي. النساء يبحثن عن أرخص الأسعار بلهفة، بينما يحاول الباعة تكييف أسعارهم مع الانهيار المستمر للعملة. الخضروات والفواكه، التي كانت تُباع بأسعار زهيدة، أصبحت اليوم رفاهية لا يستطيع الكثيرون تحملها. أحد الأمثلة الصادمة هو ارتفاع سعر الخبز من 2 شيكل (0.6 دولار) إلى 8 شيكل (2.3 دولار)، مما يثقل كاهل الأسر الفقيرة. 

في الشوارع، تجد الأطفال يلعبون بألعاب مصنوعة يدويًا، يحاولون ابتكار طرق للفرح رغم كل الصعوبات. مشهد الأطفال الذين يصنعون طائرات ورقية من أكياس البلاستيك المهترئة يعكس روح الإبداع والصمود. أحد الأطفال، محمد، البالغ من العمر 10 سنوات، يقول: «نصنع طائراتنا من الأكياس القديمة لأنّنا لا نستطيع شراء طائرات حقيقية، لكننا نستمتع بها أكثر 
 لأنّها من صنع أيدينا».

الطاقة والمياه: أزمات مستمرة
البنية التحتية في غزة تعاني من تدهور شديد. انقطاع الكهرباء يصل إلى 18 ساعة يوميًا، مما يؤثر على كافة جوانب الحياة. تقارير من وكالة الأونروا تشير إلى أنّ 90% من سكان غزة يعتمدون على مصادر مياه غير آمنة، حيث يعتمد السكان على مياه الآبار أو المياه المشتراة بأسعار مرتفعة. 

روح الصمود والتحدي
رغم كل هذه التحديات، يظل أهل غزة يتمتعون بروح الصمود والتحدي. تجدهم يبتسمون في وجه الحياة، يصنعون من أحلامهم الصغيرة بريقًا يضيء لهم الطريق. فرغم كل القيود والظروف القاسية، يبقى أهل غزة نموذجًا للصمود والإصرار على الحياة. مثال على ذلك هو السيدة فاطمة التي تدير مشروعًا صغيرًا لصنع الحلويات المنزلية. رغم نقص الموارد وإرتفاع الأسعار، تواصل فاطمة العمل بجد لتأمين دخل بسيط يساعدها على تلبية إحتياجات أسرتها.

غزة، برغم كل ما تواجهه من صعوبات، تظل حيّة بفضل قوة وإصرار أهلها. تظل قصصهم اليومية عن الكفاح والصمود تذكر العالم أن الأمل لا يزال موجودًا، وأنّ الإنسان قادر على التكيف والتحدي رغماً عنه مهما كانت الظروف. في ظلّ إنهيار العملة وتدهور الأوضاع الاقتصادية، يبقى الأمل معقودًا على مستقبل أفضل لغزة وأهلها، مستقبل تسوده العدالة والحرية والاستقرار. هذه المدينة التي لطالما عرفت المعاناة والظلم، ستظل رمزًا للإصرار على الحياة رغم البؤس اليومي المستمر.