البشير والحسن والجرعة الزائدة

البشير والحسن والجرعة الزائدة

  • ٠٣ تشرين الأول ٢٠٢٤
  • جورج طوق

راقصٌ إسرائيليّ سحب، في الأمس، قبّته من فوق رأس بشير، فارتكب الممانع السوريّ. وفي رقصة اليوم، ارتكب الإسرائيليّ فور سحب الراقص الممانع الإيرانيّ سجّادته، من تحت أقدام السيّد.

في ساعات توقُّف الزمن الثقيلة، بين ضباب غارة الجمعة وانقشاعه، كلٌّ، في لبنان، خطفته «التروما» الخاصّة به إلى ألمِ جرحٍ ما، لم يُشفَ منه بعد. كثيرون أعادهم لون الدخان إلى رعب الرابع من آب قبل أعوامٍ أربعة، وآخرون سحبهم هدير طيور الحديد والنار إلى حرّ تمّوز ٢٠٠٦ ووحشيّته، ومَن هُم أكبر سنًّا بقليل، سحبتهم اللحظة إلى ركام بيت «الصيفي»، قبل إثنين وأربعين عام. رغم المسافة الزمنيّة والسياسيّة الشاسعة، بين الشهيدين بشير وحسن، إلّا أنّ  التطابق، في الحبكة والتفاقم السرديّ والخواتيم القاتمة، بين شريطيّ مسيرتهما، يفوق ما تراه العين. إذ غالبًا ما تغرق العامة في القشور، وتغفل الجوهر. وفي غفلتها المزمنة هذه، تنمو خلافات كلّ تاريخ العنف البشريّ.

«صدمة وإنكـــــار»
«وقت بشير بقينا سنتين مش مصدّقين». هذا أوّل ما قاله سبعينيّ، فور ورود احتمالّيّة استهداف نصرالله. ثمّ أضاف «بعرف، تمامًا، شو حاسّين هلّق». في ومضةٍ إرتجاعيّة له، أيقن الرجل أنّ حلمٌ، لشريحةٍ من مواطنيه، ضاع في رائحة البارود، تمامًا مثل حلمه. فَهِم الرجل كلّ شيء. الصدمة ورهبة اللحظة، الترقّب والخوف، والضعف والإنكار. لا نبؤة في كلامه ولا تحاليل صائبة. بل مجرّدُ تجربةٍ سابقةٍ له، وألمٌ، في وجدانه، لم يطِب بعد. بات الكهل يستبق شاشات البث بخبرٍ تلو الآخر. انفجارٌ مهولٌ آخر ونهايةٌ قاتمة أُخرى لأسطورة أُخرى، خصّبتها، على غرار سابقاتها، وفرة المآسي وغياب الأمان وانعدام الآمال، وأرستها بنادق الميليشيا وقوّة الكاريزما وارتفاع النبرة ودهاء السرديّات. تمامًا مثل أسطورته المفضّلة.

«الصعود والسقوط والمنحنى البالِستيّ»
من عالم القوّة والسطوة والإنجاز ومقاومة الغريب، سطع نجم بشير، وثبّت قيادته في وجدان وآمال شريحةٍ واسعةٍ من اللبنانيّين. وفي ظرورفٍ مستحيلة، نجح القائد الراحل، حيث لم يجرؤ آخرون، في زعزعة قرار الوطن البديل الأمميّ، في وجه تسلّط منظمة التحرير، حتّى بات خروجها المستحيل، من لبنان، واقعًا.
على رأس حزب الله، أنجز نصرالله، أيضًا، في وجه تفوّق آلة الحرب للغريب الإسرائيليّ، ما حسبه العالم ضربًا من الهلوسة والخيال. فعل ما فعله، على مدى عقود، في إيذاء الغازي وفي تحرير الجنوب منه وتعكير صفوه، حتّى خلف الحدود. سخّر السيّد الراحل قوّته وسطوته وإنجازه، كما فعل بشير، في سبيل تثبيت قيادته للممانعة في لبنان، ونصّب نفسه قِبلة وجدان وأمان وآمال ناسه.
في القمّة، انقسمت آراء المواطنين، حول الرجلين، بين العمالة والشيطنة وبين العصمة والتأليه. لم يترك أيٌّ منهما مساحةً آمنة للنقد والرفض. سيناريو واحد لمسيرتيّ شهيدين، ومنحنى بالستيّ واحد سلكتاه مسيرتا الإثنين، في الصعود الناريّ والسقوط الحرّ.

«رقصة التانغو القاتلة»
تغيّر الزمن كثيرًا من أربعين عام إلى اليوم. اقتحمت التكنولوجيا كلّ جوانب الحياة. من الطبّ والتواصل والنقل إلى السياسة والحروب والجريمة. قد تبدو الفوارق فاضحةً، بين بساطة خطّة تفجير بيت بشير، وبين تعقيدات التكنولوجيا في الغارة على حياة نصرالله، لكنّ الشهيدين وقعا في سميّة جرعة زائدة  تقليديّة من التوق إلى السُلطة واللعب مع الكبار، فسقطا ضحيّة رقصة التانغو بين الراقصَين ذاتهما. راقصٌ إسرائيليّ سحب، في الأمس، قبّته من فوق رأس بشير، فارتكب الممانع السوريّ. وفي رقصة اليوم، ارتكب الإسرائيليّ فور سحب الراقص الممانع الإيرانيّ سجّادته، من تحت أقدام السيّد.