المسافة صفر... والأخلاق تحت الصفر
المسافة صفر... والأخلاق تحت الصفر
بعد فشله الدمويّ من المسافة صفر، مع العدوّ، إنتقل الحزب إلى مواجهة داخليّة، من الأخلاق صفر، بميزانيّة لا محدودة من دماء أهله
ليس، لأيّ لبنانيّ، أدنى فكرة عمّا هو واردٌ في إتّفاق وقف النار، بين الحزب الأصفر والمجرم الأزرق. لا نعرف من وقّع نيابة عنّا ولا من رعى مصالحنا أو كفل سلامتنا. كلّ ما نعرفه هو أنّ النار توقّفت في الرابعة من فجر السابع والعشرين من تشرين الثاني الفائت، لمدّةِ ستّين يوماً. لا شروط عَلِمنا بها، ولا جداول زمنيّة أو آليات تنفيذ وصلت مسامعنا. ليس بيننا مَن لديه ما يكفي مِن المعطيات، ليجزم مَن التزم ومن راوغ ومن تخطّى المكتوب. فنحن لا نعرف ماذا كُتب، ولا ما إذا كُتب، أصلًا. النار توقّفت. إسرائيل خَرقت. إسرائيل بقيت. وفي صباح ما بعد الستّين، عاد الناس إلى قراهم، كما وُعدوا، فأُضيف إثنان وعشرون من بينهم، إلى لوائح الشهداء التّي لا تُختَتم.
«قسم تقييم المخاطر»
تعوّدنا، نحن اللبنانيّون، على رفع سقوف توقّعاتنا، من زعمائنا، إلى حدود خرافيّة، لكنّ أحدًا منّا لم يرفعها، يومًا، إلى مستوياتٍ أخلاقيّة رفيعة. تعوّدنا أنّ رفاهيّتنا وسعادتنا وسلامتنا وحياتنا لا تقرب حساباتهم. نقطة بسيطة، في السياسة، لا تُعيقها دماء ولا جراح ولا دموع. حياة الناس هي، دائمًا، أسعار بخسة في بازار السياسة. ليس غريبًا، على الساسة في لبنان، إرسال مؤيّديهم إلى حتفهم في سبيل خطبة شعبويّة سطحيّةٍ أو تقدّم انتخابيّ طفيف أو حقيبة وزاريّة أو تعيين وظيفيٍّ أو صفقة أو سطوة أو هيبة. الدماء كلفة مقبولة لم تعرقل، يومًا، مسارًا سياسيًّا، مهما كان بسيطًا. لعبة الدم هي لعبة شديدة الرواج. ساسة مستعدون للدفع وعامة توّاقّون لرخص سعر دمائهم. فالزعامات أو الأحزاب، في لبنان، هي، دون أدنى شكّ، شركات محدودة المسؤوليّة وعديمة الضمائر. شركات أخبث أقسامها هي تلك المختصة بتقييم المخاطر على الناس.
«السباق بين الراية الصفراء والعلم الثلاثيّ الألوان»
دماء اثنين وعشرين شهيدًا كانت كلفة اليوم الأوّل بعد الستّين. المخاطر كانت معلومة وحتميّة، فالعدوّ لا يحتسب مآسينا وشهداءنا ولا دموع أمّهاتنا، لكنّ قسم تقييم المخاطر، في شركة حزب الله، أجازها. فليُقتل مَن يُقتل، وليُعوّق من يعوّق ولتَبكِ مَن تّبكي. لا يهمّ. فالمهمّ، في بازارهم الدائم، هو قطف العودة من أمام شرعيّة المرقّط والماليّة من يد إصلاحٍ مُحتمل. فالحزب، وبعد فشله الدمويّ من المسافة صفر، مع العدوّ، انتقل إلى مواجهة داخليّة، من الأخلاق صفر، بميزانيّة لا محدودة من دماء أهله. وهو وقّع استسلامًا لحماية ما تبقّى من بُنيته، ثمّ دفع بِناسه إلى داخل مجال بندقيّة العدوّ. صحيح أنّ بخسة الدماء ليست سابقة على ساحة السياسة اللبنانيّة، لكنّ أحدًا لم يتوقّع استهتار ما يُسمّى بالممانعين، بدماء إضافيّة، من أجل عراضة دعائيّة وحقيبة وزاريّة ومصداقيّة مفقودة، بعد أكثر من أحد عشر ألف شهيدًا من الدائرة العضويّة لأصفر الراية.