منعطف حادّ: إنتبه، خطر إنزلاق
منعطف حادّ: إنتبه، خطر إنزلاق
للسياسة، في لبنان، تاريخٌ طويل من "التكويع" الوقح. غياب المحاسبة وثبات المزاج السياسيّ الشعبيّ هما ما يجعلان هذه "التكويعات" محطّاتٍ آمنة للسياسيّين اللبنانيّين: كلّ السياسيّين. لا أحد يستغرب.
في عالم الميكانيك والطرقات والسير، المنعطفات الحادّة هي أخطر مراحل القيادة. فالإنعطافُ هو منازلةٌ فيزيائيّةٌ، خطيرةٌ وغيرُ محسومة، بين قوى الإحتكاك والثبات وبين قوى الطرد والإنزلاق والتدحرج. وحدها الحركات السياسيّة اللبنانيّة، تتخطّى كلّ قواعد الفيزياء والمنطق وعلوم السياسة. الحركات، في المحكيّة اللبنانيّة أصلًا، تحمل، في طيّاتها، غير ما تفعله في فصاحة اللّغة العربيّة. الإنعطاف، أو "التكويع" في السياسة اللبنانيّة، هو مرحلةٌ سلسة في المسار وحزامُ أمانٍ للسائقين الساسة وغفرانٌ لذِممهم ومسحوقُ تبييضٍ لسِيَرهم السوداء. التكويع هو أحد أخبث العوارض الجانبيّة لغياب المحاسبة المزمن في لبنان.
"صقرالممانعة وحمامة السلام مع العدوّ"
في الحياة العاديّة، خارج نادي الحكم اللبنانيّ، العودة عن الخطأ فضيلة. عودةٌ يسبقها اعترافٌ واعتذارٌ وشيءٌ من التواضع والحياء. هنا في لبنان، لا نظير لوقاحة الساسة. يفاخرون بالعوم على العطب والتذلّل والإنتهازيّة والدجل لأعوامٍ وعقود، ثمّ يبدّلون جلودهم و"يكوّعون" برشاقةٍ تفوق الأفاعي. لا تفسير ل"تكويعة" وئام وهّاب المفرطة النجاسة والوقاحة. في لحظاتٍ لا تكفي لتبديل قميصٍ، خلع الرجل رداء صقرٍ ممانع وتلحّف بياض حمامة السلام مع إسرائيل. لا خِزي في ملامح وجهه ولا ذرّة خجلٍ أو أخلاق. لم يخجل ممّن صدّقوا ممانعته ولم يعتذر ممّن ألصقهم بالتطبيع والخيانة.
"المشترك بين قاسم ورعد"
ليس وهّاب سابقةً أو ظاهرةً فريدةً في المشهد السياسيّ في لبنان. محمد رعد، هو الآخر، مثالٌ فاقعٌ على الخُبث والوقاحة والتبدّل الجبان. في لحظةٍ غير متوقّعة، أصبح الرجل مع حقّ السوريّين في تقرير مصيرهم. السوريّون أنفسهم الذين، قبل سنواتٍ قليلة، هرع إلى ذبحهم لعدم حقّهم في رفض الجلّاد الأسد. ينتظر نعيم قاسم اليوم أداء السوريّين قبل الحكم عليهم. هو الذي حكم عليهم، البارحة، بالإعدام، فور سماعه هتاف "يلّا إرحل يا بشّار". لا أحد، منهم، يستحي. لا أحد يحترم نفسه وكلامه. ليس الإحترام، هنا في لبنان، من سمات الساسة. يتأفّفون من حجاب صبيّةٍ في جنّة الياسمين، هم أنفسهم الذين هلّلوا لسَحل وقتل المئات ممّن خلعْنَ الحجاب في واحة الزعفران. هم أنفسهم الذين حجبوا انفتاح شريحةً واسعةً من المجتمع اللبنانيّ وألقوها في أتون التزمّت والنار. وهم أنفسهم يتلوّنون وبتبدّلون وينافقون مرّةً بعد مرّة. وفي كلّ مرّة، هناك من يصدِقّون. قد تصحّ مقولة "عند تغيير الدول، إحفظ رأسك"، لكن ماذا عن رؤوس من معهم يورّطون؟
