تركة بشار الأسد للسوريين: شحن طائفي وعصابات من حمص إلى الساحل السوري
تركة بشار الأسد للسوريين: شحن طائفي وعصابات من حمص إلى الساحل السوري
إزدياد المخاوف من إقتتال داخلي، بسبب تحركات مشبوهة لأزلام النظام السابق، والخارجين عن القانون، إضافة الى الممارسات الفردية لعناصر هيئة تحرير الشام في حمص وريفي اللاذقية وطرطوس.
يوماً بعد يوم، تتزايد المخاوف من إقتتال داخلي وشيك في سوريا، يُعزى سببه إلى تحركات مشبوهة لأزلام النظام السابق من ضباط ومهربين وخارجين عن القانون، والمطلوبين للعدالة في حمص وريفي طرطوس واللاذقية يرفضون تسليم أسلحتهم . يُضاف إلى ذلك الممارسات «الفردية» المتكررة لعناصر هيئة تحرير الشام وفصائلها من جهة أخرى.
الشرارة الأولى التي دفعت العلويين للخروج في تظاهرات في حمص وطرطوس واللاذقية كانت نشر أحد الحسابات المشبوهة لفيديو قديم يُظهر تدمير مقام الخصيبي في حلب، الذي يزوره أبناء الطائفة العلوية. على إثر ذلك، خرج العلويون في مظاهرات بالمدن المذكورة تنديداً بالتعرّض للمقام، مطالبين هيئة تحرير الشام وقائد العمليات العسكرية أحمد الشرع باتخاذ إجراءات. وقد تخللت هذه التظاهرات بعض الشعارات الطائفية مثل «علوية علوية»، على غرار خطاب «شيعة شيعة» الذي يستخدمه مناصرو حزب الله اللبناني. في المقابل، يؤكد علي (اسم مستعار)، وهو أحد سكان مدينة طرطوس، أنّ «هذه الشعارات بعيدة عن طابع المدينة، وغريبة عن مجتمع العلويين، رغم أحقية الأقليات في الحصول على ضمانات تحميهم فعليا من بعض الممارسات الفردية».
أحداث أمنية متزامنة
إستغل معارضو سقوط نظام الأسد، من ضباط وقضاة سابقين ومهربين وخارجين عن القانون في الساحل السوري وحمص، هذه الحادثة لتأجيج الفتنة وزعزعة الإستقرار في سوريا. فخلال محاولة قوات الأمن العام التابعة لهيئة تحرير الشام إعتقال أحد الضباط السابقين في قرية خربة المعزة في ريف طرطوس، تعرضت القوات لكمين أسفر عن مقتل ستة من عناصر الهيئة وثلاثة من الجانب الآخر. واستمرت الإحتجاجات بعد وصول التعزيزات، ما أسفر عن سقوط 14 عنصراً من قوى الأمن العام. دفع ذلك إدارة العمليات العسكرية في اليوم التالي لاستقدام تعزيزات وبدء حملة أمنية واسعة لتمشيط المنطقة وسحب السلاح.
وفي منطقة الزرقات في ريف طرطوس أيضاً، شُوهد انتشار لعدد من المسلحين التابعين للنظام السابق، ممن رفضوا تسليم أسلحتهم، ما أدى إلى اشتباكات وإطلاق نار بينهم وبين قوات الأمن العام التي دخلت المنطقة. وتشهد بعض القرى الأخرى امتناع بعض الضباط والعناصر التابعين للنظام السابق عن تسليم أسلحتهم.
بالتوازي مع هذه الأحداث، شهدت حمص اشتباكات مسلحة عدة، أبرزها اشتباكات دارت مع ميليشيا تابعة لعلي شجاع، أحد أشهر العاملين في مجال التهريب والسرقة وخطف الأشخاص مقابل فدية. واللافت أنّ شجاع يتعمد الإختباء بالقرب من أحد مقامات العلويين في بلدة بلقسة في محافظة حمص، ليُظهِر أي اشتباك مسلح في هذه النقطة كمحاولة لتدمير المقام، ما قد يدفع عناصر الأمن العام لتجنّب استهدافه منعاً لتأجيج الفتنة، بحسب مصادر «بيروت تايم». إلا أنّ الإشتباكات قد وقعت بالفعل وقُتل شجاع مع ما لا يقل عن 16 شخصاً من عصابته.
