إسرائيل على أبواب إنتخابات مبكرة: الكنيست قد يُحل وإئتلاف نتنياهو قد يسقط

إسرائيل على أبواب إنتخابات مبكرة: الكنيست قد يُحل وإئتلاف نتنياهو قد يسقط

  • ٠٩ حزيران ٢٠٢٥
  • كريم الحدّاد

أزمة قانون تجنيد الحريديم تفجّر خلافات عميقة داخل الإئتلاف الحكومي الإسرائيلي، وقد تدفع نحو إنتخابات مبكرة. فهل ينجو نتنياهو مجدداً عبر مناورات سياسية طالما اتقنها.

تعيش إسرائيل واحدة من أكثر أزماتها السياسية تعقيداً منذ تشكيل حكومة بنيامين نتنياهو الأخيرة في كانون الأول من العام 2022. الأزمة، تتمحور حول قانون إعفاء اليهود الحريديم (الأرثوذكس المتشددين) من الخدمة العسكرية، تهدد بشكل جدي بتفكيك الإئتلاف الحاكم والذهاب إلى إنتخابات مبكرة، في وقت تخوض فيه إسرائيل حرباً مدمرة على قطاع غزة دخلت شهرها العشرين.
جذور الأزمة: التجنيد والخدمة العسكرية
لأكثر من سبعة عقود، تمتع الحريديم بإعفاءات شبه دائمة من الخدمة العسكرية الإلزامية في إسرائيل، بحجة «تكريس حياتهم لدراسة التوراة». ومع تزايد نفوذهم السياسي، ضمنوا لأنفسهم مكانة خاصة داخل المؤسسة السياسية، حتى بات أي مساس بهذا الإعفاء يُعد بمثابة خط أحمر ديني وسياسي.
غير أنّ قرار المحكمة العليا الإسرائيلية، في حزيران من العام 2024، الذي نصّ على إلزام الحريديم بالخدمة العسكرية، شكل نقطة تحول مفصلية. فقد وضعت المحكمة بذلك الحكومة أمام خيارين أحلاهما مر: إما فرض التجنيد بالقوة، ما يعني خسارة الأحزاب الحريدية التي تشكل دعامة رئيسية للإئتلاف الحكومي، أو المجازفة بتخطي القرار القضائي، ما يفتح الباب على أزمة دستورية تُفقد الجمهور الإسرائيلي الثقة بالسلطات.
تصدع داخل الائتلاف
الإئتلاف الحاكم بقيادة نتنياهو يضم 68 نائباً من أصل 120 في الكنيست، منهم 18 نائباً من الأحزاب الحريدية (شاس، ويهدوت هتوراه). ووسط تصاعد الضغط الشعبي والعسكري لتجنيد الجميع في ظل الحرب على غزة، بدأت الخلافات تتعمق في أوساط الرأي العام الإسرائيلي .
فقد أعلنت أحزاب معارضة، منها «هناك مستقبل» بقيادة يائير لابيد، و«إسرائيل بيتنا» بزعامة أفيغدور ليبرمان، أنّها ستتقدم بمشروع قانون لحل الكنيست الأسبوع المقبل. ومن المفارقات أنّ هذه الأحزاب التي طالما اتُّهمت بمهادنة نتنياهو، باتت تجد في أزمة التجنيد فرصة لتقويض حكمه.
أما حزب «شاس»، الحليف التقليدي لنتنياهو، فقد أعلن أخيراً تأييده لمطالب حل الكنيست، بعدما التزم الصمت لفترة طويلة. واعتبر زعيمه أرييه درعي أنّ الحكومة «وصلت إلى طريق مسدود»، وأنّه «لا يمكن البقاء مكتوفي الأيدي».
نتنياهو في مرمى النار
نتنياهو، الذي يواجه أيضاً محاكمة مستمرة بتهم فساد، يحاول إحتواء الأزمة من خلال المراوغة السياسية: إما بكسب الوقت، وطرح وعود غامضة، أوالضغط على أطراف الائتلاف. لكنه يواجه حالياً معركة مزدوجة: معارضة داخلية من الأحزاب الحريدية، وتمرّد سياسي من شخصيات في حزبه مثل يولي إدلشتاين، رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، الذي يُتهم بأنّه يعطّل تمرير قانون إعفاء الحريديم.
وتشير تسريبات صحفية إلى أنّ نتنياهو قد يضطر لإقالة إدلشتاين في محاولة لإرضاء الحريديم، على الرغم من أنّ الأخير يحظى بدعم شخصيات مؤثرة، ويرى أنّ تمرير القانون بصيغته الحالية يُعد إنتحاراً سياسياً وتهديداً لأمن الدولة.
المعارضة تستعد
المعارضة الإسرائيلية تدرك هشاشة الوضع الحالي، ولذلك تعمل وفق استراتيجية محسوبة. فقد أعلن حزب «يش عتيد» أنّه لن يطرح مشروع قانون حل الكنيست للتصويت إلا إذا ضمن الحصول على 61 صوتاً، وهي الأغلبية المطلوبة. وفي حال فشل تمريره، يمكن سحب المقترح قبل التصويت لتفادي الإحراج السياسي.
وفي حال نجحت المعارضة، فستُجرى إنتخابات مبكرة خلال خمسة أشهر من تمرير القانون، أي بحلول نهاية العام الجاري، وسط توقعات بأن تخسر أحزاب اليمين المتطرف مقاعدها، ويعاد تشكيل المشهد السياسي برمته.
مفترق طرق
الأزمة الحالية لا تتعلق فقط بقانون التجنيد، بل تتقاطع مع ملفات حساسة أخرى: استمرار الحرب على غزة، مصير الأسرى الإسرائيليين، الضغوط الدولية المتزايدة، ومحاكمة رئيس الوزراء نفسه. وبالتالي، فإنّ الأزمة قد تتجاوز بعدها التقني لتتحول إلى لحظة حسم سياسي.
ومع انتهاء «عداد العومر» وحلول عيد «شفوعوت»، وهو الموعد النهائي الذي منحته القيادات الدينية الحريدية لنتنياهو لتمرير القانون، فإنّ الساعات المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مصير الحكومة الإسرائيلية.
إسرائيل أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الرضوخ لمطالب الحريديم وإقرار قانون يعفيهم من الخدمة، ما يعني أزمة ثقة شعبية داخلية ورفض قضائي محتمل، أو الذهاب نحو إنتخابات مبكرة وسط وضع أمني وإقتصادي متفجر. وبين هذا وذاك، يحاول نتنياهو أن ينجو مجدداً عبر مناورات سياسية طالما أتقنها، لكن الرياح هذه المرة لا تبدو مواتية لسفينته.