جعجع وعون... ووحش نيتشِه
جعجع وعون... ووحش نيتشِه
«جائزة نيتشِه للنزاهة» جائزةٌ لن ينالها، من دون أدنى شكّ، أيّ من أعضاء النادي المتوحش المسمى دولة لبنان.
«على من يصارع الوحش، الحذَر من أن يتحوّل، هو الآخر، إلى وحش» - فردريك نيتشه.
وهميًّا كان، أم حقيقيًّا، لم يغب الوحش عن مصارعات وسرديّات الرجلَين، جعجع وعون، على رأس حزبَيهما. وحشٌ فلسطينيّ وآخرُ سوريّ. وحشٌ ميليشيويّ وآخرُ إقطاعيّ. وحشٌ فاسدُ الخلق، وحشٌ فاحشُ الثراء وآخرُ لاجئٌ فقرُه مدقع. ومن يصارع الوحش، يحذّره نيتشِه من فرضيّة تحوّله، هو الآخر، إلى وحش.
«تحذيرٌ لم يرده نيتشه نصيحة»
قد يكون الإثنان، زعيمَي التوحّش السلطويّ، جعجع وعون، أغفلا تحذير الفيلسوف الألمانيّ، فسقطا في نظريّته. أو ربّما استوعباه كاملًا، وهُما، وفقًا لدرايتهما الوافية به، صارعا وحشًا بعد وحش، فقط لرغبتهما الجامحة في التحوّل إلى واحد. كتب نيتشِه تحذيرًا، فاتّخذاه نصيحةً وكتَيّب تعليمات. لم يصارعا وحشًا، إلّا وتفوّقا عليه في توحّشه. فالرجلان وَلِيدا رحلة مصارعة وحش منظّمة التحرير، وعند هزيمته، التي لم تكن لتحصل لولا وحوشٌ دوليّة، بانت أنيابهما في مسلسل دمٍ طويل وأكثر وحشيّة ممّن ادّعَيا إنقاذنا منه.
«توحّش الإقطاع والإحتكار الجديد»
انتقل جعجع بعدها إلى مصارعة الوحش الطائفيّ، وحماية أمن المجتمع المسيحيّ. وعلى حلبة المصارعة تلك، تحوّل، هو الآخر، سريعًا إلى وحشٍ طائفيّ، أصابت غالبيّة رصاصاته خواصر مسيحيّين. فيما صارع عون وحش الميليشيات بِاسم الشرعيّة، فخرج عنها، ورفض الخروج الشرعيّ منها، وتحوّل إلى وحش أكثر ميليشيويّة من الوحش الخصم. قاتل وحش الوصاية السوريّة على اللبنانيّين، ثم عاد وقاتل، بمخالب الوصاية، نصف اللبنانيّين. ناهيك عن وحش الإحتكار والإقطاع السياسيّ الذي صارعاه، معًا، بالسياسة والدماء، ودخلا، عضوَين جديدَين، وبما لا لبس فيه، إلى نادي الوحوش الإقطاعيّة الممسك بزمام الأمر في لبنان.
«وحش الفساد وليل اكتمال البَدر»
يبقى الصراع مع وحش الفساد والنهب، البرهان الأكثر تصديقًا على صحّة نظريّة نيتشِه. لم يترك الرجلان درساً في توحشّ الفساد إلّا وحاضرا به. ولم يلمسا مهمّةً إلّا وانبعثت، من تحت أيديهما، رائحة فساد متوحّش. خرجا من بين صفوف الفقراء والضعفاء في مواجهة نادي الثراء المتوحّش، فسَمُنا سريعًا، في فُحش الثراء والنفوذ، وشاركا في نهش مقدّرات مواطنيهم، وانضمّا إلى خطوط الدفاع الشرس عن مسار النهب المفترس. لم يمضِ وقت طويل، في صراعهما مع الوحش هذا، حتّى ظهرت عليهما بوادر التحوّل السريع، مثل مستذئبٍ، في ليل اكتمال البدر، في قصص الرعب الخياليّة.
«حلم القوّات ومِثال باسيل الأعلى»
تبقى عمليّة التحوّل الآنيّة، للحزبين، أسوأ ما في مسيرة تحوّلهما إلى وحوش. يحصر القواتيّون ضجيجهم في المواجهة مع وحش ميليشيا الإحتلال الإيرانيّ. وتسيطر انتقادات وحش النهم والفساد عند حركة أمل على صخب العونيّين مع باسيل، بعد انكفاء الأضواء عن عمّه. وهنا، أيضًا، تبدو مقولة نيتشه أقرب إلى النبوءة. ليس فقط في تحوّل الحزبين إلى وحوش شبيهةٍ بالتّي يصارعانها، بل في تَوقِهما الحار إلى ذلك. فحلم القوات الأسمى، اليوم، هو أن تصبح توأم وحش حزب الله، في وجهَيه: الطائفي والميليشيَويّ، وبات نبيه برّي، على رأس حركته، مثالًا أعلى، في الآداء، لباسيل على رأس تيّاره.
«جائزة نيتشِه للنزاهة»
لم يُخيَّل لفردريك نيتشِه أن تُسهِم مقولته يومًا في صناعة وحوشٍ وحاصدي أرزاق، كما لم يُخيَّل لألفريد نوبل أنّ اختراعه للديناميت سيسقط في أيدي وحوش تنهب وتحصد الأرواح. عاصر الأخير عصف اختراعه، وتسنّى له الإسهام في تأسيس وتمويل جائزة للسلام باسمه، للتكفير عن عقدة الذنب. ربّما، لو قُدّر لنيتشِه معاصرة تفشّي مقولته في أدغال الوحوش اللبنانيّة، كان ليقيم «جائزة نيتشِه للنزاهة». جائزةٌ لن ينالها، من دون أدنى شكّ، أيّ من الرجلين، ولا أيّ من أعضاء النادي المتوحش المسمى دولة لبنان.