من شاتيلا إلى كل لبنان: المخدرات تتحوّل إلى منظومة موازية للدولة

من شاتيلا إلى كل لبنان: المخدرات تتحوّل إلى منظومة موازية للدولة

  • ٠٤ تشرين الثاني ٢٠٢٥
  • أنطوني سعد

المخدرات في لبنان، أسواق مفتوحة. هذا الواقع لا يعالج بالإعلام ولا بتوقيفات شكلية، بل بخطة وطنية شاملة تبدأ بردع حقيقي لشبكات التهريب، وتكمّل بسلسلة إصلاحات إجتماعية وصحية وتربوية.

لم تعد المخدرات في لبنان «ظاهرة» محصورة بأزقة معيّنة أو حلقات هامشية، بل باتت اليوم منظومة قائمة بحدّ ذاتها: بسطات، دليفري، ديلرز على الطرقات وداخل المطاعم والنايت كلب، وشبكات توزيع تمتد من البقاع حتى قلب الوسط التجاري في بيروت. التفلت الأمني وتراجع قوة الدولة حول بعض المناطق في البقاع إلى مراكز شبه رسمية لبيع المخدرات، حيث يقصد المتعاطون الفقراء تجاراً معروفين لشراء الكوكايين والهيرويين والحبوب وغيرها، والدفع لا يكون دائماً نقداً: أحياناً عبر مقتنيات، أحياناً عبر مسروقات، وأحياناً عبر الجسد.

في هذه «الأسواق» المفتوحة، يملك بعض التجار «دليفري بوي» خاص، بينما يدير آخرون «ديوانيات» للتعاطي، يقصدها المتعاطون بشكل منتظم. جزء من شباب تلك المناطق ينقلون المخدرات إلى بيروت مقابل حاجتهم، والنساء في بعض الحالات يبعن أنفسهن مقابل جرعة. وهذا الجزء الأخطر في المأساة: الإنهيار الأخلاقي والإجتماعي الذي بات جزءاً من معادلة السوق.

الإنتشار لم يعد محصوراً بالريف. فالبسطات انتقلت إلى شاتيلا وحي الجورة، والمقيمون في تلك المناطق وفي الليلكي باتوا يسمعون ليلاً إشتباكات مسلحة بين العصابات بلا حسيب أو رقيب، وكأنّنا أمام «دولة داخل الدولة» تُدار بقوانين السوق والسلاح. في المقابل، الدولة نفسها تكتفي بإصدار بيانات صحافية عن توقيف «مروّج درجة سابعة» وتضخيم حجمه إعلامياً، بينما الشبكات الفعلية مستمرة وتتمدّد.

خارج ذلك، هناك منظومة دليفري تتنقل عبر كامل الأراضي اللبنانية: إتصال واحد يحدد لك مكان اللقاء، تصل فتجد الآخرين ينتظرون، يصل المروّج، يوزّع ويرحل، بلا حسيب ولا رقيب ولا خوف. 

وما يزيد الكارثة أنّ المطاعم وأماكن السهر، وبعض المقاهي التي يرتادها اليافعون في قلب بيروت ومركزها التجاري، يدخلها مروّج بشكل طبيعي. البلد كله صار «سوق مفتوحة» داخل مجتمع منهك، بينما الخطاب الرسمي يبيع الناس الوهم عن إنجازات وهمية.

المخدرات في لبنان ليست «ملفاً أمنياً» فقط. إنّها آفة اجتماعية تُنتج إستغلال قاصرين، تفكيك عائلات، تدمير شبان وشابات، وتحويل أحياء كاملة إلى مسارح فوضى دائمة. هذا الواقع لا يعالج بالإعلام ولا بتوقيفات شكلية، بل بخطة وطنية شاملة تبدأ بردع حقيقي لشبكات التهريب، وتكمل بسلسلة إصلاحات إجتماعية وصحية وتربوية.

أيّها المسؤولون: لا تكذبوا على الناس. كافحوا المخدرات جدياً، لا عبر بيانات مؤتمرات صحافية، بل عبر عمل ميداني. لأنّ المجتمع إذا انهار من الداخل، لن تنفع بعدها أي«إنجازات» أو «دعاية». غداً قد تكون عائلتكم هي الضحية، والحساب سيكون عسيراً.