صحافيو غزة.. أكبر مأساة إعلامية

صحافيو غزة.. أكبر مأساة إعلامية

  • ٠١ آب ٢٠٢٤
  • غادة حدّاد

لم نعُد نعلم أعدادهم. نعرف أنّهم زملاء، ولهم من المعاناة ما لم نعِشه أثناء أدائنا مهامنا الصحافية. حتى السادس من حزيران، بلغ عدد الصحافيين الشهداء 158 شهيد. وفي لبنان استشهد 4 صحافيين في استهداف مباشر لهم.

من جبروت آلة القتل، يموت من يمارس عمله، باحثاً عن لقمة عيشه. ومن الترف وصف وائل الدحدوح بالبطل، يوم أكمل عمله بعد تلقيه خبر إستشهاد عائلته، ولاحقاً خبر إستشهاد إبنه البكر في 7 كانون الثاني 2024، في طريقه لتغطية قصف «المنطقة الإنسانية» في غزة. «حمزة لم يكن جزءًا مني فقط. كان كلّي»، قال والده، وأكمل «كان روح روحي. هذه دموع حزن، دموع فقدان. هذه دموع إنسانية».

في خضم الحرب، البحث هو عن سبل النجاة، أما القدرة على الشعور بالحزن، والحق في البكاء على الفقد، سلبت من أهل غزة. 

وكما السلاح يواجه بالسلاح، فالإعلام يواجه بالإعلام. بالأمس استشهد مراسل الجزيرة ‫إسماعيل الغول‬ والمصور رامي الريفي في قصف إسرائيلي إستهدفهما في مدينة غزَّة، لينضموا إلى الصحافيين السابقين، وكتبت الصحافية الفلسطينية هند الخضري على موقع «اكس» نعت زملاءها «هل تعملون، يفترض بي الآن نقل خبر استشهاد زميلي وصديقي».‬‬‬

في رسالة أخيرة كتبها إسماعيل الغول عكس فيها معاناة الصحافيين الغزيين مع الحرب «دعني أخبرك يا صديقي بأنّني أصبحت لا أعرف طعم النوم، جثامين الأطفال والأشلاء وصور الدماء تكاد لا تفارق عينيّ، صرخات الأمهات وبكاء الرجال وقهرهم لا تغيب عن مسامعي. لا أستطيع تجاوز صوت الأطفال من أسفل الركام، غير قادر على نسيان صوت الطفلة الذي يتردد في كل لحظة وصار مثل الكابوس. الأمر بات مرعباً أن تقف أمام الجثامين الملقاة والعالقة والممددة والمتكدسة، ومرعباً أكثر حينما تمرّ على الأحياء الذين يصارعون الموت تحت منازلهم ولا يجيدون سبيلاً للخروج والنجاة. لقد تعبت يا صديقي».

يقول الصحافي الفرنسي جان جوريس «ومن خلال المعلومات الشاملة والدقيقة نود أن نمنح جميع العقول الحرة الوسائل لفهم أحداث العالم والحكم عليها بأنفسهم». وقتل الصحافيين يعني إلغاء هذا الحقّ عن العالم، لمعرفة حقيقة ما يحصل، وفرض سردية واحدة لما يحدث منذ عام 1948. 

إسكات الصحافيين يغلق الباب أمام التغطية الشاملة للحرب، إذ أنّ التغطية من الميدان تتيح للعالم أن يشهد ما يحدث في غزة. لا يمكن أن يكون هناك شكّ يذكر في أنّ نقص الحماية للصحفيين من قبل إسرائيل قد أثّر بشكل خطير على تغطية الحرب.

ما كانت تقوم به النازية من الكذب والإستمرار به حتى يصبح حقيقة، لم يعُد يسري اليوم، ولو يحاول الإسرائيليون القيام بذلك يومياً، في محاولة لاقناع العالم بأنّ التاريخ قد بدأ في السابع من تشرين الأول 2023.

ملاحقة وقتل الصحافيين، يرافقه منع إسرائيل الصحافيين الدوليين من الدخول إلى غزة، لأنّها لا تضمن عدم إصابتهم بالقصف. وبحسب منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة حماية الصحفيين شريف منصور، فإنّ الحرب على قطاع غزة «هي أخطر وضع للصحفيين رأيناه على الإطلاق»، مضيفاً «مع كل صحفي يُقتل، يصبح توثيق الحرب وفهمها أصعب».

وعلى الرغم من توثيق عدسات الصحفيين الإستهدافات المباشرة لهم، تنفي إسرائيل قتلها الصحافيين بشكلٍ متعمد، على اعتبار إنّهم أضرار جانبية، كـ 39400 مدني الذين قتلوا منذ 7 تشرين الأول 2023 حتى اليوم، فيما تعتبر هذه الحرب الأكثر دموية بالنسبة للصحافيين، ذلك لعدة عوامل، من طبيعة الحرب، حيث تستهدف إسرائيل المدنيين بشكلٍ متعمد، وتقصف المستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء وتجمعات اللجوء، وبات من الصعب للغاية على المدنيين العثور على أماكن آمنة. بالإضافة إلى ذلك، يحاول الصحفيون نقل أحداث عن هذه الحرب، مما يجعلها غير آمنة. وعلى عكس الحروب الأخرى، لا خطوط واضحة ومرسومة للقصف، فالقتل موجود في كل بقعة من غزة، وحاول الصحافيون تغطية النزاع في كل مكان، مما يعني أنّه من المستحيل تقريباً معرفة أين يمكن العمل بأمان.

هذا ويعاني الصحافيون من نقص في المعدات اللازمة لإتمام عملهم، كما تغيب معدات الحماية الشخصية، واليوم من الصعب إدخال المعدات، كما كل شيء آخر إلى القطاع، وتفاقمت حاجة الصحافيين اليوم إلى الطعام والمأوى والمعدات الطبية، إذ ما يتوفر منها الآن باهظ الثمن.

والأسوأ أنّ أحداً لن يحاسب إسرائيل عن قتلها الصحافيين المدنيين، وهي تعتبر نفسها فوق القانون وفوق محكمة العدل الدولية وفوق العالم، حيث الجميع يشاهد من فترة إلى أخرى ما يحدث، يحاول مواكبة عداد الموتى، ويأمل أن تنتهي الحرب. غير أنّ الحرب هي بعد انتهاء القصف، يوم يجلس الغزيون، يبحثون عمن استشهد، ويحفرون في الذاكرة علهم يذكرون آخر مرة رأوا أحباءهم. وحتى تلك اللحظة سنبقى ننعي زملاء، خطيئتهم الوحيدة أنّهم فلسطينيون.