هكذا تكلّم نَـــــوّاف
هكذا تكلّم نَـــــوّاف
لن يكون استلال التعطيل بالثلث لأحزاب المنظومة، إن تكافلت وتضامنت، على قدرٍ مريحٍ من اليُسر. انتهت خزعبلة الثلث المُعطّل وتعطّل عدّاد الإدارات المعطّلة والأيّام المهدورة دون عراضةٍ إعلاميّةٍ واحدة.
فوق حلبة الصراع اللبنانيّة، دائمة الإلتهاب، امتُحنت نظريّة النصر الساحق (Total
Victory) في كامل جوانبها، ولم تأتِ، لحامليها يومًا، إلّا بالسوء. فمع انطلاقة لبنان، تلت نصر الموارنة الساحق عقودٌ من التوتّرات والعنف والثورات والعنف، وانتهت بحربٍ أهليّة لم تدمل جراحها بعد. إعتنق كمال جنبلاط وبشير الجميّل النظريّة تلك، فأردتهما شهيدين، ثم تلا رحيلهما ما تلا. قالها «صن تزو»، قبل الميلاد بستة قرونٍ: إيّاك والضغط المفرط على خصمٍ يائس. وقال «تزو»، أيضًا: هاجم استراتيجيّة خصمك قبل مهاجمة ترسانتِه. ليس نَوّاف على الكتاب بمحرّم. وهو، أيضًا، ليس مُغامرًا.
«طواحين ياسين جابر»
في الأيّام الأولى، بعد التكليف، ظهر إسم ياسين جابر، على لائحة التداول، قبل أيّ إسمٍ آخر، لكنّ الجبهة الرافضة له بقيت هادئةً، طيلة ثلاثة أسابيع. أحدٌ من الزعماء المخاصِمين للممانعة لم يخُض معركة شطب إسمه. أحدٌ لم يبدِ نيّةً بخوض غمار اللاميثاقيّة في وجه الثنائيّ. فمعركة طواحين ياسين إقتصرت على مفاضلةٍ مهذّبة يتيمة، من النائب القواتيّ غيّاث يزبك، بين جابر وبين وسيم منصوري، والأخير أكثر التصاقًا بنبيه برّي. يوم أمس، وبشكلٍ ممنهجٍ ومفاجئ، التهبت الجبهة، في وجه الماليّة الممانِعة. ليس توجّس أيادي المصارف الطويلة، من نّواف، خفيًّا على أحد. فالحملة على القاضي انطلقت مع نجوم الصحافة الصديقة للبيئة المصرفيّة. وهؤلاء معروفون، في أوساط الصحافة، نجمًا نجمًا. انضمّ القواتيّون، بتعبئةٍ كاملة، إلى الحملة تلك، فور تعثّر التفاوض على سحب حقيبة الخارجيّة من خزانة القصر الجمهوريّ، لا من خزائن الممانعة، وآخرون انضمّوا فور انسداد أفق معارك مناطقيّة، وأخرى شخصيّة وإنتخابيّة، ونجحوا في رمي كرة النصر الساحق على الممانعة في ملعب الرئيس المكلّف. صحيحٌ أنّهم، حتّى الساعة، متفوّقون بالسرديّة الإعلاميّة، لكنّها لن تعيش طويلًا، فحسب المقولة البوذيّة، ثلاثةٌ لا تُطيل غيابها: الشمس والقمر… والحقيقة.
«معايير نَـــــوّاف»
ليس خفيًّا أنّ التشكيل الجاري يحصل على غير عادته الجارية منذ نيّفٍ وثلاثة عقود. «لست صندوقَ بريد»، قالها القاضي المكلّف، وهكذا فعل. فهو، رغم مدّ يديه الإثنتين من على منبر قصر بعبدا، إلّا إنّه لم يكن مجرّد متلقٍّ لأسماء، بل مقترحٍ لها. عُد بإسمٍ أفضل، قالها للقوات، وقالها للحزب والحركة ولآخرين أيضًا. لا إقصاء لأحد ولا إقصاء لفرصة الإنجاز. فعدم الإقصاء فائق التعقيد وضرورة الإنجاز فائقة الجوهريّة. هو يدرك أنّه لم يصل بانتصارٍ مدوٍّ أو قوّة مُجلجلة، بل بمجرّد تقاطعٍ غريبٍ من حُسن السيرة وغطّةِ حظٍّ وصُدفةٍ وضياعٍ وفوضى، ويسير، بحرفةٍ، بين خطوط الممكن ومرمى الإنجاز. نوّاف لا يريد تسجيل موقفٍ، بل تسجيل إنجـــــاز.
«حيث لم ينجح الآخرون»
يجاهد الصامت نوّاف، في كواليس التشكيل، بعكس ما يجاهر به الفاجر والتاجر أمام الستارة. فهو، حيث لم ينجح أو يجرؤ آخرون، وجد سبيلًا إلى إخراج التمثيل الشيعيّ عن إحتكار الثنائيّ المُحكم منذ أحداث ٧ أيّار. فالحزب والحركة، عند نفاذ الحكومة، يُصبحان، للمرّة الأولى منذ قرابة عقدين، بلا قدرةٍ تعطيليّة، ناهيك عن كفّ أيديهما الممانعة عن الأمن الرسميّ. فالداخليّة والدفاع والعدل للرئيسين جوزاف ونَوّاف. في الواقع، لن يكون استلال التعطيل بالثلث لأحزاب المنظومة، إن تكافلت وتضامنت، على قدرٍ مريحٍ من اليُسر. انتهت خزعبلة الثلث المُعطّل وتعطّل عدّاد الإدارات المعطّلة والأيّام المهدورة دون عراضةٍ إعلاميّةٍ واحدة. أمّا التعطيل بسلاح حجب توقيع وزير الماليّة الممانع، لم يعُد ترفًا. سيل الأموال هو، أصلًا، رهن الجهات المانحة وتدقيقها وشروطها الإصلاحيّة. في الواقع، المشهد ليس ما يبثّه الخائبون والمتضرّرون وماكيناتهم الإعلاميّة وجيوشهم الإلكترونيّة، فالرئيسان يعلمان ماذا يفعلان، وفقط عند تجلّي الحقيقة، استبشروا إن صدقا، وإن خذلوا، لا تغفروا.