الضفة.. هدف إسرائيل الأول!

الضفة.. هدف إسرائيل الأول!

  • ٢٩ آب ٢٠٢٤
  • كاسندرا حمادة

إغتيال تدريجي لسلطة الدولة!


دقّت ساعة الهجوم الواسع على الضفة الغربية، فجر الأربعاء. 
العملية الموسّعة، لم تشهد الضفة مثلها، منذ عام 2002، منذ عملية «السور الواقي»، التي كانت لها أهداف سياسية واسعة، وعلى اختلاف الظروف اليوم، إلا أنّه لا بدّ أن يكون  للضفة الغربية، أهمية كبرى لدى إسرائيل.
إنّ البعد الجغرافي مهم في هذا المجال، فإنّه  إذا انطلق أصغر صاروخ، بحسب بعض الخبراء، من طولكرم قد يصل إلى تل أبيب. وحيث يسكن الضفة ٧٥٠ ألف مستوطن، وأي تطوّر يبدأ من هناك سيشكّل عامل حسم في المشهد. من جهة أخرى، أدانت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الهجمات المتزايدة للجيش الإسرائيلي والمستوطنين في الضفة الغربية المحتلة ضد الفلسطينيين، ووصفتها بأنّها «انتهاك» للقانون الدولي. فإلى أي مدى ممكن أن تتطوّر الأمور؟
في حين تتصاعد المخاوف الجدية، ممّا يمكن أن ينقل الوضع إلى أسوأ، خاصة بعد تصريح وزير الحرب، يسرائيل كاتس، الذي توعّد بتنفيذ عمليات إجلاء مؤقت للفلسطينيين من مدينتي جنين وطولكرم شمالي الضفة الغربية، كما حصل في قطاع غزة. الواضح اليوم أنّ إسرائيل انتقلت من مفهوم إدارة الصراع إلى حسم الصراع ، حيث تفرض وقائع جديدة. فما من شكّ أنّ الخطوات هي لغايات أمنية، فالبؤر النظامية، هي الهدف الأول من الهجوم، حيث هناك تمدّد لحركة المناضلة.
ونتيجة ذلك، تقوم الرؤى الإسرائيلية، على أن يدفع أكبر عدد من الفلسطينيين الثمن الباهظ، ما يشكل اليوم الهجوم على الضفة أبعاداً وحشية وخطيرة.
بدأ تنفيذ الرؤية الصهيونية منذ سنوات كثيرة، فمن لا يذكر، ما حصل عام 2002، في عملية السور الواقي؟
كتب المعلق العسكري في صحيفة «هآرتس» آنذاك، رؤوفين بدهتسور، تقويماً أولياً لها شارحاً«يبيّن تحليل نتائج الحملة أنّها، خلافاً للطريقة التي تُصـوَّر بها، ليسـت نجاحاً عسـكرياً باهرا»  فإذا كان الهدف من الإرهـاب، تبيّن أنّ هــذا الهـدف لا يمكن قتله.
في هذا الإطار، يشدّد الباحث هشام دبسي على الموقف الإسرائيلي من شعار حل الدولتين، حيث ترفضه تماماً، وها هي الضفة الغربية، هدف تستغلّه إسرائيل اليوم لدحض هذا الشعار. 
من الناحية الجغرافية، الضفة الغربية  هي أساس الدولة الإسرائيلية، إذ بحسب القصة الدينية المستندة الى التوراة، يعتبرها اليهود منطقة السامرية ويهودا، وعليها تبنى فكرة الصهيونية، ودولة إسرائيل الكبرى. 
ومن بعض الدلائل على أهمية الضفة لدى الحكومة الإسرائيلية، هو التسارع المدهش في بناء المستوطنات، ويتجلّى في تحقيق هدفين: التحكم بكل موارد الضفة الغربية عبر خزان بشري إقتصادي، وتقطيع أوصالها عن محيطها
اعتمدت هذه المنهجية السياسية منذ اتفاق أوسلو، حيث يظهر اليوم عدم رغبة إسرائيل بالسلام. 

ومنذ أن تولّت حكومة بنيامين  نتنياهو سلطتها الإئتلافية، التي تعتمد على الأحزاب الدينية والتوراتية، طرحت خطة حسم الصراع مع الفلسطنيين، من خلال نشر مزيد من الفوضى وإضعاف السلطة الفلسطينية، في محاولة  واضحة لتصفية الحركة الوطنية، وتهويد هذه أراضي بذرائع تاريخية أمنية وعسكرية. 
ويشرح الباحث هشام دبسي التطبيق المباشر لحكومة نتنياهو عبر رؤية إقتصادية متعلّقة بالمستوطنين. 
يستثمر هؤلاء اليوم بتجارة رابحة، حيث يقدّم لهم البيوت والخدمات بأسعار تصل إلى 40 و50 بالمئة، من مثيلها في  تل أبيب وحيفا والقدس،  وهذا الإستثمار مموّل أميركيا وأوروبيا.  بهذا فقد استطاعت الحكومة الإسرائيلية أن تقفز بعدد المستوطنين، ووصل إلى   700 و800 ألف. ناهيك عن الإستثمار الإقتصادي المغري للمستوطنين، فإنّه إستثمار  أيدولوجي لتثبيت أنّ هذه أرض يهودية. 
إلى ذلك، يتحدّث وزير الأمن بن غفير اليوم عن  توزيع عشرة  آلاف قطعة سلاح للمستوطنين  في الضفة.
واستطاعت هذه الأحزاب الدينية المتطرّفة أن تبني جيشاً من المستوطنين المسلحين، ولا شكّ أنّها استفادت من  إنفلات العنف والفوضى والصراع المسلّح، لتبرّر كل ما تريده من قطاع غزّة.
بدوره، يشرح المحلّل مصطفى فحص، أنّ أذرعة إسرائيل عام 2002، كانت استخدام الفلسطنيين للأسلحة، أما اليوم ما يقلقها، فهو بؤر المقاومة.
ولو مهما اختلفت الحجج، فإنّ استهداف الضفة يبقى له البعد الاستراتيجي، يكمن في ضرب فكرة الدولة الفلطيسنية، والقضاء على فكرة حلّ الدولتين. إلى ذلك، يعيش 800 الف مستوطن في مخالفة واضحة لاتفاق أوسلو، أما الهجوم العسكري، من شأنه تعزيز الحالة العسكرية في الضفة، ما يؤسّس لمرحلة جديدة، ضمنها تفريغ الضفة، حتى لا تستطيع فلسطين المقاومة، فإنّ هذا التطور يوحي بالإغتيال التدريجي لسلطة الدولة.
بالمحصّلة، يتم تنفيذ الهدف السـياســي للحملة على الأرض، من دون إعلانه رسـمياً. ويمكن الاسـسـتنتاج أنّ الحملة ستستمرّ إلى أجل طويل، وأنّها لا تزال في أول الطريق.