أزمة المياه في لبنان 2024: واقع مرير في ظل شح المياه

أزمة المياه في لبنان 2024: واقع مرير في ظل شح المياه

  • ١٤ تموز ٢٠٢٤
  • ريمي يونس

يواجه لبنان اليوم أخطر أزمة مياه في تاريخه الحديث، حيث أصبح شبح الجفاف يهدد الحياة اليومية لكل مواطن. تشكل المياه مصدر الحياة الأساس، ولكن في لبنان، أصبحت ندرتها تهدد إستقرار المجتمع واقتصاده وحتى صحته. مع تزايد التأثيرات الناجمة عن التغيرات المناخية، الزيادة السكانية السريعة، وسوء إدارة الموارد المائية، تعيش البلاد تحت ضغط هائل. مما سيجعل من المياه سلعة نادرة يتنازع عليها الجميع.

التغيرات المناخية أدت إلى انخفاض هطول الأمطار بشكل غير مسبوق، والنمو السكاني والتوسع العمراني زادا من الطلب على المياه بشكل لا يطاق، بينما البنية التحتية المتهالكة لا تزال تُهدر كميات هائلة من المياه يوميًا بسبب التسربات. في الوقت الذي كان يفترض فيه أن تكون المياه نعمة، تحولت إلى لعنة تُهدد بتمزيق نسيج المجتمع اللبناني. 

أصبحت المياه محور الأحاديث في المجالس الشعبية، ونقطة الجدل في وسائل الإعلام، والمسبّب الرئيسي للتوترات في المناطق الريفية والحضرية على حد سواء. في ظلّ هذه الظروف، يواجه لبنان تحديًا غير مسبوق يتطلب تحركًا سريعًا وجذريًا لضمان مستقبل مائي مستدام للأجيال القادمة.

التغيرات المناخية وانخفاض هطول الأمطار
لبنان يعاني من انخفاض حاد في معدلات هطول الأمطار، حيث تراجعت الأمطار بنسبة تصل إلى 30% مقارنة بالسنوات السابقة. هذا الإنخفاض الكبير أثر بشكل مباشر على الأنهار والبحيرات التي تعتمد عليها البلاد كمصادر رئيسية للمياه. نهر الليطاني، الذي يعتبر أحد أهم مصادر المياه العذبة، شهد انخفاضًا في منسوب المياه بمعدل 50% مقارنة بالعام الماضي. البحيرات مثل بحيرة القرعون أصبحت تعاني من انخفاض حاد في مستويات المياه، مما أدى إلى تقليص حجمها بشكل ملحوظ.

التوسع السكاني وزيادة الطلب على المياه

يبلغ عدد سكان لبنان حوالي 7 ملايين نسمة في عام 2024، وهذا النمو السكاني السريع أدى إلى زيادة كبيرة في الطلب على المياه. المدن الكبرى مثل بيروت وطرابلس تشهد ضغطًا هائلًا على شبكات المياه التي لم تعد قادرة على تلبية احتياجات السكان المتزايدة. معدل استهلاك المياه اليومي للفرد في بيروت تراجع من 150 لترًا في اليوم إلى 100 لتر فقط بسبب الإجراءات التقشفية التي فرضتها الحكومة.

البنية التحتية المهترئة والتسربات

شبكات المياه في لبنان تعاني من تدهور شديد، حيث يُقدر أنّ حوالي 50% من المياه تضيع بسبب التسربات في الأنابيب القديمة. هذه الخسائر الهائلة تساهم في تفاقم الأزمة بشكل كبير. في عام 2024، أصبحت مشاهد الأنابيب المتفجرة والمياه المهدرة في الشوارع مشهدًا مألوفًا في العديد من المدن اللبنانية. في منطقة البقاع، على سبيل المثال، تفقد شبكات المياه القديمة ما يقارب 60% من المياه قبل أن تصل إلى المنازل.

تلوث المصادر المائية
تلوث نهر الليطاني وبحيرة القرعون بالنفايات الصناعية والزراعية أصبح مشكلة خطيرة. في عام 2024، أظهرت دراسات بيئية أن مستوى التلوث في نهر الليطاني وصل إلى مستويات غير مسبوقة، حيث تحتوي المياه على تركيزات عالية من المواد الكيميائية الضارة والبكتيريا. هذه المياه الملوثة تستخدم لري المحاصيل، مما يثير قلقًا كبيرًا بشأن سلامة الغذاء وصحة السكان.

آراء المعنيين وتدابير الطوارئ
الخبراء البيئيون:
يرى الخبراء البيئيون أنّ الوضع الحالي يمثل كارثة بيئية وصحية، حيث أشار الدكتور سمير حداد، خبير البيئة، إلى أنّ «لبنان يتجه نحو كارثة مائية حقيقية إذا لم تُتخذ إجراءات جذرية وسريعة». وأضاف أنّ «التغيرات المناخية وسوء الإدارة المائية هي العوامل الرئيسية التي قادت البلاد إلى هذا الوضع».

المزارعون:
يعاني المزارعون من نقص المياه بشكل حاد، مما أثر على إنتاجهم الزراعي. السيد علي فقيه، مزارع في البقاع، أوضح أنّ «نقص المياه أدى إلى انخفاض إنتاج المحاصيل بنسبة تصل إلى 40% هذا العام». وأكد أنّ «التلوث في نهر الليطاني أجبر العديد من المزارعين على البحث عن مصادر مياه بديلة، ولكن دون جدوى».

الحكومة:
اتخذت الحكومة اللبنانية تدابير طارئة لمحاولة السيطرة على الوضع، منها تقنين توزيع المياه وفرض إجراءات صارمة للحد من التسربات. وزارة الطاقة والمياه أعلنت عن خطط لتجديد شبكات المياه، ولكن تنفيذ هذه الخطط يواجه تحديات مالية ولوجستية كبيرة مما يعني أن هذا التخطيط يُعد بلا جدوى.

الأرقام والإحصاءات الحديثة
معدل هطول الأمطار:انخفاض بنسبة 30% مقارنة بالسنوات السابقة.
إنخفاض منسوب نهر الليطاني :تراجع بنسبة 50% مقارنة بالعام الماضي.
معدل استهلاك المياه اليومي للفرد:تراجع من 150 لترًا في اليوم إلى 100 لتر في بيروت.
خسائر المياه بسبب التسربات :حوالي 50% من المياه تُهدر بسبب التسربات في الأنابيب القديمة.

إنخفاض إنتاج المحاصيل :تراجع بنسبة تصل إلى 40% بسبب نقص المياه.
أزمة المياه في لبنان اليوم ليست مجرد أزمة بيئية، بل هي تهديد حقيقي يمسّ كل جوانب الحياة. الأرقام المرعبة والوقائع القاسية تظهر أنّ لبنان يقف أمام تحدٍ وجودي يتطلب تحركًا سريعًا وعاجلًا. في ظلّ هذه الظروف، يجب على الجميع - من الحكومة والمجتمع المدني إلى الأفراد - أن يعملوا معًا للتصدي لهذه الأزمة وضمان مستقبل مائي مستدام للبنان و إلا ستلاحقنا عواقب مدمرة لبنان ليس جاهزاً لها بكل معنى الكلمة.