إنتهى العرض : أسدلت الستارة على المصالحات في لبنان

إنتهى العرض : أسدلت الستارة على المصالحات في لبنان

  • ٢٣ آب ٢٠٢٤
  • كاسندرا حمادة

يمكن تشبيه مصالحة فرنجية -جعجع أو عون -جعجع وأية مصالحة أخرى في لبنان، بمسرحية يتبادل فيها الأبطال أدوارهم على خشبة المسرح بينما خلف الكواليس يعود كلّ منهم الى دوره قبل العرض وتظهر السموم عند كل مفترق طرق.

«صراع مصالِح متنكِّر في هيئة صراع مبادئ، إنّها ممارسة الشأن العام من أجل مصالِح خاصّة»، بهذه العبارة وصف أمبروس بيرس السياسة. وفي طبيعة الحال، فإنّ السياسة اللبنانية، هي المثال الأبرز للعبة المصالح بين السياسيين، وما أظهرته من مصالحات لم تثمر، فنحن ما زلنا في إنحدار سريع ، ومصالحاتنا  صورية بعد الحرب الأهلية، والأحقاد توّرث من جيل الى جيل، فشاب في العقد الثاني من العمر يحمل جروحاً وأحقاداً عاشها من هم في العقد الثامن . وفي تركيز خاص على المصالحات بين المسيحيين  في لبنان، يتبيّن حقاً  أنّ ما يفترض أن يجمعهم يفرّقهم. أبرزه  تاريخ الصراع على رئاسة الجمهورية بين الموارنة في لبنان، تاريخ مغموس بالدم والنزاعات المريرة، وهو المصلحة العليا الجامعة للأطراف المسيحية. هؤلاء خرجوا من حرب دموية، ليحتلّوا مكانة سياسية سلمية على هامش الديموقراطية اللبنانية، ولكن من منهم تقبّل فكر الآخر، أو من منهم غفر للآخر؟، من منهم أظهر مرونة حقيقية لإعادة النظر في رؤيته للآخر؟ 
رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، سياسته لا تتلاقى مع سياسة رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.يسير تيار المردة على خط سوريا الأسد، أما حزب القوات اللبنانية، فهو الخصم الأول لهذا السياسة. ومن هنا، إنّ المصالحة لدفن الأحقاد وليست للتلاقي على الخط السياسي وعلى هذا الأساس جمعت البطريركية هذين الطرفين؟ 
إذ إنّه  بإشراف البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، التقى الخصمان السياسيان، عام 2018  سليمان فرنجية وسمير جعجع، في مقرّ البطريركية، بعد أربعين عاماً من الخصومة العميقة.
إذ إنّه  لا بدّ من تبريد القلوب لإجماع وطني، على الرغم من  أنّ العناوين العريضة لم يتّفق عليها حتى اليوم. ولكن قليل من الحكمة ومن حسن الكلام مفقود عند كلّ مناسبة أو تصريح، أو قليل من الشهامة بين الأفرقاء، ما يعني الإلتزام بهدف المصالحة وأولها دفن السموم والغفران على المستوى الإنساني والبقاء على الخلاف السياسي.
ولا من دلالة أقوى من التصريحات الغوغائية التي يقوم بها بعض وجهاء الأحزاب السياسية، وآخرها الكلام الفارغ من أي حجة سياسية مثبّتة، الذي أطلق له العنان شارل جبّور على وزير الإعلام زياد المكاري. .ما قاله شارك جبّور يدلّ أوّلاً على هشاشة المصالحات السياسية المسيحية، وثانياً، ينتقص ولو بطريقة غير مباشرة من هيبة بكركي الصرح الجامع لأطراف الكيان اللبناني. 
انطلاقاً من هنا، ومقارنة مع المصالحة السياسية التي سبقتها  بين جعجع وعون (إتّفاق معراب)، فقد اختلفت المواقع والظروف، إنّما النتيجة ذاتها. 
حول قالب من الحلوى والشمبانيا، اجتمع عدوا الأمس  في معراب، عام 2016، عون وجعجع. اقترنت هذه المصالحات بأرقام إنتخابية، واعتقدا أنّهما بهذا الإستراتيجية، قد امتلكا زمن السلم. وحضرهذا اللقاء التاريخي، رجال أعمال، وأصدقاء ومحازبين للجهتين. لم يقتصر التقارب العوني - القواتي على المصالحة، إذ وقّع الطرفان في العام نفسه اتفاقاً سياسياً تبنى على أساسه جعجع ترشيح عون إلى الرئاسة. فقد خابت الظنون من المصالحات، وبغضّ النظر عن حجج كلّ من الأحزاب، يبقى الكيان اللبناني الضحية الوحيدة في هذه اللعبة،وانتقاص من هيبة البطريركية ودورها التاريخي ولها الأسبقية على كلّ الحكام الزمنيين الموارنة في بناء مداميك هذا الوطن، وراعية المصالحة ذات الطابع الرعوي الهادف الى دفن الأحقاد.
ويقول فارس سعيد في حديث خاص ل«بيروت تايم»، إنّ أهمية المصالحات تكمن في طي صفحة الحرب، ولا يمكن إستنسابها  لفتح ملفّ آخر. 
ولكن للأسف، ما يدور اليوم من سجالات، يدلّ على أنّ الخلافات متوارثة من جيل إلى جيل، بدون إبرام مصالحة حقيقية، خاصة بين المسيحيين. 
في سياق متّصل، قد ظهرت المصالح بعد كلّ مصالحة، وتكشف تصريحات السياسيين الكثير عن هشاشة المصالحات في لبنان، ، ما يؤدي إلى غياب الثقة  الصنو الأساسي  لأي مصالحة .
ولا يقتصر الأمر على المصالحات المسيحية في لبنان، أيضاً تتضعضع المصالحات الأخرى، ومنها المصالحة في الجبل، التي اتّخذت طابعاً سياسياً، إنّما لم تتعامل أطرافها على أنّها مشروع وطني أو إجتماعي بحت، بل استُخدمت كأداة لتعزيز النفوذ. كان الهدف الظاهري هو تعزيز الوحدة بين المسيحيين والدروز في الجبل، لكن سرعان ما أصبحت المصالحة وسيلة لتصفية الحسابات السياسية بين القوى المتنافسة في البلاد.
وفي عودة  للبحث في أصل وحدة الكيان اللبناني، ولماذا تفشل  المصالحات بعد الحرب الأهلية، فهي آنية توازياً مع إنتهاء المصلحة التي فرضتهاوليس إيماناً بوحدة الكيان اللبناني على تنوّعه، وهي كمن يخبء الخنجر وراء ظهره ليشهره متى إستطاع.