إنتكاسات حقوق النساء

إنتكاسات حقوق النساء

  • ٠٤ كانون الأول ٢٠٢٤
  • كاسندرا حمادة

وصم النساء الخارجات على القيود المفروضة بسلوكيات تختزل هويتهن الذاتية، فيقدم «الأقوياء» منظوراً منحرفاً ودونياً لمن هن خارجات عن السياق العام السياسي والديني والإجتماعي عبر تصنيفات مذلة تعزلهن وتقصي وجودهن الإجتماعي عن الآخرين.


بعد ثلاثة عقود على تعهدات زعماء العالم في إجتماع بكين في الصين في حماية حقوق المرأة، ورغم ما حققته النساء من إنجازات خلال العقود المنصرمة. إلّا أنّ العالم اليوم يشهد انتكاسة في هذا المجال. فالنزاعات والعنف المتطرف يعرّضان النساء للإغتصاب، والإختطاف، والإسترقاق الجنسي، وكبت حرية التعبير والإحتجاج  وما زال التمييز والحرمان من المشاركة السياسية والعنف قائماً،  فيما تواجه المدافعات عن حقوق المرأة تهديدات جسيمة.
وقد جاء على لسان الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أنّ تدهور حقوق الإنسان في عام  2023  شبيه بفترة ما قبل 1948، وإنّ عدد الدول الديموقراطية تراجع الى مستويات أقل مما كانت عليه سنة1985 أي قبل خروج نلسون مانديلا من السجن وقبل سقوط جدار برلين ونهاية الحرب الباردة.
إذ يشهد العالم صعوداً للأفكار السلطوية عالمياً، مما قلّص من حريات التعبير، وتنامي خطاب الكراهية، وانتكاسة لحقوق المرأة، وذلك إستناداً الى معطيات من بلدان عديدة.
والإنتكاسات في مجالات حقوق المرأة تتعدد مظاهرها، وتعزو الحركات النسوية الراديكالية هذا الأمر الى ما تسميه كراهية النساء وممارسة السلطة السياسية لدى الزعماء المستبدّين في الأنظمة أكانت شمولية أو ديمقراطيات معاصرة.  هي ليست مجرد كراهية للنساء فحسب، بل آلية لمعاقبة من يتحدّين النظام الأبوي. وكراهية النساء لدى القادة السياسيين تُضفي الشرعية على العنف ضدّ كلّ ما يُعتبر «أنثويًا»، سواء كان أفراداً أو جماعات أو أفكاراً.
وترتبط كراهية النساء حسب التيار الراديكالي النسائي، لدى الزعماء الإستبداديين والمشاريع المتطرفة، الذين يسعون إلى تعزيز الوضع الراهن الأبوي. فالمرأة المطيعة تُمدح وتحظى بالحماية، بينما تُعاقب المرأة التي تتحدى هذا النظام.  وهذا النمط من العقاب يمتدّ ليشمل كل من يُنظر إليه على أنّه «مخالف» أو «معادٍ للأمة»، بما في ذلك حركات حقوق الإنسان وحقوق البيئة، والتي قد تُوصم بـ«التأنيث» لتقليل قيمتها. وكراهية النساء هي جريمة كراهية محتملة وغير معترف بها، خاصةً بالنظر إلى ارتباطها بالعنف المتطرف في ظلّ قيادة «الرجال الأقوياء».
فتوصم النساء الخارجات على القيود المفروضة بسلوكيات تختزل هويتهن الذاتية، فيقدم «الأقوياء» منظوراً منحرفاً ودونياً لمن هن خارجات عن السياق العام السياسي والديني والإجتماعي عبر تصنيفات مذلة تعزلهن وتقصي وجودهن الإجتماعي عن الآخرين. ومن هذا الوصم الإجتماعي ما تداولته وسائل الإعلام مؤخراً عن إعتقال الطالبة في جامعة آزاد بطهران 