"لافضل لسياديٍّ على ممانعٍ…"
للسياسة، في لبنان، تاريخٌ طويل من "التكويع" الوقح. غياب المحاسبة وثبات المزاج السياسيّ الشعبيّ هما ما يجعلان هذه "التكويعات" محطّاتٍ آمنة للسياسيّين اللبنانيّين: كلّ السياسيّين. لا أحد يستغرب. لا أحد يسأل أو يمتعض أو يرفض. في الثمانينيّات، انتقل بشير الجميّل من الحضن الإسرائيليّ إلى الحضن الوطنيّ والعربيّ فور نيله السبعة وخمسين صوتًا. سلك حبيقة طريق الصدام مع الحركة الوطنيّة وجيش الأسد، ثمّ "كوَّع" نحو الإتفاق الثلاثيّ، ولم يرفّ له جفن. انتقل القواتيّون من عداوة الحريريّة إلى تحت عباءتها، فور دويّ انفجار ١٤ شباط. ومن مواجهة التسونامي البرتقالي والإحتلال الإيرانيّ إلى انتخاب رئيس الممانعة المفضّل، بتفاهمٍ في معراب. أمّا عون، فهو، بلا منازعة، بطل "التكويع" السياسيّ في لبنان. كوّع عون من محاربة الإحتلال السوريّ والميليشيات والفساد إلى التماهي مع الثلاثة. ناهيك عن بهلوانات جنبلاط الغنيّة عن القول. في "التكويع"، لا فضل لأحدٍ، من الساسة، على أحد.
"آخر العلاج… الحساب"
لا تبدو نهاية عصر "التكويع" لائحةً في الأفق السياسيّ اللبنانيّ. فالإنعطاف، الذي يُفترض أن يكون مناورةً عسيرةً ومخاطرةً جسيمةً، لا يزال سلِسًا وآمنًا للساسة المنعطفين. وحده غياب المحاسبة الشعبيّة هو ما يبقي "التكويع" هذا على هذا القدر من الأمان والخبث والوقاحة. ليس "التكويع" محرّمًا في لعبة فنّ الممكن. لكنّه، أيضًا، ليس فنًّا راقيًا ولا حقًّا حصريًّا للساسة دون مناصريهم. فقط عندما يتمسّك المواطنون بحقّ المساءلة والحساب، قد لا يبقى"التكويع" ممحاةً للإرتكابات والذنوب والخيارات القاتلة
"صقرالممانعة وحمامة السلام مع العدوّ"
في الحياة العاديّة، خارج نادي الحكم اللبنانيّ، العودة عن الخطأ فضيلة. عودةٌ يسبقها اعترافٌ واعتذارٌ وشيءٌ من التواضع والحياء. هنا في لبنان، لا نظير لوقاحة الساسة. يفاخرون بالعوم على العطب والتذلّل والإنتهازيّة والدجل لأعوامٍ وعقود، ثمّ يبدّلون جلودهم و"يكوّعون" برشاقةٍ تفوق الأفاعي. لا تفسير ل"تكويعة" وئام وهّاب المفرطة النجاسة والوقاحة. في لحظاتٍ لا تكفي لتبديل قميصٍ، خلع الرجل رداء صقرٍ ممانع وتلحّف بياض حمامة السلام مع إسرائيل. لا خِزي في ملامح وجهه ولا ذرّة خجلٍ أو أخلاق. لم يخجل ممّن صدّقوا ممانعته ولم يعتذر ممّن ألصقهم بالتطبيع والخيانة.
