العنف والتنمّر وجهان لعملة واحدة

العنف والتنمّر وجهان لعملة واحدة

  • ٢٧ آب ٢٠٢٤
  • تمارا طوق

في عالمنا الرقمي المتسارع، يتعرض الأولاد والمراهقين لسيل جارف من المعلومات والصور، بعضها يغذي العنف ويكرس سلوكيات ضارة كالترهيب الإلكتروني. ولعل أبرز مظاهر هذا التأثير يتجلى في العلاقة الوثيقة بين ما يعرضه الإعلام من عنف وانتشار ظاهرة التنمر الإلكتروني والذي ينسحب تأثيره على ساحات اللعب والمدارس والعلاقات الشخصية.

يعدّ عرض المشاهد والصور التي تتضمّن العنف ضد الأطفال والمراهقين في وسائل الإعلام قضيةً تثير القلق بشكل كبير نظرًا لتأثيراتها المحتملة على الجمهور الصغير. تظهِر هذه الصور والمشاهد في مختلف وسائل الإعلام مثل البرامج التلفزيونية، والأفلام، وألعاب الفيديو، والتقارير الإخباريّة. يمكن أن يكون لهذه الانعكاسات السلبيّة تأثيرات عميقة على المشاهدين الصغار.
تعرّض الأطفال والمراهقين لمحتوى عنيف يمكن أن يؤدّي إلى مجموعة من الآثار السلبيّة. أولاً، قد يؤدي إلى التبلّد العاطفي والتطبيع مع العنف، ممّا يجعلهم أكثر قبولًا للسلوك العدواني وأقل تعاطفًا مع ضحايا العنف في الحياة الواقعيّة. كما أنّ التعرّض المتكّرر لمثل هذه المحتويات قد يزيد من شعورهم ، بأنّ العالم  أكثر خطورة ممّا هو عليه بالفعل، ممّا يؤثر سلبًا على توازنهم العاطفي .
ولا يمكن إنكار العلاقة الوثيقة بين ما يتعرّض له الأطفال والمراهقين من عنف في الوسائل الإعلامية وانتشار ظاهرة التنمر الإلكتروني. فكلاهما وجهان لعملة واحدة، حيث يساهمان في خلق بيئة معادية الكترونيا وواقعيا تؤثر سلباً على نموهم النفسي والاجتماعي وسلامة العلاقات فيما بينهم. 
ويمكن توضيح أوجه الترابط بينهما كما يلي:أحد أسباب زيادة التنمر الإلكتروني هو الطبيعة الشاملة لوسائل الإعلام الرقمية. مع تكامل التكنولوجيا بشكل أكبر في الحياة اليوميّة، حيث يقضي الشباب وقتًا أطول على الإنترنت، ممّا يوفّر المزيد من الفرص لحدوث التنمّر الإلكتروني. لقد سهّلت منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات المراسلة على المتنمرين إستهداف الأفراد بشكل مجهول، فيتجرأون على التصرف دون عواقب فوريّة ومباشرة. يمكن أن تؤدّي هذه الهويّة المجهولة إلى هجمات أكثر حدّة وتكرارًا، ممّا يسهم في دورة من المضايقات التي قد يكون  من الصعب على الضحايا الهروب منها
ففي دراسة صادرة عن المركز الوطني الأميركي للوقاية من التنمّر عام ٢٠١٩ بمثابة عينة واقعية عن الأرقام ولغياب الإحصاءات الدقيقة في لبنان سنأخذها كمثال واقعي،  فتظهر العينة أنّّه
من بين خمسة طلاب يفيد طالب واحد (٢٠.٢٪) بأنّه تعرّض للتنمّر. والنسبة المئوية للطلاب الذكور(٦٪) أعلى مقارنة بالإناث (٤٪)من ناحية التعرّض للتنمّر الجسدي. بينما أبلغت نسبة مئوية أعلى من الطالبات عن تعرضهن للإشاعات(١٨٪ مقابل ٩٪) والإستبعاد من الأنشطةعن قصد (٧٪ مقابل ٤٪) وأشار ٤١٪ من الطلاب الذين تعرضوا للتنمّر إلى أنّهم يعتقدون أنّهم سيتعرضون للتنمّرمرة أخرى. ومن أشكال التنمّر أشارت العينة الإحصائية أنّها تتمحور حول السخرية والإهانة أو الشتم، الشائعات،والصفع أو التعثر والبصق والاستبعاد من الأنشطة.. أما أمكنة حدوث التنمّر فغالبيتها تدور في الممرات والدرج في المدرسة وداخل الصفوف، وعبر الرسائل النصية،أو في الباص المدرسي.. 

