زياد الرحباني: مؤرخ الوجع اللبناني... ومستشرف المستقبل الذي حذّر منه

زياد الرحباني: مؤرخ الوجع اللبناني... ومستشرف المستقبل الذي حذّر منه

  • ٢٦ تموز ٢٠٢٥
  • كاسندرا حمادة

لم يدخل عالم المشاهير ظلّ مواطناً مبدعاً، لبنان في غياب زياد يخسر من رونقه

زياد الرحباني، أول ما يقال عنه مؤرخ التاريخ الحي للبنان في حروبه وويلاته وتشتت أبنائه،
هو اليساري الشيوعي، الغاضب والمتمرد والمثقف النقي أينما كان زياد  تتقبله لأنّ العباقرة من طينته يرون ما لا يراه الآخرون فهم خارجون عن المألوف والمتداول والإستنساخ الآلي للأفكار والتنظير، لقد رافق وجدان اللبنانيين وأجاب عما يقلق حياتهم ببصيرة لم تتوفر إلا لمبدعين إستثنائيين.
إبن عاصي وفيروز ، اللذان أضاءا أيام اللبنانيين بصورة الوطن الجميل، وأسعدا شعوب هذا المشرق، هو شخصية من الكبار، إخترق مجد عاصي ومنصور وفيروز، ولم يتكأ على إرث والديه، فقد أسس ذاكرة لبنانية خاصة به بمحاذاة الذاكرة الرحبانية في الفكر والموسيقى. ذاكرة زياد غاضبة، شجاعة، عبقرية، كلماته كانت منبهاً للغفلة الإجتماعية والسياسية، فكان إضافة عبقرية لمجد الرحابنة، شغله الإنسان والعدالة وحرية الشعوب. إنّ سخريته السوداء تحاكي موليير وشارلي شابلن، تضحكنا وفي أعماقنا وجع، لقد حوّل أوجاعنا الى ضحكة وهي صفات العظماء، ما من لبناني إلا ويحفظ قولاً لزياد، إن لم نقُل  إجابة على ما يحيط به من قلق وهموم وغضب وجهل وصراعات متناسلة، يقول لك ما تواجهه يومياً وما يعيق حياتك ولا تلاحظه.
كثيراً ما حاول محاوروه في الإعلام تصويره كاتباً كوميدياً وصاحب نكتة، فيما زياد محلل سياسي بامتياز سبق أصحاب الكار بأشواط، لقد استشرف المستقبل، وامتلك الحدس العجيب، الى حدّ النبوءة، في قراءة الآتي فلم يغرق في اللحظة الحاضرة، بل رؤيوياً لما يحمله المستقبل، وناقداً سياسياً وإجتماعياً لقبح الطائفية «بالبرغل في طائفية»،واسطورة التعايش والشراكة، والعنف والفساد، وعبثية الحروب اللبنانية ومؤيديها وزعمائها. لقد قال في مؤتمر صحفي عند عرض مسرحيته «بخصوص الكرامة والشعب العنيد «واصلين لمرحلة ما بيعود شي بيضحك من كتر الغلط» هو العقل النظيف الذي ما ساوم يوماً على قناعته، قال في إحدى المرات «يستيقظ الناس يومًا ما، حتى لو استغرق الأمر بعض الوقت. أحيانًا، يستغرق الناس وقتًا طويلاً للاستيقاظ، لكنهم في النهاية سيستيقظون»
إنحاز لقضايا المضطهدين. خلال برنامجه الحواري السياسي «بعدنا طيبين.. قولوا الله»، الذي بثته الإذاعة الوطنية اللبنانية بين عامي ١٩٧٦- ١٩٧٧ بعد عام واحد من إندلاع الحرب الأهلية، وانتقد بشدة السياسيين اللبنانيين اليمينيين. وكمؤلف مسرحي، كتب «سهرية» عام ١٩٧٣ ولحّن موسيقاها، ثم ابتعد عن أسلوب المدرسة الرحابنة واستخدم الدراما كوسيلة  للأغاني ولمواقفه السياسية. مسرحياته تضمنت سخرية سوداء حادة  من الواقع اللبناني في ذلك الوقت. بدءًا من «نزل السرور» (١٩٧٤)، و«بالنسبة لبكرا شو؟»(١٩٧٨)، و«فيلم أميركي طويل» (١٩٨٠)، و«شي فاشل» (١٩٨٣)، و«بخصوص الكرامة والشعب العنيد» (١٩٩٣)، و«لولا فسحة الأمل» (١٩٩٤) 

لم يدخل عالم المشاهير وتلميع التفاهة والتصفيق، زياد كان مواطناً مبدعاً، في زمن الخسارات الكبيرة، لبنان في غياب زياد الرحباني يخسر شيئاً من رونقه، ويحزن اللبنانيون عليه وعلى حزن فيروز.