من «أشرف النّاس» إلى مواطن ككلّ النّاس
من «أشرف النّاس» إلى مواطن ككلّ النّاس
رحلة الشّيعيّ اللبناني من الدويلة للدولة، هكذا يعود ليكون جزءاً من المشروع اللبناني الواحد، لا مشروع دولة أخرى، ولا أداة لفكر غريب عن أرضه. يعود كمواطن كامل الحقوق، متساوٍ مع سائر المواطنين.
إنّ قرار نزع السلاح من حزب الله وحصره بيد الدولة وهنا نشدّد على كلمة «نزع»، ليس مجرد إجراء أمني أو بند في ورقة إصلاحية، بل هو فعل تاريخي، خطوة على طريق إعادة الطائفة الشيعية إلى حضن الدولة التي غابت عنها قسراً لعقود طويلة. هذه ليست مسألة سياسية عابرة، بل إعادة ترتيب للبيت الوطني من الداخل، واسترجاع لجزء أساسي من هوية لبنان التي حاولت مشاريع خارجية تشويهها.
ستستعيد الدولة الطائفة الشيعية من عزلتها. هذه الطائفة التي اختطفها حزب الله من حضن الدولة، وقوقعها في بيئة مغلقة، حتى صارت الأكثر فقراً والأكثر عرضة للجهل ولتجارة المخدرات والسلاح. هذه الطائفة التي كانت تنادي الدولة سرّاً، ستعود إليها علناً، وبدون وسطاء ولا خطوط حمراء.
إنّ ما سيحدث بعد نزع السلاح يشبه انكسار جدار عازل بين مواطنين ودولتهم. سيعود أبناء الجنوب ليتعاملوا مباشرة مع جيشهم الوطني، لا مع فصيل مسلّح يفرض شروطه عليهم. سيعرفون البدلة العسكرية الموحّدة، والعقيدة الوطنية الخالصة، بعيداً عن الطائفية والمشاريع العابرة للحدود. ستستعيد الدولة حدودها الكاملة الـ ١٠٤٥٢ كلم، بلا مناطق محرّمة على الجيش، وبلا خطوط تماس داخل الوطن الواحد.
ومع زوال سلاح حزب الله، سيسقط مشروع الهلال الشيعي في المشرق، بعدما ضُرب نصفه في سوريا، ويسقط نصفه الآخر في لبنان. وسيسقط معه خطر «الدولة الإسلامية في لبنان» الذي كان يُستخدم في الخطاب لتبرير بقاء السلاح، بينما كان وجوده في الواقع خدمة لأجندات خارجية لا لسيادة لبنان.
سيعيش الشيعي إنساناً لا «مشروع شهيد»، بل طبيباً، محامياً، مهندساً، مبرمجاً، فناناً، كاتباً، شاعراً، عاملاً، سياسياً، وزيراً ونائباً… يحلم كما يحلم الآخرون، ويكتب كما يكتبون، ويرسم بألوان الحياة نفسها، لا بألوان الدم والبارود.
سيعود الشيعي ليضع صور قادته الوطنيين على جدران بيته: نواف سلام، جوزاف عون، قائد الجيش، أو أي شخصية يختارها… بلا خوف ولا تردّد،لأنّه صار مواطناً لبنانياً أولاً، لا أشرف الناس ولا أقبح الناس، بل واحد من الناس. وهذه العودة الرمزية، المتمثلة في الصور والمواقف المعلنة، هي دليل على تحرره من الخوف، وعلى انتمائه الصريح للدولة لا للدويلة.
اليوم، يدخل الشيعي عالم لبنان الكبير بعدما أُجبر لعقود على التقوقع في بيئته. يدخل من أوسع الأبواب: أبواب السيادة والوطنية. يدخل إلى الجو الوطني الواحد، لا الجو الطائفي المجتزأ. يعود بلا أعلام صفراء أو خضراء أو حمراء أو أرجوانية، بلا شعارات دينية أو طائفية، بل بنشيد وطني واحد هو النشيد اللبناني، وببدلة واحدة هي بدلة الجيش اللبناني، وبمهمة واحدة: حفظ أمن لبنان وسلامته واستقلاله وسيادته.
هكذا يعود الشيعي ليكون جزءاً من المشروع اللبناني الواحد، لا مشروع دولة أخرى، ولا أداة لفكر غريب عن أرضه. يعود كمواطن كامل الحقوق، متساوٍ مع سائر المواطنين، في دولة لا تحكمها الميليشيات ولا تتحكم بها السفارات، بل دولة حرة سيدة مستقلة، تمتلك قرارها وحدها، وتحتضن جميع أبنائها بلا تمييز.