"المشترك بين قاسم ورعد"
ليس وهّاب سابقةً أو ظاهرةً فريدةً في المشهد السياسيّ في لبنان. محمد رعد، هو الآخر، مثالٌ فاقعٌ على الخُبث والوقاحة والتبدّل الجبان. في لحظةٍ غير متوقّعة، أصبح الرجل مع حقّ السوريّين في تقرير مصيرهم. السوريّون أنفسهم الذين، قبل سنواتٍ قليلة، هرع إلى ذبحهم لعدم حقّهم في رفض الجلّاد الأسد. ينتظر نعيم قاسم اليوم أداء السوريّين قبل الحكم عليهم. هو الذي حكم عليهم، البارحة، بالإعدام، فور سماعه هتاف "يلّا إرحل يا بشّار". لا أحد، منهم، يستحي. لا أحد يحترم نفسه وكلامه. ليس الإحترام، هنا في لبنان، من سمات الساسة. يتأفّفون من حجاب صبيّةٍ في جنّة الياسمين، هم أنفسهم الذين هلّلوا لسَحل وقتل المئات ممّن خلعْنَ الحجاب في واحة الزعفران. هم أنفسهم الذين حجبوا انفتاح شريحةً واسعةً من المجتمع اللبنانيّ وألقوها في أتون التزمّت والنار. وهم أنفسهم يتلوّنون وبتبدّلون وينافقون مرّةً بعد مرّة. وفي كلّ مرّة، هناك من يصدِقّون. قد تصحّ مقولة "عند تغيير الدول، إحفظ رأسك"، لكن ماذا عن رؤوس من معهم يورّطون؟
"لافضل لسياديٍّ على ممانعٍ…"
للسياسة، في لبنان، تاريخٌ طويل من "التكويع" الوقح. غياب المحاسبة وثبات المزاج السياسيّ الشعبيّ هما ما يجعلان هذه "التكويعات" محطّاتٍ آمنة للسياسيّين اللبنانيّين: كلّ السياسيّين. لا أحد يستغرب. لا أحد يسأل أو يمتعض أو يرفض. في الثمانينيّات، انتقل بشير الجميّل من الحضن الإسرائيليّ إلى الحضن الوطنيّ والعربيّ فور نيله السبعة وخمسين صوتًا. سلك حبيقة طريق الصدام مع الحركة الوطنيّة وجيش الأسد، ثمّ "كوَّع" نحو الإتفاق الثلاثيّ، ولم يرفّ له جفن. انتقل القواتيّون من عداوة الحريريّة إلى تحت عباءتها، فور دويّ انفجار ١٤ شباط. ومن مواجهة التسونامي البرتقالي والإحتلال الإيرانيّ إلى انتخاب رئيس الممانعة المفضّل، بتفاهمٍ في معراب. أمّا عون، فهو، بلا منازعة، بطل "التكويع" السياسيّ في لبنان. كوّع عون من محاربة الإحتلال السوريّ والميليشيات والفساد إلى التماهي مع الثلاثة. ناهيك عن بهلوانات جنبلاط الغنيّة عن القول. في "التكويع"، لا فضل لأحدٍ، من الساسة، على أحد.
"آخر العلاج… الحساب"
لا تبدو نهاية عصر "التكويع" لائحةً في الأفق السياسيّ اللبنانيّ. فالإنعطاف، الذي يُفترض أن يكون مناورةً عسيرةً ومخاطرةً جسيمةً، لا يزال سلِسًا وآمنًا للساسة المنعطفين. وحده غياب المحاسبة الشعبيّة هو ما يبقي "التكويع" هذا على هذا القدر من الأمان والخبث والوقاحة. ليس "التكويع" محرّمًا في لعبة فنّ الممكن. لكنّه، أيضًا، ليس فنًّا راقيًا ولا حقًّا حصريًّا للساسة دون مناصريهم. فقط عندما يتمسّك المواطنون بحقّ المساءلة والحساب، قد لا يبقى"التكويع" ممحاةً للإرتكابات والذنوب والخيارات القاتلة