بعد الستين يومًا: مفترق طرق حاسم في لبنان وأفق الإستقرار المجهول!

بعد الستين يومًا: مفترق طرق حاسم في لبنان وأفق الإستقرار المجهول!

  • ١٣ كانون الثاني ٢٠٢٥
  • كريم الحدّاد

مع اقتراب إنتهاء المهلة المحددة في إتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، تُطرح الأسئلة الكبرى حول مصير لبنان بعد الستين يومًا، وما إذا كان الاتفاق سيحقق الإستقرار أم سينشئ تحديات جديدة.

بينما تتجه الأنظار إلى جنوب لبنان مع اقتراب إنقضاء المهلة المحددة في إتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، يصبح السؤال الأبرز: ماذا سيحدث بعد «الستين يومًا»؟ وهل سيُحقق هذا الإتفاق الإستقرار المنشود، أم أنّ البلاد ستواجه تحديات جديدة تهدد أمنها وسيادتها؟ ماذا عن السيناريوهات المحتملة والمتغيرات السياسية والأمنية التي قد تؤثر على مجريات الاحداث؟

الإتفاق وأبعاده: هدنة دون ضامن حقيقي 

يتضمن إتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله وقفًا مؤقتًا للقتال، من دون أن يشمل أي آلية جديدة لتأكيد التزام الطرفين بعد الستين يومًا. الإتفاق يحدد إنسحابًا تدريجيًا للطرفين، على أن يتمكن الجيش اللبناني من الإنتشار في الجنوب بالتنسيق مع قوات «اليونيفيل». وعلى الرغم من أنّ بنود الإتفاق تبدو واضحة، إلا أنّ غياب الإجراءات الإدارية والتوثيق الرسمي قد يفتح الباب لتفسيرات متباينة حول الالتزام بالإتفاق.

بقاءُ القوات الإسرائيلية: السيناريو الأكثر تعقيدًا

على الرغم من الإلتزامات الواردة في الإتفاق، يطرح البعض إمكانية بقاء القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان، تحت ذرائع أمنية أو بحجج أخرى. وإذا تحقق هذا السيناريو، فإن عودة العمليات العسكرية ضد التواجد الإسرائيلي ستكون مسألة حتمية، ولكن ليس بالضرورة أن يكون حزب الله هو المسؤول عنها. فوفق المراقبين، إنّ طبيعة الأرض والتضاريس قد تتيح لمجموعات أخرى من الجنوب إستهداف القوات الإسرائيلية بأسلحة خفيفة، ما يخلق أزمة أمنية جديدة قد تشكل تحديًا كبيرًا على الحدود اللبنانية.

خيار الانسحاب الكامل: حسابات إسرائيلية ومأزق سياسي 

الإنسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من جنوب لبنان يبقى السيناريو الأكثر منطقية، في ظلّ تدمير البنية التحتية في المنطقة وعدم جدوى التواجد العسكري الإسرائيلي بعد الدمار الذي لحق بها. إضافة إلى ذلك، فإنّ إستمرار وجود القوات الإسرائيلية سيضعها في موقف محرج أمام الضغوط الدولية، لا سيما من قبل الولايات المتحدة وفرنسا، اللتين تلعبان دورًا مهمًا في ضمان تنفيذ الاتفاق. وإنّ التمسك بالبقاء في المنطقة بعد المهلة لن يحقق لإسرائيل أي مكاسب إستراتيجية ملموسة، بل قد يفاقم الأزمة.

الحزب بعد الحرب: تحديات محلية وضغوط إقليمية

رغم عدم تصريحه المباشر بخوض حرب جديدة ضد إسرائيل، يبدو أنّ حزب الله ليس في وضع يسمح له بفتح جبهة جديدة في هذه المرحلة. آثار الحرب الأخيرة على الحزب كانت عميقة، وقراءة المتغيرات الإقليمية والدولية تفرض عليه حسابات معقدة. في خطابات قادته، يظهر التوجه نحو مرحلة «الدولة»، مما يعكس تحولًا في الاستراتيجية العسكرية والسياسية. ومع ذلك، يبقى الحزب ملتزمًا بعدم التفريط في مصالحه الإقليمية، وهو ما قد يعقد مسار الاستقرار في المنطقة.

سيادة لبنان: بين الضغوط الدولية و«التلاعب» الداخلي

تظل مسألة السيادة اللبنانية تحت مجهر الضغوط الدولية، خصوصًا مع الإستحقاق الرئاسي المقبل. إنّ هوية الرئيس اللبناني القادم ستكون محورية في تحديد كيفية تطبيق إتفاق وقف النار، فضلاً عن دور لبنان في استعادة سيادته على أراضيه. في ظل إنقسام داخلي واضح بشأن إنتخاب الرئيس، سيكون للمواقف الدولية، وخاصة الأمريكية والسعودية، تأثير كبير في صياغة السياسة اللبنانية في المرحلة القادمة. وقد يكون للرئيس الجديد دور حاسم في ضمان إنسحاب القوات الإسرائيلية وتنفيذ القرار 1701.

الجيش اللبناني: جاهزية وإمكانات في مواجهة المماطلة الإسرائيلية

الجيش اللبناني، الذي كان حاضرًا في الجنوب منذ بداية تنفيذ الاتفاق، لا يزال مستعدًا للاضطلاع بدوره في حفظ الأمن بعد انسحاب إسرائيل. التنسيق مع قوات اليونيفيل قد يسهم في تعزيز الإستقرار في المنطقة، لكن هناك تحديات مرتبطة بمماطلة إسرائيل في الإنسحاب. رغم ذلك، يظل الجيش اللبناني على إستعداد لتنفيذ مهامه بالتعاون مع الأطراف الدولية والمحلية. إلا أنّ الضغط الإسرائيلي يمكن أن يحول دون إستكمال تنفيذ بنود الاتفاق.

إنّ المرحلة المقبلة بعد انتهاء الستين يومًا ستكون حاسمة بالنسبة للبنان. رغم التحديات المتوقعة على مختلف الأصعدة، يبقى الأمل في أن يكون الإنسحاب الإسرائيلي خطوة نحو استعادة السيادة اللبنانية. ومع ذلك، تبقى السيناريوهات الأمنية والسياسية مفتوحة، مما يجعل الوضع في الجنوب اللبناني عرضة لتقلبات قد تتطلب إستجابة حازمة من الدولة اللبنانية والمجتمع الدولي لضمان استقرار المنطقة ومنع تفجر الأوضاع مجددًا.