ما لا تعرفونه عن رئيس محكمة العدل الدولية.. نواف سلام أبعد من سفير وأكثر من قاضٍ
ما لا تعرفونه عن رئيس محكمة العدل الدولية.. نواف سلام أبعد من سفير وأكثر من قاضٍ
تاريخ نواف سلام يعود إلى ما بعد إتفاق الطائف. انجازات سُطرت بإسمه في السياسة اللبنانية والديبلوماسية العربية والقيادة العالمية، حتى وصل به الأمر إلى محكمة العدل الدولية التي دخلها عام 2018 رغم اعتراض غربي، ويتبوّأ اليوم رئاستها.. إليكم ما لم يُقل لكم عن سلام.
سلام كان قد إنضمّ إلى المحكمة في العام 2018 وهو من ضمن الفريق القضائي الذي ينظر بإحدى أعقد القضايا التي طُرحت على محكمة العدل الدولية منذ تأسيسها عام 1945. قضية إصطف على ضفتيها العالم بأسره بما فيه القوى العظمى، وهي الدعوى المقدمة من دولة جنوب أفريقيا ضدّ إسرائيل، والتي اتّهمت فيها تل أبيب بإرتكاب ما يرتقي إلى مستوى الإبادة الجماعية. فدخل نواف سلام البيروتي الوطني في تحدٍ دوليٍّ جديدٍ من نوعه، وكانت مكافأة المحكمة له بالأمس عبر تعيينه رئيساً لها، فيما أبواق داخلية تطلق تهماً بحقه تتناقض بمضامينها، مردّها تشويه صورة السفير الذي لم يُحسب يوماً لا على جهة داخلية ولا على قوى إقليمية، والقاضي الذي يُقدّره المجتمع الدولي، فيما نكرت بعض الكتل النيابية التي تدّعي الإصلاح والقوّة بالحق، معرفتها بمن يجمع بفكره أفضل ما في اليسار وأرقى ما في الليبرالية ويناصر الحق والقانون دون سواه.
دخل سلام عالم الديبلوماسية عام 2007 حيث شغل منصب المندوب الدائم للبنان في الأمم المتحدة حتى 2017. وفي تلك الفترة، ترأس جلسات مجلس الأمن الدولي ضمن فترة تمثيله للبنان في مجلس الأمن بين عامي 2010 و2011. شغل سلام منصب نائب رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السابعة والستين. و يتبوأ منصب قاضٍ في محكمة العدل الدولية منذ العام 2018.
وعمِل أستاذاً جامعياً في العلوم السياسية وتاريخ الشرق الأوسط المعاصر في الجامعة الأميركية في بيروت وجامعة السوربون الفرنسية وجامعة هارفرد الأميركية. وهو حائز على شهادة الدكتورا في العلوم السياسية والتاريخ وماجستير في القانون.
في التاريخ المعاصر للبنان، ترأس بلد الـ10425 كم2 مجلس الأمن الدولي مرتين. المرة الأولى مع شارل مالك عام 1958الذي شكّل إضافة حضارية وثقافية في الميثاق الأممي لحقوق الإنسان والمرة الثانية مع نواف سلام عام 2011. في فترة ترؤس سلام لأعلى مجلس أمني أُممي، كان الشرق الأوسط يغلي بملفات طافت على الساحة الدولية: من الصراع العربي الإسرائيلي، إلى الملف النووي الإيراني والأزمتين الليبية والسورية. لقد دفع سلام بالديبلوماسية اللبنانية إلى الخطوط الأمامية في كثير من الملفات، لا سيّما تلك المرتبطة بإنتهاكات إسرائيل اللامتناهية للقوانين الدولية وحقّ فلسطين بالإنضمام إلى الأمم المتحدة. و يسرد سلام في إحدى لقاءاته كيف بكى يوم أتت فلسطين لتقديم طلب عضويتها إلى الجمعية العامة. يقول، «بكيت في تلك اللحظة التي توجت عقوداً من العمل الفلسطيني». أُحيل طلب فلسطين آنذاك إلى مكتب رئيس مجلس الأمن الدولي، أي مكتب نواف سلام فحرص الأخير ألّا يُناقش طلب إنضمام فلسطين للأمم المتحدة في المجلس تخوفاً من الفيتو الأميركي المُحتم. أوقف سلام الجمعية العامة للأمم المتحدة 17 مرة تصفيقاً للطلب الفلسطيني، وإستباقا للضغط الأميركي توجّه سلام إلى الإعلام معلناً إستلامه ملف إنضمام فلسطين من البعثة الفلسطينية، مؤكداً أنّ الهيئة ستدرسه وتبتّ فيه. وفي عهد سلام، حصلت فلسطين على العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «الأونيسكو» في تشرين الأول 2011. كذلك، في عهد سلام اللبناني العربي وبمسعى منه مَنحت الجمعية العامة للأمم المتحدة فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة، في تشرين الثاني 2012.
في آب 2007، وخلال مداخلته في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد سنة من عدوان تموز 2006، حمل نواف سلام المجتمع الدولي مسؤولية الأرواح التي تُزهق في لبنان بسبب القنابل العنقودية الإسرائيلية التي تقتل أطفالاً وعُزّلاً ومدنيين. متسائلاً: «كيف تستمر إسرائيل بالإمتناع عن تسليم الأمم المتحدة الخرائط التي تظهر الأماكن التي ألقت فيها القنابل العنقودية على لبنان؟». وأضاف بخطاب وطني جريء مُسجل إلى اليوم في سجلات الأمم المتحدة في نيويورك، «تخرق إسرائيل السيادة الجوية اللبنانية يومياً وإنّ إستمرار إحتلالها لمزارع شبعا يُشكل إنتهاكاً فادحاً للقرار الأممي رقم 425 الذي طالب القوات الاسرائيلية بالإنسحاب من كافة الأراضي اللبنانية عام 1978.. وعلى إسرائيل إنهاء إحتلالها للأراضي اللبنانية ووقف إنتهاكها للقانون الإنساني الدولي».
إسهامات سلام ما بعد إتفاق الطائف تعتبر قيمة مضافة الى العمل السياسي في لبنان. فهو من أبرز الوجوه المؤسسة للمركز اللبناني للدراسات (LCPS) والجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الإنتخابات (LADE) التي عبرها أدخل مفهوم «النسبية» في الإنتخابات النيابية، وطروحاته قد نوقشت رسمياً وعلى أعلى المستويات ووضعت ضمن ما عُرف بقانون فؤاد بطرس آنذاك. و سلام من المؤمنين أنّ السلطة القضائية المستقلة هي التي تحمي الشعب، ولن يتحقق أي إستقرار في لبنان دون المحاسبة القانونية العادلة.