نظام حجز المواعيد «الموازية» في النافعة: من خارج «المنصّة»

نظام حجز المواعيد «الموازية» في النافعة: من خارج «المنصّة»

  • ١٥ شباط ٢٠٢٤
  • فتاة عيّاد

«كيف أحجز موعداً على منصّة المواعيد tmo.gov.lb لتسجيل سيارتي في النافعة؟» سؤال منطقي لمواطن لبناني إنسجم مع حالة المكننة في مصلحة تسجيل السيارات في الدكوانة. أما «كل يوم إثنين الساعة 4، معك 5 دقايق لتلحق حالك للحجز، وإنت وحظك». فجواب غير منطقيّ، تسمعه في النافعة لدى سؤالك عن طريقة حجز المواعيد عبر المنصّة.

النافعة، وهي نموذج مصغّر عن الفساد الممنهج في الدولة، أصبحت في حزيران الفائت، نموذجاً للإصلاح من بوابة المكننة، فحُلّت مشكلة المواعيد عبر المنصّة، عوض الطوابير والرشاوى، وإنتظم العمل المؤسساتيّ، وهو ما أسّس لفكرة -خطيرة- مفادها أنّ الإدارة اللبنانية قابلة للإصلاح، وكان هذا كافياً لتشكّل المنصّة تهديداً حقيقياً لكل من يعمل للإبقاء على نموذج الفساد كهوية للإدارة اللبنانية.
في السياق، تكشف «بيروت تايم» عن نظام حجز مواعيد «موازٍ»، قوامه المحاصصة وإقتسام جبنة «المواعيد الموازية»، من قبل بعض «الإداريين الجدد» في هيئة إدارة السير ممن عينوا للقيام بأعمال  الهيئة بعد إبعاد رئيستها هدى سلوم وبقية الأعضاء لملاحقتهم أمام القضاء في أكبر قضية فساد ممنهج في تاريخ النافعة. فالطاقم الجديد أبى إلّا أن يسير على نهج سلفه من الإداريين في إرجاع عقارب النافعة للوراء، مؤسسا نظام حجز مواعيد مواز، عبر تقليص عدد حجوزات المنصة إلى قرابة النصف، وتمرير بقية الحجوزات من خارجها.

قصة «المنصة»

كان تسيير مصلحة تسجيل السيارات -النافعة في الدكوانة من قبل عناصر وضباط في قوى الأمن الداخلي برئاسة مديرعام الهيئة بالوكالة المحافظ مروان عبود، ورئيس مصلحة تسجيل السيارات سابقا بالوكالة العميد علي طه، وبعده العقيد خالد يوسف، بعد إقفالها لأشهر على خلفية سجن غالبية موظفيها في ملف فساد النافعة، وعلى رأسهم رئيسة هيئة إدارة السير هدى سلوم ورئيس مصلحة تسجيل السيارات أيمن عبد الغفور، بمثابة «لحظة مفصلية» ليس في تاريخ النافعة وحسب، بل في تاريخ الإدارة العامة اللبنانية، على قاعدة أنه إما أن يكون الإصلاح ممكناً فيها، أو لا يكون.
ولم تكن الصبغة «الأمنية» للعناصر المولجين القيام بالمهمة هي سبب الرهان على إصلاح النافعة التي تدرّ الملايين للخزينة سنوياً، وقرابة 23 مليار ليرة يومياً، بل كان الرهان على «المكننة» فيها مع إطلاق منصة حجز المواعيد، كبصمة إصلاحية وضعها الطاقم الأمني على قاعدة حلّ المشكلة من جذورها: فالفساد ليس في الموظفين وحدهم بل في «السيستام» والذهنية. والمنصة كانت بمثابة «حاجز» متين ضدّ إحتكاك الموظف بالمواطن، وتخفيف إحتمالية الرشاوى عبر إقتلاع أسبابها. 
فيوم أطلق وزير الداخلية بسام المولوي رسمياً، منصة هيئة إدارة السير والمركبات والآليات - مصلحة تسجيل السيارات والآليات في الدكوانة على IMPACT، وضعها في خانة «تسهيل عملية تسجيل السيارات وتخليص معاملات المواطنين».
أما الضباط الذين عملوا عليها، فكانوا يرون بها أبعد من ذلك. فهي طريقة ممنهجة لإنجاز المعاملات، تحافظ على كرامة المواطن، وتخفّف من الزحمة في النافعة، كأحد أهم أسباب الرشاوى. وهي رؤية تتماهى وإستراتيجية التحوّل الرقمي للدولة، وتنطلق من فكرة جوهرية أراد الضباط إثباتها، وهي أنّ المواطن اللبنانيّ «مسؤول»، وعلى الدولة تأمين نظام ممكنن خالٍ من الفساد، يليق بتلك المسؤولية.
إنطلقت المنصة مع قرابة 200 موعد كل يوم عمل، توزع على 3 أيام في الأسبوع. وأبرز المعاملات هي: تسجيل السيارات الجديدة، والسيارات المستعملة المستوردة. واليوم، لم يطرأ تغيير كبير في عدد هذه المعاملات. فما الذي تغيّر إذاً؟

