فرنسا أمام المجهول بعد إنهيار الحكومة

فرنسا أمام المجهول بعد إنهيار الحكومة

  • ١٣ أيلول ٢٠٢٥
  • أنطوني سعد

فرنسا تدخل مرحلة شلل سياسي حتى إنتخابات 2027، مع رئيس يرفض الإنسحاب ومعارضة لا تريد التسوية

تعيش فرنسا واحدة من أعقد أزماتها السياسية في عهد الرئيس إيمانويل ماكرون بعد إنهيار حكومته ودخول المشهد في حالة إنسداد كامل. الأزمة الحالية تطرح ثلاثة طرق أمام ماكرون، لكن جميعها محفوفة بالمخاطر وقد تحدّد مصير المرحلة المقبلة حتّى إنتخابات 2027.

الطريق الأول أمام ماكرون هو تعيين رئيس وزراء جديد، وقد برز إسم سيباستيان لوكورنو كخيار أول. لوكورنو، وزير الدفاع الحالي، لعب دوراً بارزاً في إدارة الملفات العسكرية والصفقات الدفاعية الفرنسية، ويُعتبر من الوجوه المقربة من ماكرون. لكن المشكلة أنّ شخصية مثل لوكورنو، رغم كفاءته الإدارية والعسكرية، قد لا تصمد طويلاً في منصب رئاسة الحكومة، إذ يواجه رفضاً واسعاً من الكتل السياسية، خصوصاً اليمين المتطرف واليسار الراديكالي. وبحسب مصادر فرنسية، فإنّ ماكرون بدأ بالفعل محادثات مع لوكورنو وعرض عليه المنصب، بل إنّ بعض التسريبات تؤكد أنّ تعيينه قد تمّ فعلياً، لكن التحدّي يبقى في تمريره عبر البرلمان حيث يبدو أنّه محكوم بالفشل.

الخيار الثاني هو الدعوة إلى إنتخابات مبكرة. ماكرون يملك الحقّ الدستوري في حل البرلمان والدعوة إلى إنتخابات جديدة، خصوصاً أنّ أكثر من عام مرّ على الإنتخابات السابقة. لكن هذا الخيار يحمل مخاطرة كبرى: فاليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان يعيش ذروة شعبية غير مسبوقة، ما يعني أنّ الإنتخابات المبكرة قد تنتهي بمنحهم الأغلبية وتقصير ولاية ماكرون فعلياً عبر فرض رئيس وزراء من معسكرهم. هذا السيناريو قد يفتح الباب أمام «التعايش السياسي» الذي سيشلّ رئاسة ماكرون ويحوّله إلى رئيس بلا سلطة حقيقية حتى نهاية ولايته.
أما الخيار الثالث فهو الإستقالة، لكنه خيار مستبعد تماماً. شخصية ماكرون، ومسيرته منذ وصوله إلى السلطة، تظهر إصراره على التمسّك بالحكم حتى اللحظة الأخيرة. وهو يدرك أنّ الإستقالة تعني هزيمة شخصية وسياسية ساحقة، وهو ما لن يقدِم عليه بسهولة. لذلك، يمكن القول إنّ هذا الخيار شبه معدوم.
إزاء هذه الطرق الثلاث، تبدو فرنسا متجهة إلى مأزق سياسي طويل الأمد. فإذا تم تعيين لوكورنو أو شخصية مشابهة، فالحكومة قد لا تصمد أمام برلمان منقسم يرفضه أقصى اليمين وأقصى اليسار. وإذا لجأ ماكرون إلى إنتخابات مبكرة، فالمخاطرة بخسارة السلطة لصالح اليمين المتطرف تبدو شبه مؤكدة. أما الاستقالة، فهي خيار غير وارد.

النتيجة أنّ فرنسا تدخل مرحلة شلل سياسي حتى 2027، أو حتى يغامر ماكرون بإنتخابات مبكرة تقلب المشهد رأساً على عقب. وبين هذه الإحتمالات الثلاث، تبقى البلاد عالقة في حالة جمود، مع رئيس يرفض الإنسحاب ومعارضة لا تريد التسوية، ما يجعل السنوات المقبلة حبلى بالإضطرابات والتجاذبات السياسية.