قرّر قاضي التحقّيق في بيروت أسعد بيرم أمس الثلاثاء تخلية سبيل رئيسة لجنة الإمتحانات وأمينة سرّ لجنة المعادلات في وزارة التربية والتعليم العالي أمل شعبان. الموظفة التي شغلت قضيتها الرأي العام اللبّناني وحرّكت أجهزة أمنية عدّة وضخت الدماء في تيار المستقبل بعد ركود طويل، وعلى مدى أسبوعين. إنتفضت قوى سياسية دفاعاً عن شعبان في طليعتها تيار المستقبل الذي تنتمي شعبان إلى صفوفه، فهي إلى جانب كونها إبنة أخ مستشار سعد الحريري في روسيا جورج شعبان، تمتّعت بعلاقة ممتازة ومباشرة مع الحريري، وكانت الحاضنة الدائمة لكل جماعة المستقبل في الوزارة طوال فترة تسلّمها رئاسة لجنة الإمتحانات ما دون التعليم العالي، وأمانة سرّ لجنة المعادلات.
وفي معلومات مؤكدة لـ بيروت تايم، مفادها أنّ المدّعي العام المالي علي إبراهيم سوف يوافق غداً الخميس على قرار إخلاء سبيل شعبان، بناءً على قرار قاضي التحقّيق أسعد بيرم الذي كان قد جمع شعبان بالموظف رودي باسيم وحقّق معهما مدققاً معه مجدداً حول إفادته في وقت سابق. إذ إنّ باسيم كان قدّم إفادتين متضادتين حول شعبان. في الأولى إتّهمها بتقاضي بين الـ100 والـ150 دولارا أميركياً مقابل كلّ معادلة تُنجزها للطلبة العراقيين، الذين وصل بهم الأمر الى تزوير حتّى شهادات البكالوريا. وفي جلسة التحقيق الثانية جمع فيها القاضي باسيم وأمل شعبان ، تراجع الأخير عن إفادته الأولى جملةً وتفصيلاً. نافياً نفياً قاطعاً ضلوع أمل شعبان في أي عملية تزوير أو تلقّي رشاوى مقابل إنجاز معادلات للطلبة العراقيين .
وتجدر الإشارة إلى أنّ رودي باسيم الذي غير أقواله بين ليلة وضحاها، كان يُعدّ «اليد اليُمنى» لأمل شعبان ومن الموظفين المقرّبين منها.
شعبان بين المظلومية والمحاسبة
مجدداً وهذه المرّة من خلال قضيّة أمل شعبان، يوضَع القضاء اللبناني تحت المجهر. هل شعبان تتعرّض للظلم لإرتباط إسمها بشبهات فساد أو بقضية العراقيين؟ أم أنّها من ضمن شبكة التزوير الّتي تعود إلى يوم ترأَس أحمد الجمال المديرية العامة للتعليم العالي، وسبّب فضيحة مدوّية نتيجة تقاضيه لرشاوى في قضية تزوير شهادات ماجستير جامعية لضباط في السلك العسكري. وقد أُوقف الجمال عام 2019 رهن التحقيق من قبل المدّعي العام الإستئنافي في الجنوب رهيف رمضان، ومن ثم أُطلِق سراحه بعد تدخلات سياسية وضغوطات شعبية هدرت وقتذاك دم الوزير أكرم شهيب الذي رفض إعادته إلى منصبه. وتفيد المعلومات أنّه حالياً يعمل في القطاع التربوي في العراق.
تزوير الشهادات لاسيّما في مرحلة الماجستير بدأ منذ تلك الفترة ، وطُرد الجمال من الوزارة ولم يُعالج الملف بشكل جذري بسبب التدخلات السياسية فعاد ليظهر عام 2020 في فترة كورونا مع الطلبة العراقيين، ومن جامعات جديدة، غير تلك التي أقفلها شهيب على خلفية قضية الجمال كجامعة ULF.