نظام حجز «موازٍ»

بات التخلّص من المنصة هو الشغل الشاغل للساهرين للحفاظ على فساد إدارات الدولة،  وضرب أي فرصة للإصلاح فيها. فأتى تحقيق هدف الإطاحة بالمنصّة عبر قاعدة ضرب عصفورين بحجر: التمهيد والتسويق بأنها عقّدت حياة المواطن عوض تسهيلها، توازياً مع خلق نظام حجز مواعيد «مواز»، من خارجها.
وبما أنّه لا إمكانية لخرق نظام المنصّة التابعة لـImpact   المحمية من قبل التفتيش المركزيّ، لا تحصل عملية حجز المواعيد «بالوساطة» عبر المنصّة بل من خارجها. إذ لا يمكن التعديل على بياناتها وحجوزاتها، والحال أنّ التعديل يحصل في عدد تلك الحجوزات، عبر تقليصها.
ولفهم ما يحدث بالفعل، يمكن المقارنة بالوقت المتاح للحجز اليوم، المتمثل بحوالي خمسة دقائق فقط للخدمات المتعلقة بتسجيل الآليات عن كل أسبوع (غالبا أيام الاثنين)، قبل أن تصبح مواعيد الأسبوع جميعها محجوزة ويقفل الحجز للأسبوع الذي يليه.
أي أنّه، وبعد خمس دقائق من فتح المنصّة، سيصبح لزاماً على المستخدم الذي لم يحالفه الحظ بحجز موعد، أن «يجرب مرة أخرى»، وسيتعين عليه الإنتظار مدة أسبوع آخر، وهلمّ جرّا...
وفي مقارنة بسيطة مع بداية إطلاق المنصّة، يتبين أنّ الأمر كان يتطلّب عدة ساعات لتعبئة حجوزات أسبوع كامل. أما تقلّص مدة تعبئة طلبات الحجز، إلى 5 دقائق اليوم، فمرده إلى عاملين إثنين.
والعامل الأول الذي لا يمكن إغفاله، هو عامل إنتشار المنصّة بين اللبنانيين. ففي بداية إطلاقها، كانت مئات الحسابات المسجلة عليها تدخل دفعة واحدة لحظة فتحها عند الساعة الرابعة من يوم الإثنين.
أما اليوم، فقد يصل عدد عمليات الدخول إلى عدة آلاف، نتيجة إنتشار المنصّة وتعرُّف المواطنين عليها، وهو عامل إيجابي بطبيعة الحال، كدلالة لتأقلّم  المواطن مع عملية المكننة.
أما العامل الثاني، فهو عمليات الفساد والمحاصصة في المواعيد، التي لا تحصل عبر خرق المنصّة، غير المتاح كونها محمية، بل عبر تقليص عدد المواعيد المخصصة للحجز عبر المنصة.
بمعنى آخر. وإذا تمّ الإفتراض بأنّ قدرة الموظفين هي القيام ب100 معاملة في اليوم، فيتم تقسيم هذا العدد بين حجوزات المنصّة والخروقات من خارجها، والتي توزّع وفق نظام محاصصة، في إستنسابية فاضحة بين المواطنين، وضرب لروحية المنصّة التي جعلتهم سواسية.  

