بالفيديو- الحزب بعد الحرب الإيرانية - الإسرائيلية.. تسليم السلاح أو الإنتحار
بالفيديو- الحزب بعد الحرب الإيرانية - الإسرائيلية.. تسليم السلاح أو الإنتحار
الدولة تكتفي بشعارات من قبيل «الإحتضان» و«الإستيعاب» و«تضميد الجراح»، بدلاً من الإعتراف بأنّ الحزب خسر من قوته ونفوذه وأنّه يجب تطبيق القانون عليه كما يطبق على جميع اللبنانيين وأن تضع جدولاً زمنياً لسحب سلاحه.
بعد أيام قليلة على الحرب الإيرانية - الإسرائيلية، يمكن القول أنّ لبنان لا يزال ملتزماً الحياد حتى الآن، ويتعين على لبنان أن يتحلى بالوعي الكامل، فهو بلد غير قادر على الإنخراط في دائرة العنف التي تعصف بالمنطقة، فالتداعيات المحتملة لهذه الحرب على إيران قد تفوق في خطورتها تداعيات حرب عام ١٩٦٧ بأضعاف مضاعفة. لذا، إذا ما قرر حزب الله الإنخراط في حرب مساندة، يتعين على الدولة اللبنانية أن تتخذ موقفًا حازمًا لردعه، سواء بالإقناع أو بالقوة، وحتى الآن إتخذت الدولة خطوتين غير كافيتين، الأولى، الرئيس جوزاف عون إجتمع بالمجلس الأعلى للدفاع، والثانية، إصدار رئيس الحكومة نواف سلام بياناً يحمل توقيعه منفرداً بمعزل عن كامل مجلس الوزراء.
في ضوء ذلك، قد يفسر حزب الله هذين الموقفين على أنّهما يعكسان تشتتاً في القرار الرسمي، وثغرة في إدارة المرحلة فيتسلل من خلالها لتنفيذ أجندة خاصة فيه كما دأب على ذلك .غير أنّ الواقع يستدعي حلولاً أكثر جذرية تبدأ بالدعوة إلى عقد جلسة استثنائية -فوق العادة- لمجلس الوزراء برئاسة رئيس الجمهورية وحضور جميع الوزراء، بمن فيهم وزراء حزب الله، للتأكيد على أنّ لبنان، الرسمي والشعبي والحزبي، يرفض المشاركة في هذه الحرب ولا يستطيع تحمل تبعاتها.فقد تراجعت قوة إيران في المنطقة، حيث ضعفت أو شُلت أذرعها المختلفة، من بينها حركة حماس فهي في وضع يرثى له إن لم تكن قد انتهت بالفعل، ونظام الأسد سقط وهرب بشار الى خارج الحدود، والحشد الشعبي في العراق خضع نتيجة التهديدات للدولة العراقية وخفّض من حدّة خطابه، أما الحوثي فقد تمّ تحجيمه وفي الواقع تدخلّه لا يقدم ولا يؤخر مجرد صواريخ تسقط قبل أن تصل الى الهدف منذ السابع من تشرين الأول ٢٠٢٣. يبقى في الميدان حزب الله الذراع الأقوى حيث تكبّد خسائر مدمرة على كل المستويات في الحرب الإسرائيلية الأخيرة عليه، وفي الجنوب اللبناني، دُمرت ٥٤ قرية بالكامل، وهي تمثل البيئة الحاضنة للحزب وتراجعت قدراته المالية بشكل شبه تام، وهو مدرك تماماً أنّ مضاعفات مشاركته في هذه الحرب تفوق قدراته.
