«جريمتان لا تصنعان عدالة»

«جريمتان لا تصنعان عدالة»

  • ٢٠ شباط ٢٠٢٥
  • كاسندرا حمادة

«إنّ مناهضي عقوبة الإعدام قلقون على الأسباب التي تؤدي الى الجريمة الأولى، ويرفضون ارتكاب جريمة ثانية. أما مناصرو عقوبة الإعدام فغير قلقين على الأسباب التي أدّت إلى الجريمة الأولى، ويطالبون بجريمة ثانية» (وليد صليبي)

إنّ تسليط الضوء مراراً على مسألة الإعدام، وخاصة في هذا الوقت يعود الى بروز الجدل من جديد حول ما يشهده المجتمع اللبناني من ردود فعل نحو الجرائم البشعة ومنها مؤخراً الجريمة المروعة التي أدت الى دهس الشاب بدم بارد في بلدة فاريا، وما أثارته من غضب شعبي وإشمئزاز، وما يتداوله الناس من لحظات عاطفية لمعاقبة المجرمين بالأعدام ليكونوا عبرة لغيرهم ولمكافحة الجريمة بين الناس. وفيما يبقى الموضوع إشكالياً بين مؤيد للعقوبة الإعدام وبين معارض في سبيل الهدف نفسه وهو مكافحة الجريمة والمجرمين، في هذا التقرير نظرة سريعة على جدوى الإعدام أم عدمها.

«الحق لكلّ إنسان بالحياة»... 

هذا ما تنصّ عليه المادة السادسة من شرعة حقوق الإنسان ، وتعني  أنّ الحياة هي  حق مقدّس، وهو أعلى مراتب حقوق الإنسان وأهمها،  وإحدى الحقوق المدنية، فهو الذي يضمن حق الإنسان في الحياة. ويعتبر الحق في الحياة أحد المبادئ الأساسية التي تضمنها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وهو حق مقدس لا يجوز المساس به، إذ يكفل حماية الحياة الفردية ويمنع أي تدخل غير قانوني من الأفراد أو السلطات في حياة الإنسان. وتتضمن هذه الحماية حق الإنسان في عدم التعرض للقتل أو أي نوع من العنف، إضافة إلى عدم السماح له بإنهاء حياته بنفسه، ويُعتبر هذا الحق من الحقوق المدنية التي تؤكد عليها جميع الشرائع السماوية والدساتير الوضعية. لكن، رغم هذا الاعتراف الواسع بالحق في الحياة، تظل عقوبة الإعدام واحدة من أشد القضايا المثيرة للجدل في النقاشات القانونية والأخلاقية.

الإعدام بين الواقع والتبريرات
عقوبة الإعدام، التي تتضمن قتل الشخص المدان كعقاب على ارتكاب جريمة خطيرة مثل القتل العمد أو الخيانة، تعد من أقسى وأشد العقوبات التي يمكن أن تفرضها الأنظمة القانونية. وقد أشار روجر هود، أستاذ في مركز البحث الجنائي بجامعة أكسفورد، إلى أنّ الإعدام يُنفذ بعد إدانة الجاني من قبل محكمة قانونية مختصة. من جهة أخرى، تؤكد العديد من الدراسات أنّ بعض أقارب ضحايا القتل يرون أن عقوبة الإعدام هي وسيلة ضرورية لتحقيق العدالة وإغلاق صفحة الجريمة، مما يساعدهم على التقدم في حياتهم. في المقابل، يعتبر آخرون أنّ الإعدام يمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، مُشيرين إلى احتمالية وجود أخطاء قضائية قد تؤدي إلى إعدام الأبرياء.
تاريخ الإعدام.. تطوّر الوسائل والقوانين 
تعود أقدم القوانين التي تحدد عقوبة الإعدام إلى ما قبل الميلاد، حيث كان قانون حمورابي في بابل في القرن الثامن عشر قبل الميلاد يفرض الإعدام على 25 جريمة. كما كانت عقوبة الإعدام جزءًا من القوانين في العديد من الحضارات القديمة. واستخدمت أساليب عدة في تنفيذ الإعدام تشمل الصلب، الغرق، الحرق، والتقطيع.
مع مرور الزمن، تطورت طرق الإعدام في مختلف أنحاء العالم. في العصور الوسطى، أصبح الشنق هو الطريقة الشائعة في بريطانيا، فيما شهد القرن السادس عشر تنفيذ إعدامات جماعية تحت حكم هنري الثامن، حيث قُتل ما يقدر بحوالي 72,000 شخص بطرق متعددة تشمل الحرق والشنق وقطع الرأس. واستمر تطبيق عقوبة الإعدام في بريطانيا حتى القرن التاسع عشر، حيث تم تقليص عدد الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام بشكل تدريجي.
وتأثرت الولايات المتحدة بشكل كبير ببريطانيا في تطبيق عقوبة الإعدام، حيث تم تنفيذ أول إعدام في مستعمرة جيمستاون عام 1608. وقد شهدت العديد من الولايات تطبيق عقوبة الإعدام على جرائم بسيطة مثل سرقة العنب وقتل الدواجن. في العقود الأخيرة، بدأ الدعم الشعبي لعقوبة الإعدام في التراجع بشكل ملحوظ، خاصة بين الأجيال الشابة.