السر في الـ QR Code

ويحتاط  بعض الإداريين في الهيئة والنافذين الذين يقسمون هذه المواعيد على جماعاتهم عبر نظام «الكوتا» فيما بينهم، بدراية كبيرة.
لكن مع ذلك، يمكن لأي مواطن اليوم، كشف عملية الفساد المقنعة هذه. فحجز الموعد عبر المنصّة يتمّ عبر الحصول على code QR، تتمّ مطابقته لدى عملية إنجاز المعاملة، وعلى أساسه يتمّ التأكيد على صحة الحجز. 
أما من لا يمتلك لـcode  QR اليوم، ويدخل النافعة ويتمكن من إنجاز معاملته رغم ذلك، فهو من المواطنين الذين حجزوا عبر نظام الحجز الموازي بالوساطة.
وذروة تمرير المواعيد من خارج المنصّة، تكون في اليوم المخصّص للمواطنين الذين لم يحجزوا على المنصة (يوم في الأسبوع من أصل 3 أيام عمل، وهو غالبا يوم الخميس من كلّ أسبوع).
وهنا أيضاً، حيث الدور يأتي وفق التراتبية في «الطابور»، يمكن رصد مواطن ينتظم في الطابور، ومواطن يتجاوزه وفق «خط عسكري». أما الضباط والعناصر ممن ساهموا في وضع رؤية الإصلاح في النافعة منذ أشهر، «فمغلوب على أمرهم» اليوم ممن أعلى منهم رتبةً ونفوذاً من إداريين في الهيئة، على قاعدة نفّذ ولا تعترض.

أعداء الإصلاح في الإدارة
العقيد يوسف... و«أن تأتي متأخراً»

«المواطن مسؤول»، هذه الروحية التي قامت عليها المنصّة، وهذا ما أثبته المواطنون. أما شبكة الفساد التي تكرّست مع وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق، ممرّر صفقة التلزيم المشبوهة مع شركة «إنكربت» لنظام المعلوماتية في النافعة، والتي تمتد للموظفين المتّهمين بالرشاوى والإثراء غير المشروع، مستمرة إلى اليوم بأسماء ووجوه أخرى في هيئة إدارة السير. في حين أنّ روحية الفساد التي لا ترى بالنافعة إلّا «منفعة» لجيوبها، واحدة.
إشارة إيجابية واحدة في ظل هذا السواد، تمثلت  بإعلان هيئة إدارة السير والآليات والمركبات – مصلحة تسجيل السيارات والآليات في بيان، الأحد الماضي، عن آلية إستقبال المواطنين خلال الشهرين المقبلين لإنجاز الخدمات. ووفق معلومات «بيروت تايم»، يبدو أنّ رئيس المصلحة بالتكليف، العقيد خالد يوسف، دفع باتجاه تمديد آلية التسجيل لتمسكه بالإبقاء على المنصة و«تطويق» نظام الحجز من خارجها.
فهل ينجح يوسف بالمهمة الموكلة إليه بضمان عدم إعادة عقارب النافعة إلى الوراء؟ وهل يفي الوزير مولوي بوعده «بعدم السماح ببقاء الفساد في لبنان» أقله من بوابة النافعة؟ والتي أثبتت في عهده -ولو لأشهر- أنّها قابلة للإصلاح، رغم إرادة الفاسدين، أعداء الإصلاح في الإدارة اللبنانية؟