بالعودة إلى الوراء سنة، وتحديداً إلى حزيران ٢٠٢٤، كان الإشتباك يقتصر على تبادل الصواريخ بين إسرائيل وحزب الله، مع تهديد الحزب بقصف حيفا إذا ما قصفت الضاحية. أما اليوم، وبعد مرور عام، فقد اتسع نطاق القصف ليشمل الضاحية وشمال الليطاني وجنوبه، بالإضافة إلى عمليات اغتيال يومية واسعة النطاق، دون أن يحرك الحزب ساكناً. هذا الصمت ليس ناتجاً عن ترفّع أو تقدير من الحزب لمصالح لبنان أو عن صبر استراتيجي، بل هو نتيجة للضربات القاصمة التي تلقاها.ومنذ سنة من الآن كان ممنوع على الجيش اللبناني الدخول الى ضاحية بيروت الجنوبية إلا عبر إذن من اللجنة الأمنية التابعة لحزب الله، في الأشهر الأخيرة يدخل الجيش والقوى الأمنية شاء الحزب أم أبى عند الإشتباه بأي تحرّك أو إنذار يتعلق بمستودعات السلاح ويعمل على التدقيق والتفتيش أمام المجتمع الدولي وإسرائيل خشية من أي تصعيد عسكري من الجانب الإسرائيلي.لذا، فإنّ حياد لبنان اليوم في هذه الحرب يعود إلى تراجع قدرات الحزب العسكرية واللوجستية والمالية، بعد استهداف مؤسساته وقياداته وترسانته وبيئته الحاضنة. وفي ضوء هذه المعطيات، يطرح السؤال: هل يستميت الحزب من أجل إيران بعد أن عجز عن حماية نفسه؟ نترك هذا الأمر لتظهره مجريات المعركة في الأيام المقبلة. ومن الواضح أنّ هذه الحرب لن تنتهي إلا على طاولة المفاوضات، وليس متوقعاً أن يتوقف الهجوم الإسرائيلي، أو يستسلم أحد الطرفين، أو ربما تستسلم إيران خاصة أنّها تعرضت لاعتداء مفاجيء بعملية عسكرية تذكر ب «الروم بوتش» أو ما يعرف ب « ليلة السكاكين الطويلة» التي نفذها هتلر في ألمانيا وأعدم خلالها مئات القادة العسكريين والسياسيين في غضون ثلاثة أيام ليتمكن من إحكام قبضته على السلطة في ألمانيا.لقد استعادت إسرائيل تكتيك «الروم بوتش» باستهداف قادة حزب الله في لبنان، وهي تتبع المنهجية نفسها في حربها الحالية من خلال القضاء على قادة إيرانيين في ليلة واحدة. إنّ النظام الإيراني، الذي كان يمتلك أوراق ضغط قوية للتفاوض مع الأمريكيين، بات اليوم مكشوفًا. فقد خسر ورقة أمن إسرائيل بعد استهداف حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين، كما فقد ورقة برنامجه النووي بعد استهداف منشآته وأبرز علماء النووي. بناءً على ذلك، من المتوقع أن تسعى إيران، بعد هذه الضربات الموجعة، إلى التفاوض بهدف الحفاظ على النظام فحسب، وهو ما يعني التخلي عن برنامجها النووي وعن أذرعها في المنطقة، أو ما تبقى منها، بما في ذلك حزب الله.
وإذا كانت المؤشرات تدل على أنّ إيران ستفاوض من أجل بقاء نظام الجمهورية الإسلامية في طهران، فإنّ ذلك يعني أنّ حزب الله سيواجه مصيراً قاتماً. لذلك، من الأفضل للحزب أن يسلم سلاحه طواعيةً للدولة اللبنانية، بدلًا من أن يُجبر على تسليمه قسراً، وبذلك يخرج من هذه المرحلة مهزوماً على الصعيد الداخلي ودون تحقيق أي مكاسب سياسية.
وعلى الرغم من أنّ فرصه في تحقيق مكاسب داخلية ضئيلة جداً، نظراً لأنّ المكاسب كانت في الماضي وأنّ المتغيرات السياسية مستمرة، ولن يقدّم اللبنانيون للحزب أي تنازلات أو جوائز ترضية مقابل تسليم السلاح، فإنّ الحزب سيسلم سلاحه لضمان بقائه، أو بمعنى آخر، سيتفاوض من أجل بقائه، تماماً كما ستفاوض إيران من أجل بقاء النظام في طهران.
وبالعودة الى الدولة اللبنانية، فالمفارقة أنّ الحزب خسر بنظر العالم كله، وبنظر نفسه إلا بنظر الدولة اللبنانية التي تستمر بتمييع المسألة والتسويف والتخاذل، مكتفية بشعارات من قبيل «الإحتضان» و«الإستيعاب» و«تضميد الجراح»، بدلاً من الإعتراف بأنّ هذا الفريق خسر من قوته ونفوذه وأنّه يجب تطبيق القانون عليه كما يطبق على جميع اللبنانيين، آخذين بالإعتبار أنّ غالبية الشعب اللبناني لا يريدون هذا السلاح ولا يريدون أن تُفرض إرادة الحزب عليهم، وحتى داخل الطائفة الشيعية التي تشكل الثلث من مجمل اللبنانيين هناك معارضة لوجود السلاح، كما أنّ ٩٥٪ من الشعب رافضون للحرب وخائفون من إندلاعها.
لذا فإنّ المسألة واضحة وبسيطة، يتعين على الدولة اللبنانية أن تضع جدولاً زمنياً لسحب سلاح الحزب على غرار الجدول الزمني الذي وضعته للفصائل الفلسطينية في لبنان.والحزب الذي بات مشلولاً تدريجياً بفعل الضربات الإسرائيلية، ثمّ سقوط النظام السوري، فإنّ الحرب على إيران ستنهي ما تبقى لديه من مصادر تمويل أو تسليح أو تجهيز خلايا أكان في أفريقيا أم أميركا الجنوبية.ومن الواضح أنّ إيران لا تملك حلفاء في هذه الحرب، فحتى روسيا، حليفها التقليدي، تنحت جانباً واقتصر تدخّلها على عرض للوساطة بين أطراف النزاع، وفقًا لما صرحت به المصادر الرسمية في الأيام الماضية.خلاصة القول إن لم يستوعب الحزب هذه المعطيات، فإنّه يعيش في حالة من الإنكار والإنفصال عن الواقع سيؤدي به الى إنتحار من صنع يديه.