بعد إحتجاجها على قواعد اللباس الصارمة بالتجوّل في الحرم الجامعي بملابسها الداخلية بمعزل إن كان شكل الإحتجاج مقبولاً أم لا. وقد انتشر فيديو للحادثة على نطاق واسع. فيما صرحت المتحدثة بإسم الحكومة أنّ الطالبة «مضطربة» ونُقلت إلى مركز علاج،  دون تحديد نوع العلاج.
عيادات نزع الحجاب
وقد أعرب مركز حقوق الإنسان في إيران عن قلقه من إستخدام المستشفيات النفسية وإنشاء «عيادات نزع الحجاب»  بحجة أنّهن مضطربات عقلياً ما يتعارض مع توصيفات الطب النفسي العلمية، وهو نموذج غريب ليس معروفاً في أي مجال من مجالات الطب النفسي يستخدم كأداة لقمع المعارضات لإرتداء الحجاب ونزع الشرعية عن إحتجاجهن، مشيرًا إلى تزايد هذه الممارسة منذ احتجاجات 2022 بعد وفاة مهسا أميني.
ويتهم مركز حقوق الإنسان النظام بعزل المعارضات وزيادة الضغط عليهن ومنع التحقيق في حالاتهن. ويطالب المركز الأمم المتحدة والحكومات والمنظمات الطبية والنفسية بالضغط على إيران لإطلاق سراح الطالبة ووقف احتجاز المتظاهرين في المستشفيات النفسية واحترام حق الإحتجاج السلمي. كما أدانت الحائزة على نوبل للسلام نرجس محمدي وصف النظام للمحتجات بأنّهن «غير مستقرات عقليًا» أو «منحرفات» أو «مضللات».
وفي هذا السياق ذكرت حالات مماثلة مثل مليكا غاريجوزلو ورويا ذاكري اللتين نُقلتا إلى مستشفيات نفسية بعد احتجاجهما على الحجاب. وأشار المركز إلى استخدام «مراكز نفسية» كذريعة لاحتجاز الطلاب المشاركين في الاحتجاجات.
فضلاً عن قرارات قضائية صنفت السلطات القضائية ثلاث ممثلات إيرانيات بأنّهن مختلات عقليًا بسبب تحديهن لقوانين الحجاب، مما دفع مجالس نفسية للإعتراض على تدخل القضاء في التشخيص الطبي.
الذهاب إلزامياً إلى «عيادة ترك الحجاب» وبديلاً عن العقوبة العلنية وبهذا تستخدم السلطة الإيرانية الطب كأداة للقمع والسيطرة السياسية وتعزّز الوصم الإجتماعي نحو المرأة وانتهاك لمبدأ الإستقلالية في تلقي العلاج وتقويض الثقة بالنظام الطبي وتشويه لمفهوم الصحة النفسية.
ويذكر أنّ إيران  قامت بتكثيف مراقبة النساء بعد إنتفاضة «المرأة، الحياة، الحرية» الجماهيرية في عام 2022، التي اندلعت إثر مقتل مهسا جينا أميني  بعد اعتقالها بسبب ارتدائها الحجاب «غير الصحيح». ويشمل ذلك زيادة إستخدام تقنيات التعرّف على الوجوه لمراقبة النساء في الأماكن العامة.
بالإضافة إلى ذلك، أقر البرلمان الإيراني قانونًا جديدًا يوسّع بشكل كبير القيود المفروضة ويطبق عقوبات قاسية على اللواتي يرفضن القوانين المعتمدة للملابس، إلّا أنّ الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان  أعرب اليوم عن تحفظه على القانون الجديد الذي ينّصّ على تشديد العقوبات المتعلقة بعدم إرتداء الحجاب، مشيراً إلى مخاوف من تأثيره على المجتمع خاصة أنّ  القانون يفرض غرامات كبيرة وعقوبات إضافية.