الحزب الديموقراطي الأميركي، ونحن
قال لي ديبلوماسي أميركي ديموقراطي مخضرم التقيته بمؤتمر أكاديمي في كاليفورنيا قبل ثلاثة أشهر انّ باطن سياسة ادارة جو بايدن تجاه الأزمة في جنوب لبنان لا يختلف عن ظاهرها، بمعنى أنّ جلّ ما تبغيه واشنطن هو أن يقبل حزب اللّه الابتعاد عن الحدود لمسافة معيّنة، مقابل أن تتمكّن اسرائيل من اعادة مواطنيها الذين تهجّروا من شمالها الى بيوتهم، وترسيم الحدود البرّية بين لبنان وجارته الجنوبيّة. قلت له انّ تلك الصفقة، لو تمّت، تعني أن يظلّ الحزب الخميني متحكّما بلبنان. ردّه كان مقتضبا: نعم، مع هزّة كتف لامبالية بليغة جدّا.
عاد هذا الحديث الى بالي اليوم صباحا بينما كنت أطالع المتيسّر عن اتّجاهات كاميلا هاريس–نائب الرئيس الأميركي الحالي، والتي تتوّجه لتكون المرشّحة الديموقراطيّة للانتخابات الرئاسيّة القادمة في الولايات المتّحدة–بالسياسة الخارجيّة. لا يعرف أحد الكثير عن هذه المسألة بالتحديد. وبالاجمال، هاريس على يسار بايدن (وهو ما هو متوقّع من أيّ ديموقراطي من كاليفورنيا، وخصوصا من المعقل الليبرالي في سان فرانسيكو، حيث بدأت هاريس مسارها المهني). ما هو معروف بالمقابل، أنّ هاريس شاركت، كسناتور، بحملة الهيستيريا الديموقراطيّة الحقيقيّة ضدّ ادارة الرئيس دونالد ترامب عقب اغتيال الجنرال الايراني قاسم سليماني عام 2020. يومها، قامت قيامة اليسار الأميركي باعتبار أنّ تصفية سليماني فتحت باب المواجهة الشاملة بين ايران والولايات المتّحدة؛ وذهب البعض للتساؤل ما اذا كان اغتيال سليماني سيطلق العنان للحرب العالميّة الثالثة اذ أنّ الصين وروسيا ستقفان بصفّ ايران بالضرورة. لم يحصل شيء من هذا طبعا. بالعكس تماما: اغتيال سليمان أكّد المؤكّد لجهة أنّ النظام الايراني يستقوي على شعبه المقهور أوّلا، وعلى المكوّنات الرافضة له في لبنان، وسوريا، والعراق؛ ولكنّه يتفادى التصعيد عندما تقرّر الولايات المتّحدة تذكيره بموازين القوى الحقيقيّة بالمنطقة.
والحال أنّ تصفية سليماني أضعفت النظام الايراني. والحال، أيضا، أنّ كلّ ما يضعف هذا النظام مرحّب به من وجهة نظر لبنانيّة. والحال، أخيرا، أنّ بايدن/هاريس ما كانا ليعطيا الضوء الأخضر لتصفية سليماني لوكانا بموقع القرار يوم اتّخّذ. بالحقيقة، سياسة بايدن/هاريس تجاه النظام الايراني بالسنوات الأخيرة أعادت انتاج الخطوط العريضة لسياسة باراك اوباما الكارثيّة بالمسألة نفسها. وان كان الشعب السوري الضحيّة الأولى لها –لو ربح السيناتور الجمهوري الراحل جون ماكين الانتخابات الأميركيّة عام 2008، أو هيلاري كلينتون، ذات التوجّهات الصقريّة بالسياسة الخارجيّة، غالب الظنّ أنّ بشّار الأسد ما كان ليكون اليوم رئيسا لسوريا–فلبنان ضحيّتها الثانية.
وكيفما سرّح واحدنا النظر بسياسات الديموقراطيّين بالاقليم، وبتبعاتها تجاه لبنان، فمن الصعب الانبهار بها. كان بيل كلينتون رئيسا لدورتين بالتسعينات؛ سياسة ادارته تصالحت مع تسليم لبنان تماما للاحتلال السوري آنذاك -وهو ما كان بدأ بظلّ الجمهوري جورج بوش الأب- مقابل توقّع دور سوري مساعد بمفاوضات السلام. نعلم الآن أنّ كلينتون ضحّى بلبنان من أجل لا شيء لأنّ السلام ما كان يوما خيار حافظ الأسد لأسباب عديدة جدّا، أهمّها حسابات المحافظة على قبضته بسوريا. وقبل ذلك بعقدين، عانى قائد القوّات اللبنانيّة الراحل الشيخ بشير الجميّل كي يحصل على مجرّد فرصة لشرح وجهة نظره في واشنطن، يوم كان جيمي كارتر الديموقراطي رئيسا للولايات المتّحدة. نعلم طبعا أنّ الخميني قبض على السلطة بايران بعهد كارتر، وأنّ دعما أميركيّا أقوى للشاه كان أخذ الأمور باتّجاه مختلف تماما. هذه المسألة بالتحديد لا يمكن نسيانها، عنيت أنّ الزمن الأشدّ سوادا بالشرق الأوسط بدأ بينما كان رئيسا ديموقراطيّا يجلس سعيدا بالبيت الأبيض.
ولا يعني كلّ ما سبق أنّ لبنان يستفيد بالضرورة عندما يقبض الجمهوريّون على السلطة بواشنطن. ولكنّ الحقيقة هنا اثنتان: 1) لم يستفد لبنان مرّة من سياسة أيّ ادارة ديموقراطيّة بالعقود الأخيرة. 2) بالمرّة الوحيدة التي خدمت السياسة الأميركيّة مصلحة لبنان كان الجمهوريّون بالبيت الأبيض، بمرحلة 2004/2005؛ رحم اللّه ديك تشايني، ووفّق السفير جفري فيلتمان أينما هو اليوم.