يمكن أن تكون عواقب التنمّر الإلكتروني على الأطفال شديدة، بما في ذلك زيادة خطر المشكلات النفسيّة مثل القلق والاكتئاب والأفكار الانتحاريّة. غالبًا ما يعاني الضحايا من شعور عميق بالعزلة وتدني إحترام الذات، ممّا يمكن أن يؤثّر على أدائهم الأكاديمي وتفاعلاتهم الاجتماعيّة. على المستوى الاجتماعي، يعكس إرتفاع معدل التنمر الإلكتروني قضايا أوسع تتعلّق بالاتّصالات الرقميّة والتعاطف، ممّا يشير إلى الحاجة إلى مزيد من التعليم واستراتيجيات التدخل لمكافحة هذه المشكلة. يتطلب التصدي للتنمر الإلكتروني جهدًا مشتركًا من الآباء والمعلمين وصانعي السياسات لتعزيز بيئات الإنترنت الأكثر أمانًا ودعم الأفراد المتضررين في الحصول على المساعدة وبناء القدرة على التحمّل.
تلعب وسائل الإعلام دورًا حاسمًا في تضخيم عنف التنمّر الإلكتروني. في كثير من الأحيان، يمكن أن تؤدّي التغطية الإعلاميّة بشكل غير متعمّد إلى تطبيع السلوك العدواني عبر الإنترنت أو تسليط الضوء على حالات مثيرة، ممّا قد يضعف من حساسيّة الناس لخطورة التنمّر الإلكتروني. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ تصوير التفاعلات عبر الإنترنت في الثقافة الشعبية قد يبالغ أو يستخف بمثل هذه السلوكيّات، ممّا يؤثر على الجمهور الأصغر سناً ليدرك التنمر الإلكتروني على أنّه أقل ضررًا ممّا هو عليه في الواقع..
علاوة على ذلك، عندما تعرض وسائل الإعلام العنف ضد الشباب، فقد تعزّز الصور النمطية الضارة أو  دورة الخوف. على سبيل المثال، إذا كانت وسائل الإعلام تُظهر بشكل متكرر الأطفال كضحايا للعنف، فقد يُساهم ذلك في الاعتقاد بأنّ مثل هذه الضحايا أمر شائع أو حتمي، مما قد يُشوه إدراك الأمان والأمن لدى الأطفال في حياتهم الشخصيّة والعالم الخارجي.
تتجاوز تأثيرات هذه التصويرات الإعلامية حدود الأفراد لتؤثر على المجتمع بشكل عام. فقد تؤدّي تعرضات الإعلام المتكرّرة للعنف إلى تشكيل المواقف الثقافيّة تجاه العنف وتطبيعه. وقد يؤثّر ذلك على كيفيّة مناقشة وفهم ومعالجة العنف في المجتمع، ممّا قد يُقلل من جديّة هذه القضايا أو يُحرّف تصور الجمهور لها.
للتخفيف من هذه الآثار، من الضروري أن يكون صُناع الإعلام، والجهات المنظمة، وأولياء الأمور واعين بالمحتوى الذي يُعرض على الجماهير الصغار. يمكن أن تساعد برامج التربية الإعلاميّة الأطفال والمراهقين على التعامل النقدي مع المحتوى الإعلامي، ممّا يعزّز فهمهم لتأثيره ويشجعهم على طلب الدعم إذا كانوا مضطربين ممّا يشاهدونه.أيضاً من خلال تعزيز ممارسات الإعلام المسؤولة وتوفير الموارد الداعمة، يمكن للمجتمع أن يسعى نحو تقليل العواقب السلبية لعرض الصور العنيفة  للشباب. أمّا الشق الثاني فيتضمّن التنمّر الإلكتروني مصدر قلق عميق ومتزايد في العصر الحالي: العصر الرقمي، حيث يؤثر بشكل كبير على الأطفال والمراهقين بشكل خاص. بخلاف التنمر التقليدي، يحدث التنمر الإلكتروني عبر المنصات الرقمية مثل وسائل التواصل الاجتماعي، وتطبيقات المراسلة، والألعاب الإلكترونية، ممّا يجعله منتشرًا وغالبًا ما يكون مستمرًّا. يمكن أن يتضمّن هذا النوع من التنمر إرسال رسائل جارحة، ونشر شائعات، أو إنشاء محتوى مهين، وهو ضار بشكل خاص لأنّه يمكن أن يحدث في أي وقت وأي مكان، ممّا يترك الضحايا في حالة دائمة من الشعور بالضعف.