بين صناديق الإقتراع الجامعية وصناديق البرلمان… أي معنى لإنتخابات الطلاب؟
بين صناديق الإقتراع الجامعية وصناديق البرلمان… أي معنى لإنتخابات الطلاب؟
لا يزال تصويت الطالب إمتداداً لتصويت الأهل، ويحتاج إلى سنوات من التجربة والإحتكاك بالواقع كي يبلور موقفه السياسي المستقل ويخرج من عباءة الموروث العائلي والحزبي.
تُجرى إنتخابات الجامعات اللبنانية سنوياً وسط إهتمام إعلامي وسياسي متزايد، إذ يسارع البعض إلى قراءتها كـ«بروفة» مبكرة للإنتخابات النيابية. فنتائج الكليات، في نظرهم، تعكس المزاج الشعبي وتكشف التوجهات السياسية لجيل الشباب. لكن، هل هذا التوصيف دقيق فعلاً؟ وهل يمكن لانتخابات طلابية محدودة أن تعبّر عن واقع وطني بالغ التعقيد؟
في الواقع، تختلف دوافع التصويت في الجامعات جذرياً عن تلك التي تحكم صناديق البرلمان. فالكثير من الطلاب يصوّتون لأصدقائهم، أو للّوائح التي قدّمت لهم الدعم الأكاديمي، أو بدافع الكره لطالب منافس. أما الإنتماء السياسي، فيبقى ثانوياً في معظم الأحيان. ففي لبنان، لا يزال تصويت الشباب إمتداداً لتصويت الأهل، إذ يتبنّى الطالب حزب العائلة قبل أن يكوّن قناعاته الخاصة، ويحتاج إلى سنوات من التجربة والإحتكاك بالواقع كي يبلور موقفه السياسي المستقل ويخرج من عباءة الموروث العائلي والحزبي.
مع ذلك، يمكن لهذه الإنتخابات أن تُقدّم مؤشراً جزئياً عندما تتقارب مواعيدها من الإنتخابات النيابية، كما هو الحال هذا العام، حيث جرت الإنتخابات الجامعية في تشرين الأول، فيما ستُجرى الإنتخابات النيابية في أيار 2026. هذا التقارب الزمني يمنح النتائج بعداً سياسياً يصعب تجاهله، ويجعل من الجامعات مختبراً مبكراً لقياس الإتجاهات السياسية.
فقد أظهرت نتائج هذا الموسم تقدّماً واضحاً للقوات اللبنانية في صفوف الشباب المسيحي، مقابل هيمنة شبه كاملة لحزب الله في الأوساط الشيعية. أما الساحة السنية فتبدو «ضائعة» بين المستقلين وبقايا تيار المستقبل، في حين تراجع حضور قوى التغيير بشكل لافت، واختفى تقريباً التيار الوطني الحر من المشهد الطلابي بعد أن فقد قدرته على استقطاب القاعدة الشبابية التي كانت تشكّل أحد أبرز عناصر قوّته في العقد الماضي.
هذه النتائج لا يمكن إعتبارها مرآة دقيقة للمزاج الإنتخابي العام، لكنها تبقى مؤشراً لا يُستهان به. فالمزاج الذي يتكوّن في الجامعات اليوم قد يتحوّل، بعد عام واحد فقط، إلى إتجاهٍ إنتخابي في صناديق البرلمان، حيث تتحوّل الأصوات الطلابية إلى أصوات سياسية، وتبدأ «المعركة الكبرى» خارج أسوار الجامعة، في بلد يعيش دوماً على إيقاع الإستحقاقات والولاءات المتبدّلة.

