القمم البيئية العالمية: خطوات نحو إنقاذ الكوكب أم تحذيرات بلا إستجابة؟

القمم البيئية العالمية: خطوات نحو إنقاذ الكوكب أم تحذيرات بلا إستجابة؟

  • ٢٠ تشرين الثاني ٢٠٢٤
  • تيريزا كرم

«إنّ السرعة التي تفرضها التدخلات البشرية اليوم تتناقض مع البطء الطبيعي للتطور البيولوجي. يُضاف إلى هذا مشكلة أنّ أهداف هذا التغيّر المتسارع والدائم لا تصبّ بالضرورة لصالح الخير . إنّ التغيّير مُستَحَب، ولكنه يصبحُ مقلقًا عندما يَتَحَوَّلُ إلى تدهورٍ للعالم وتقهقر لنوعية حياة السواد الأعظم من البشرية» البابا فرنسيس


لطالما كانت الأرض بيتنا الوحيد، تحمل تاريخنا وآمالنا ومستقبلنا بين أحضانها. ولكن، في ظل تسارع وتيرة التغيرات المناخية وارتفاع أصوات الطبيعة الغاضبة، أصبح الحفاظ على كوكبنا ضرورة ملحة، لا رفاهية. في عام 1972، انطلق أول مؤتمر عالمي يُعنى بالبيئة في ستوكهولم، كصرخة إنسانية تدعو للتكاتف من أجل إنقاذ الأرض من أعباء التلوث وآثاره المدمرة. ومنذ ذلك الحين، تعاقبت القمم البيئية كصفحات من كتاب يحمل أوجاع البشرية، كل قمة منها تسطر وعودًا، تطلق تحذيرات، وتُمهّد لمستقبل مشترك.
لكن السؤال الأهم: إلى أي مدى التزمت دول العالم بهذه التعهدات؟ وهل أصبحت هذه القمم منصة حقيقية للتغيير، أم مجرد إجتماعات سنوية تُسطر فيها الكلمات على الورق دون أن تجد طريقها إلى الواقع؟ من ستوكهولم إلى باريس، ومن كيوتو إلى غلاسكو، تباحث العالم التحديات المناخية المتفاقمة عامًا بعد عام، وسط محاولات للسيطرة عليها، وأزمات سياسية تظلّل الجهود المشتركة. 
مؤتمر ستوكهولم 1972: البداية
كان مؤتمر ستوكهولم أول منصة دولية تضع القضايا البيئية في صدارة الأجندة العالمية. حقق المؤتمر اعتماد إعلان ستوكهولم  الذي تضمن 26 بنداً و109 توصيات تتعلق بالإدارة البيئية لكوكب الأرض. أسفر المؤتمر عن إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) وفتح الباب لحوار دولي حول العلاقة بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة.
قمم بارزة: من ريو دي جانيرو إلى كيوتو
في قمة ريو دي جانيرو عام 1992، اتخذت الدول أول خطوة فعلية للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، مما أسفر عن إتفاقيات تاريخية مثل اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ وجدول أعمال القرن 21.
في عام 1997، صدر بروتوكول كيوتو، الذي ألزم الدول الصناعية بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة، رغم التحديات التي واجهها بسبب تحميل الدول المتقدمة العبء الأكبر من الالتزامات،والتي حتى اليوم ما زالت موضح جدل وعراقيل تنفيذية لصالح الدول الصناعية الكبرى الملوّ الرئيسي لكوكب الأرض.
إتفاقية باريس 2015: تحول نوعي
مثلت إتفاقية باريس 2015 نقطة تحوّل في العمل المناخي العالمي، حيث حصلت لأول مرة على اتفاق موحد من جميع الدول المشاركة. ركزت الإتفاقية على الحد من اإاحتباس الحراري إلى أقل من درجتين مئويتين، مع التزام بتقديم مساعدات مالية للدول النامية لدعم جهودها المناخية.
قمة باكو 2024: مواجهة التحديات الراهنة
انعقدت الدورة التاسعة والعشرون لمؤتمر الأمم المتحدة للمناخ COP29 في باكو، عاصمة أذربيجان، في 11 نوفمبر 2024 ويستمر حتى 22 الشهر الجاري. ركز المؤتمر على التحديات العالمية الناتجة عن تغيّر المناخ والدعوة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهتها.
التحديات والتحذيرات:
أكد تقرير «فجوة التكيف لعام 2024» الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة أنّ المجتمعات الضعيفة تواجه كوارث طبيعية متزايدة مثل العواصف والحرائق والجفاف. وحذّر التقرير من إحتمالية تجاوز الإحترار العالمي 1.5 درجة مئوية قريبًا، ما قد يؤدي إلى زيادة كارثية تتراوح بين 2.6 و3.1 درجة مئوية.