الإعدام بين العدالة القانونية والانتقام العاطفي

في عصرنا الحالي، يطرح السؤال حول مدى صحة أن يُستخدم القانون المبني على العدالة والمنطق لتبرير القتل. من جانبها، ترى الحقوقية تانيا عوض غرّة والعضو في المجلس العالمي لإلغاء عقوبة الإعدام، أنّ عقوبة الإعدام تظل موضوعًا جدليًا في معظم بلدان العالم. في لبنان، على سبيل المثال، تثير كل جريمة قتل نقاشًا حادًا حول عقاب القاتل، حيث يدعو البعض إلى تنفيذ حكم الإعدام بينما يرفضه آخرون. وتحلل غرّة هذه الظاهرة باعتبارها نتيجة لعواطف قوية تُؤثر في مواقف الناس تجاه القتل والعقاب، مما يبرز الفرق بين العدالة القانونية المبنية على المنطق وبين الأحكام التي قد تكون مدفوعة بالمشاعر. 

الإعدام والجريمة.. علاقة متوازية؟ 

تفصّل غرّة عدّة نقاط متعلّقة بقضية الإعدام، من حيث القانون، العلم، والسياسة. 
من الناحية العلمية، تشير الدراسات إلى أنّ معدلات الجريمة لا ترتبط بشكل واضح بتطبيق عقوبة الإعدام. على سبيل المثال، في الولايات المتحدة، أظهرت الدراسات أنّ الولايات التي تطبق عقوبة الإعدام لا تشهد انخفاضًا في معدلات الجرائم العنيفة مقارنة بالولايات التي لا تطبقها. في عام 2012، كانت ولاية تكساس، التي تُنفذ العقوبة بشكل مكثف، تشهد معدلات جريمة قتل أعلى من معظم الولايات التي لا تطبق الإعدام.
وفي سياق أوسع، تظهر الدراسات أنّ الولايات التي ألغت عقوبة الإعدام شهدت انخفاضًا في معدلات القتل. على سبيل المثال، بعد إلغاء الإعدام في ولاية نيويورك، سجلت الولاية معدلات قتل أقل مقارنة بولاية تكساس، التي ما زالت تطبق العقوبة.

من الناحية القانونية، يُعتبر الحق في الحياة قيمة ثابتة لا يجوز انتهاكها، كما نصت على ذلك مواثيق حقوق الإنسان. وتؤكد الحقوقية تانيا غرّة على أنّ إلغاء الحق في الحياة لأي شخص يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان ويُعتبر نوعًا من العدالة الانتقامية. وبالرغم من وجود استطلاعات في بعض الدول تؤيد عقوبة الإعدام، مثل استطلاعات غالوب في الولايات المتحدة التي أظهرت تأييدًا نسبيًا من بعض الفئات العمرية، إلا أنّ هذه العقوبة تظل مرفوضة من قبل العديد من شرائح المجتمع، خاصة بين الأجيال الشابة.

الإعدام.. إستغلال سياسي

من الناحية السياسية، يُمكن أن يُستغل قانون الإعدام من قبل السلطات في بعض الدول لتصفية حسابات سياسية أو اجتماعية. في بعض الدول، يُستخدم الإعدام ضد الأقليات العرقية أو السياسية، كما ذكرت غرّة، مما يعمق الإنقسامات الاجتماعية. 

على سبيل المثال، تعرض العديد من السجناء السياسيين في دول عربية إلى حكم الإعدام نتيجة انتهاكات للإجراءات القانونية، بما في ذلك الحالات الأخيرة مثل إعدام الناشطة الكردية واريشا مرادي في إيران، بتهمة «التمرد المسلح ضد الدولة».

وختاماً، تظل عقوبة الإعدام قضية مثيرة للجدل على الصعيدين القانوني والأخلاقي، فمن الضروري تفعيل التفكير النقدي حول مدى عدالتها في العصر الحديث ومدى إمكانية معالجة أسباب الجرائم في السياقات الاجتماعية.

"!