وادي قنوبين في خطر
وادي قنوبين في خطر
في خطوة أثارت موجة واسعة من الاستنكار، أصدر وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال، محمد وسام المرتضى، قراراً بتاريخ 28 كانون الثاني 2025، يحمل الرقم 2025/م.إ.م/13، يسمح بتوسيع شبكة الطرقات داخل وادي قنوبين، المصنّف على لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو. هذا القرار، الذي جاء دون الرجوع إلى الجهات المختصة أو إستشارة الهيئات الدولية، اعتُبر من قبل جمعيات بيئية وأطراف محلية إنتهاكاً صارخاً للقوانين اللبنانية والإتفاقيات الدولية لحماية التراث.
رأت جمعية «الأرض – لبنان» في بيان لها أنّ قرار الوزير «يشكّل انتهاكًا واضحًا للقوانين اللبنانية ومعايير حماية التراث الوطني والإتفاقيات الدولية». وأكد البيان أنّ المرتضى تخطى المديرية العامة للآثار، الجهة المخوّلة قانوناً بالبتّ في مثل هذه المسائل، ولم يستشِر منظمة اليونسكو، رغم أهمية الوادي على المستوى العالمي. كما لم تجرِ دراسة تقييم الأثر البيئي، المطلوبة قانوناً وفقاً للملحق رقم 1 من المرسوم رقم 8633/2012، خصوصاً وأنّ المشروع يقع في منطقة حساسة بيئياً بنظامها البيئي الفريد وتنوّعها البيولوجي، كما ينصّ الملحق رقم 3 من المرسوم نفسه.
قرار سريع ومريب:
الأمر الأكثر غرابة، «أنّ قرار الوزير صدر في اليوم نفسه الذي تقدّمت فيه البطريركية المارونية بالطلب»، ما يثير علامات استفهام حول سرعة إتخاذ القرار دون مراجعة علمية أو قانونية. وأضاف البيان أنّ توقيت إصدار القرار، في الأيام الأخيرة من عمر حكومة تصريف الأعمال، ليس سوى حلقة جديدة في سلسلة قرارات مشبوهة صدرت عن وزارات أخرى وتمّ الإعتراض عليها سابقاً.
تهديد وجودي للوادي :
يتم تداول معلومات عن أنّ المشروع سيؤدي إلى شق شبكة من الطرقات في وادي قنوبين، وهو ما يعني سلسلة من التداعيات البيئية الخطيرة: قطع الأشجار المعمّرة، سد مجاري الأنهار، تكسير الصخور وربما تدمير مغاور تاريخية تعود لآلاف السنين. هذا التشويه المحتمل قد يؤدي إلى حذف الوادي من لائحة التراث العالمي، ما يُعد خسارة فادحة لا تُعوّض على المستويات الوطنية، التاريخية، البيئية وحتى النفسية.
سابقة خطيرة:
هذا ليس أول خرق للمسؤولين في لبنان لالتزامات حماية التراث. فقد سبق وأُزيل «الدرع الأزرق» عن قلعة بعلبك، ما جعلها عرضة لخطر القصف خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة. واليوم، يبدو أنّ السيناريو ذاته يتكرر في وادي قنوبين، حيث تُعطى صلاحيات غير قانونية للجنة مسؤولة عن شقّ الطرقات، مع الحديث عن موافقة اليونسكو، وهو ما وصفته جهات مطلعة بأنّه «كذب وتزوير للحقيقة».
الخرق القانوني والتجاوزات
بحسب توجيهات تنفيذية لتطبيق إتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي التي اعتمدتها الجمعية العامة للدول الأطراف في الإتفاقية في عدة دورات بين 2008 و2014، يُلزم أي مشروع يمس بموقع تراثي عالمي بمراعاة معايير صارمة، منها:
إشراك الجهات المعنية: يجب تنفيذ أي مشروع بمشاركة الجماعة أو المجموعة المعنية وبموافقتهم الحرة والمسبقة والمستنيرة. في حالة وادي قنوبين، تم تجاوز المديرية العامة للآثار ومنظمة اليونسكو، وهي الجهات المخولة بإبداء الرأي الفني والقانوني.
تقييم الأثر البيئي: وفقاً للمرسوم رقم 2012/8633، لا بدّ من إجراء دراسة لتقييم الأثر البيئي قبل الشروع في أي مشروع، خاصة في المناطق الحساسة بيئياً. فلم يتمّ احترام هذا الإجراء الضروري.
إحترام الإتفاقيات الدولية: المادة 19 من الاتفاقية تشدد على التعاون الدولي في أي نشاط يؤثر على مواقع التراث، وهو ما تم تجاهله تماماً في هذا القرار.
عدم استغلال حكومات تصريف الأعمال: في اتخاذ قرارات مصيرية في نهاية ولاية الحكومات يُعد تجاوزاً للأعراف الديمقراطية ويثير شبهات حول الدوافع الحقيقية خلفها.
التضليل الإعلامي والمغالطات
تداولت بعض المصادر أنّ اللجنة التي أعطت نفسها صلاحية شقّ الطرقات غير قانونية، وأنّ الحديث عن موافقة اليونسكو على المشروع هو «كذب وتزوير للحقيقة». هذه المزاعم تدعمها الحقائق القانونية والإجرائية التي تشير بوضوح إلى أنّ المشروع يتعارض مع المبادئ الأساسية لحماية التراث الثقافي والطبيعي.
إنّ محاولة تشويه وادي قنوبين ليست مجرد قضية محلية، بل هي مسألة تهم المجتمع الدولي بأسره، كون الموقع مدرجاً على لائحة التراث العالمي. المسؤولية الآن تقع على عاتق الجهات المعنية في لبنان والمنظمات الدولية للتحرك فوراً ووقف هذا المشروع الذي يهدد أحد أهم المعالم البيئية والثقافية في البلاد.
المرجع:
توجيهات تنفيذية لتطبيق اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي، اعتمدتها الجمعية العامة للدول الأطراف في الاتفاقية في دورتها العادية الثانية (مقر اليونسكو، باريس، من 16 إلى 19 حزيران/يونيو 2008)، وعدلتها في دوراتها اللاحقة حتى 2014.