دعوات للتحرّك:
دعت إنغر أندرسن، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، إلى اتخاذ إجراءات فورية للحد من الكوارث المناخية. وأشارت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك إلى أنّ أزمة المناخ تشكل أكبر تحدٍ أمني، بينما شددت وزيرة التنمية الألمانية سفينيا شولتسه على أهمية التمسك بأهداف إتفاقية باريس للحد من الإحترار العالمي.
التزامات واقتراحات:
حثّ برنامج الأمم المتحدة للبيئة على تقديم التزامات جوهرية، بما في ذلك زيادة التمويل وتعزيز الإستثمارات الإستراتيجية في التكيّف المناخي، خاصة في المناطق الأكثر تعرضًا للخطر.
مصادر الإنبعاثات وحلول مستدامة:
تُعدّ قطاعات الطاقة والصناعة والزراعة أبرز مصادر إنبعاثات الغازات الدفيئة. وطرح المؤتمر حلولًا لتعزيز الإقتصادات الخالية من الكربون بحلول عام 2030، مع التركيز على المبادرات المحلية والشركات والمجتمعات الأصلية كجزء من الجهود العالمية لتحقيق الاستدامة.
التحديات السياسية:
ألقى فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية بظلاله على التوصل إلى إتفاقات قوية، إذ يهدد بسحب الولايات المتحدة من إتفاقية باريس واتخاذ قرارات تقلّل من الجهود العالمية للحد من ظاهرة الإحتباس الحراري.
وخَلُص المؤتمر إلى ضرورة التحرّك الفوري عالميًا لتحقيق تقدّم ملموس في مواجهة تغيّر المناخ، إذ أن كل جزء من الدرجة المئوية يمكن أن يقلل من الكوارث المستقبلية ومعاناة المجتمعات
المرأة في العمل البيئي: قادة التغيير
برز دور النساء في قيادة الجهود البيئية، سواء كمستهلكات يعتمدن ممارسات مستدامة، أو كرائدات في مجالات الطاقة المتجددة والسياسات البيئية. أكدت الأمم المتحدة أنّ دعم النساء واستثمار قدراتهن يُسهم في تحقيق مستقبل أكثر استدامة.
غريتا ثونبورغ: صوت الجيل الجديد
غريتا ثونبورغ، الناشطة السويدية الشابة، برزت عالميًا منذ انطلاقها في سن الخامسة عشرة بمبادرة الإضراب المدرسي للمناخ تحت مبدأ نريد عالماً أفضل لنكبر ونعيش فيه، ولتصبح صوتًا قويًا ملهماً لملايين المراهقين حول العالم للإحتجاج الدوري أمام برلمانات حكوماتهم لإتخاذ إجراءات واقعية في مواجهة أزمة المناخ. وبخطاباتها المؤثرة ومواقفها الجريئة، لفتت الأنظار على مستوى العالم إلى الحاجة الملحّة للتحرّك لحماية البيئة.
ولم تقتصر جهودها على القضايا البيئية، بل اتخذت موقفًا شجاعًا في دعم القضية الفلسطينية، منددةً بالعنف في غزة ورافضةً التمييز والتواطؤ العسكري. أكدت غريتا على أنّ النضال البيئي مرتبط بالدفاع عن حقوق الإنسان، داعيةً الحكومات والأفراد إلى العمل من أجل عالم أكثر عدلاً واستدامة.
عندما ننظر إلى تاريخ القمم البيئية، نرى جهودًا عظيمة تُبذل، وتحذيراتٍ تُطلق من أجل إيقاظ الضمير العالمي لمواجهة أزمة المناخ. ورغم بعض النجاحات، يبقى التحدي الأكبر في تحويل الإلتزامات إلى أفعال ملموسة تعكس حرص الدول على مستقبل الأرض. ففي عالم يواجه أزمات سياسية واقتصادية متشابكة، تظلّ البيئة الضحية الصامتة. ولكن، كما تؤكد الناشطة البيئية غريتا ثونبيري، النضال من أجل البيئة هو أيضًا نضال من أجل الإنسانية. وربما يكون دور النساء في قيادة الإستدامة، وصوت الشباب المطالب بالتغيير، هما المفتاح لبناء عالم أكثر أماناً. في النهاية، الأمر بين أيدينا: إما أن نسعى للعدالة بين الأجيال في بيتنا المشترك ، أو نترك إرثًا من الفوضى والكوارث للأجيال القادمة، وعلى حدّ قول البابا فرنسيس في رسالته عن البيئة«هذا يدعو للبحث عن طرق أخرى لفهم الإقتصاد والتقدم؛ وفهم القيمة الخاصة لكل مخلوق؛وفهم المعنى الإنساني للإيكولوجية؛ وضرورة القيام بحوار صادق ونزيه وما يترتب عنه من مسؤولية خطيرة تتحملها السياسة الدولية والمحلية..»