العلويون يخشون الأفعال الإنتقامية
يقول منذر، وهو من سكان الساحل السوري، إنّ هناك تخوفاً لدى العلويين من ردود فعل انتقامية تجاههم، «بدأنا بالفعل نراها على شكل ممارسات وُصِفت بالفردية، كالإعتداء على المقام، أو قتل ثلاثة قضاة مدنيين في ريف مصياف في حماة، أو إطلاق النار على المتظاهرين في حمص». وقد وثّقت بالفعل صفحة توثيق الإنتهاكات في سوريا عدداً كبيراً من الإنتهاكات، التي قامت الهيئة بمعالجة قسم كبير منها. يخشى منذر أن يكون تراكم تلك الممارسات الفردية سبباً في صعوبة ضبطها في ظل وجود عدد من الفصائل المسلحة المتطرفة دينياً.
يُضاف إلى هذه المخاوف، أحداث مؤلمة من العنف الطائفي شهده الساحل السوري وحمص. ففي الأيام الأولى بعد سقوط نظام بشار الأسد، شهد الطريق ما بين الساحل السوري وحمص حوادث إعتداء جسدي وصلت إلى حد الخطف على الهوية وقتل إستهدفت العلويين. من بين هذه الحوادث، اختفاء ثلاثة شبان من مدينة طرطوس، ليُعثر على جثة أحدهم لاحقاً. وبحسب معلومات «بيروت تايم"»، فقد قُتل الشاب بعد أن أُجبر على الترجّل من سيارة أجرة من قبل عناصر أحد الفصائل المسلحة.
وإلى جانب هذه الحوادث المُروّعة، تشهد هذه المناطق أيضاً حالات سرقة وتخريب مُستمرة تطال كافة أطياف المجتمع.
ولاء مُفترض للنظام السابق
تُعبّر عبير، وهي إحدى سكان ريف طرطوس، عن هذه المخاوف بشكل مُباشر، قائلةً إنّ هناك تخوّفاً كبيراً من «أن يروح المنيح مع القبيح»، أي أن تتم مُحاسبة الأبرياء مع المُجرمين، وأن تطال المُحاسبة أفراد من عائلات المُجرمين وأبناء قُراهم بسبب خطأ فرد واحد. وتُضيف عبير أنّ الخوف يتفاقم بسبب عدم امتلاك الناس للسلاح، ما يُولّد إحساساً بالعجز عن الدفاع عن النفس، وبالتالي حالة من الرعب. كما تُشير إلى تخوّف آخر من الفصائل المُتشدّدة، التي بثّ بعضها خطاب كراهية تجاه فئات محددة كالعلويين، ما خلق حالة من الهلع رغم تطمينات هيئة تحرير الشام والقيادة السياسية. ويعزّز هذا التخوّف بحسب عبير وجود مقاتلين غير سوريين ضمن الفصائل لا يعرفون شيئًا عن سوريا وتنوّعها الديني والطائفي.
يقابل هذه التخوف، تروي عبير لـ«بيروت تايم»أنّ عناصر من الهيئة تفاجأت بالبساطة والفقر الذي يعيشه سكان ريفي طرطوس واللاذقية، ما يُشير إلى فجوة كبيرة بين الواقع والتصوّرات السابقة.
هناك اعتقاد سائد بأنّ جميع العلويين محسوبون على النظام السابق، وأنّهم استفادوا منه بشكل كبير. ولكن الحقيقة تُخالف هذا التصوّر بحسب عبير، فقلة قليلة هي من استفادت فعلاً من النظام، «وهذه القلة لم تكن علوية فقط، بل شملت شخصيات من طوائف مختلفة ومن محافظات ومناطق جغرافية مُتنوعة». هذا التعميم يُغفل حقيقة أنّ «غالبية العلويين عانوا من نفس الظروف الإقتصادية والإجتماعية التي عانى منها بقية السوريين، وأنّ الاستفادة من النظام كانت مُرتبطة بشكل أساسي بالقرب من السلطة والنفوذ، وليس بالإنتماء الطائفي».
إيران تهدد بـ«تطورات مستقبلية» في سوريا
وفي سياق مُتصل، تلوح في الأفق تهديدات إقليمية تُنذر بتعقيد الوضع في سوريا. فقد صرّح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بأنّ سوريا تواجه «مستقبلاً غامضاً» بعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، مُضيفاً أنّ «من يعتقدون بتحقيق إنتصارات في سوريا عليهم التمهل، فالتطورات المستقبلية كثيرة». تُشير هذه التصريحات، إلى نيّة إيران المُساهمة في تأجيج الصراع في سوريا والدفع نحو الإقتتال الداخلي والفوضى. وقد دفعت هذه التصريحات وزير الخارجية بحكومة تصريف الأعمال السورية أسعد الشيباني إلى الرد وتحذير إيران من «بث الفوضى» في سوريا، داعياً طهران إلى احترام إرادة الشعب وسيادة وسلامة البلاد.