«السلام يولد من النساء ويبزغ ويبرق في رقة الأمهات»

«السلام يولد من النساء ويبزغ ويبرق في رقة الأمهات»

  • ١٠ آذار ٢٠٢٥
  • كاسندرا حمادة

في اليوم العالمي للمرأة نستذكر البعد الإنساني العميق لرؤية البابا فرنسيس للمرأة، «المرأة تحمل ذلك التناغم الذي يجعلنا نحب بحنان ويجعل العالم جميلاً»

لم تخلُ خطابات البابا فرنسيس من حفظ مكانة خاصة للمرأة في عالمنا أمس واليوم. لطالما كانت الكنيسة الكاثوليكية، ترى المرأة كشريك أساسي في الحياة. ويأتي البابا فرنسيس بكلمات بسيطة تجسّد هذه الأهمية المطلقة للمرأة. وتجسّدت أقواله في عمله داخل الفاتيكان، حيث شهدت الإدارات الفاتيكانية حضوراً لافتا للنساء، وكان دور المرأة في المجتمع والكنيسة، من العناوين الأساسية التي رافقته في حواراته ورحلاته.
وعلى هذا السبيل، شكّل موضوع النساء ودورهن في الكنيسة، الذي تطرّق إليه البابا عدّة مرات خلال رحلته إلى لوكسمبورغ وبلجيكا، محوراً أساسياً في حديثه مع 150 من اليسوعيين الذين التقاهم في بروكسل. وشرح البابا فرنسيس خلال اللقاء أنّ  «الكنيسة هي امرأة»،ردّاً على سؤال أحد اليسوعيين حول «صعوبة منح النساء مكانًا أكثر عدلاً وملاءمة في الكنيسة». وأضاف البابا: «أرى النساء مملوءات بالنعمة، ولا أريد حصر الحديث عن دور المرأة في الكنيسة في موضوع الخدمة فقط». وقال: «بشكل عام، الأيديولوجيتان الذكورية والنسوية هما «مواضيع سوقية». وشدّد البابا فرانسيس أكثر من مرّة على أنه يسعى لإدخال النساء إلى الفاتيكان في أدوار ذات مسؤوليات أعلى فأعلى.

عدد النساء في الفاتيكان
وخير دليل على إهتمام البابا فرانسيس بتمكين المرأة، هو أنّه منذ بدء حبريته في العام 2013 حتى اليوم، ارتفع عدد النساء في الإدارات الفاتيكانيّة من 864 إلى 1165 عاملة، فارتفعت نسبة الموّظّفات المئويّة في الفاتيكان من 19.3 إلى 26.1 في المئة، ما زاد من تأثيرهنّ وأهمّية دورهنّ، بحسب تقرير نشره موقع فاتيكان نيوز.
وتتولّى اليوم خمسٌ منهنّ في دائرات فاتيكانيّة أداور سكرتيرة وسكرتيرات مساعدات ، ما يعني أنهنّ يتبوّأنَ مراكزَ رفيعة في سلطة اتّخاذ القرار الفاتيكاني إذ تتألّف الدوائر من رئيس وسكرتير وسكرتير مساعد يتبعهم موظفون. وعلى الرغم من أنّ عدد النساء في المراكز المرموقة من السلطة الهرميّة لا يزال فقط 5 في المئة إلّا أنّ الدستور الرسولي الذي أصدره فرنسيس في حزيران الفائت قد فتح الباب أمام تعيين علمانيّات وعلمانيين في أعلى مستويات الإدارات.
ولفت البابا فرنسيس، في أحد المناسبات: «سنواصل السير في هذا الطريق. الأمور تعمل بشكل أفضل مما كانت عليه سابقًا»، في هذا السياق، يذكر البابا أيضًا حكاية مع رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين: «كنا نتحدث عن مشكلة معينة، فقلت لها، «ولكن كيف تديرين هذه الأنواع من المشاكل؟» فأجابت، «بنفس الطريقة التي تفعل بها جميع الأمهات» إنّ «إجابتها جعلتني أفكر كثيرًا»

المرأة في نظرة باباوية 
جميلة هي التعابير التي يصف بها البابا فرنسيس المرأة في مجتمعنا، إذ يعتبر أنّ قدرات النساء وتميُّزهن ومواهبهن التي يجب تثمينها، وما يحملن من تناغم يمكنه أن يجعل العالم أفضل. وتطرّق إلى هذه الزاوية في مقدمة كتاب بعنوان  «قيادة نسائية أكبر من أجل عالم أفضل»  للسيدة أنا ماريا تارانتولا رئيسة مؤسسة السنة المائة   

ويعبّر البابا عن اختلاف فكر المرأة عن فكر الرجل، فالنساء أكثر تنبهاً إلى حماية البيئة، وأنظارهن لا تتوجه إلى الماضي بل إلى المستقبل، وأنّهن يلدن بألم لبلوغ فرح عظيم، وأنّ «هبة الحياة وفتح آفاق جديدة واسعة، تجعل  النساء يردن السلام، دائما». يتحدث البابا أيضا عن قدرة النساء على التعبير عن القوة والحنان معا ويشير إلى تميزهن بالكفاءة والقدرة وبأنّ الأجيال الجديدة تحفزهن، ولا يقتصر هذا على الأبناء. ويرى أنّه من العدل أن يتمكّن من التعبير عن قدراتهن هذه في الأوساط المختلفة لا في الوسط العائلي وحده، وأن يحصلن على مقابل مادي متساوٍ مع ما يحصل عليه الرجال في العمل والالتزام والمسؤولية. وفي هذا الإطار، يصف الأب الأقدس الفجوة في هذا المجال بين الرجل والمرأة بظلم كبير، وأنّ هذا التفاوت إلى جانب الأحكام المسبقة وما ينتج عنها من حالات العنف ضد النساء بأنّه «جرح مفتوح هو ثمرة ثقافة قهر ذكورية» و«على ضرورة أن نجد علاجا لهذه الآفة وألا نترك النساء بمفردهن» و« ليس من الممكن بلوغ عالم أفضل، أكثر عدالة وشمولا، عالم مستدام بشكل متكامل، بدون إسهام النساء، وعلينا بالتالي أن نعمل معا جميعا لتوفير فرص متساوية للرجال والنساء في كل مجال، وذلك لتحقيق مساوة في التنوع ثابتة ودائمة لأن طريق تحقيق المرأة لذاتها حديث وصعب وغير نهائي، ويمكن بسهولة أن نعود إلى الوراء».

والجدير ذكره أنّه عام 2024، غسل البابا أقدام 12 امرأة في سجن بروما، مظهراً تواضعه واحترامه للمرأة. كما كان قد شكّل عام 2016 لجنة لدراسة دور الشماسات في الكنيسة الأولى. 
وأخيراً، يمكن القول أنّه على مرّ حبريّته، لم يكن البابا فرنسيس مجرّد متحدث عن حقوق المرأة، ولم تكن رؤيته للمرأة محصورة في الدور التقليدي، بل رأى فيها قوّة قادرة على التغيير، ومصدرًا للتناغم والسلام.