شعبان التي وصلت إلى القضاء بسبب إفادة رودي باسيم أمام فرع المعلومات وهي الجهة التي فتحت ملف الطلبة العراقيين وأجرت تحقيقاتها داخل الوزارة، أثارت حفيظة جهات سياسية وأمنية، فإلى جانب الرئيس الحريري الذي أجرى مروحة إتصالات كرمى لعيون شعبان، طلب المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، إقفال الملف بحسب ما كشفته مصادر مطلعة لبيروت تايم، وتمّ تدوين طلب اللواء عثمان بمحضر في فرع المعلومات بتاريخ 19 كانون الأول 2023. إلّا أّن المدّعي العام المالي لم يستجِب وقتها. وجرت التحقيقات حتّى وصلت إلى خواتيمها.
شعبان إلى الحرية الخميس، إنّما الملف لم ينتهِ
قبل توقيف شعبان، أظهرت تحقيقات فرع المعلومات ضلوع عدد من المدراء والموظفين المحتجزين حالياً بسبب تقاضي رشاوى من طلاب عراقيين وتزوير أختام الوزارة أيضاً، وقد كشف عمل بيروت تايم الإستقصائي، عن وجود مكتب خارج الوزارة في ضواحي العاصمة بيروت متخصّص بمعادلة وتصديق شهادات الطلبة العراقيين الذين يُقدر عددهم حوالي 20,000 طالب. هذا المكتب زُوِرَت فيه أختام وأُنجزت معادلات في ليلة وضحاها، و كانت شبكة التزوير في الوزارة تمنع الإنجاز الفوري والسريع للمعادلات، ويتمّ تأجيل الطلبة العراقيين والإيحاء بأنّ المعادلة تُنجز عن طريق دفع مبلغ معين، والمبالغ تبدأ من 1000$ وما فوق للمعادلة الواحدة ،إذ يمكن تقدير عدد طلاب المعادلات بحوالي 15,000 طالب(بفرضية أنّه ليس جميع طلبة الماجستير العراقيين كانوا ضحية السرقة).
وتقدّر المبالغ التي تقاسمها عدد من الموظفين بحوالى 15 مليون دولار قُسّمت على مجموعة من الموظفين. بدءًا من أمين سرّ لجنة المعادلات للتعليم العالي عبد المولى شهاب الدين، ومساعدته أمية العلي الموقوفان، وصولاً إلى موظفين متعاقدين لا صفة إدارية لهم في مديريات الوزارة.
وزير التربية يتحرّك:
لم تنتهِ التحقيقات في ملف تزوير شهادات الماجستير، الذي دفع الدولة العراقية إلى منع طلابها من التعلّم في لبنان إلّا في الجامعتين الأميركيتين. وأنظار الموظفين في الوزارة لاتزال تتجه إلى مَن هو الموظف التالي المتورّط؟ حيث تمّ التحقيق مع حوالي 30 موظفاً، ظنّ القاضي بيرم بـ24 منهم بجنحتين ضمن قانون العقوبات، بحسب معلومات بيروت تايم.
وزير التربية عباس الحلبي الذي رفع الغطاء عن الجميع، وترك الملف بداية لفرع المعلومات ومن ثم للقضاء، يتّخذ سلسلة من القرارات لكبح الفساد المستشري. من بين تلك القرارات وبحسب مصادره، منع أن يستلم الموظفين مسؤوليتين إداريتين. كشعبان، التي كانت رئيسة دائرة الإمتحانات وأمينة سرّ لجنة المعادلات ما دون التعليم الجامعي. وفي الإطار نفسه، إستبدل سحر جعفر أمينة سرّ لجنة المعادلات في التعليم العالي، الموقوفة أيضاً، بحسن حسين شرّي وهو إستاذ تعليم ثانوي.
وألغى قرار نقل أمية العلّي لمساعدة الموظفين الإداريين في الوزارة. وإستبدل عبد المولى شهاب الدين بموظفين: محمد عيتاني في أمانة سرّ قسم الكولوكيوم ولجنة الإعتراف بالدراسات ومعادلة شهادات التعليم العالي، ونايلة مارون المُكلّفة بمهام تنسيق أعمال لجان إمتحانات الكولوكيوم وبنك الأسئلة تحت إشراف مدير عام التعليم العالي عماد الأشقر.
من يكافح فساد الجامعات؟
على خط متّصل، وإلى جانب فساد الموظفين في التربية، يبقى أساس المشكلة في الجامعات الخاصة التي سجلت آلاف الطلبة العراقيين في برامج ماجستير دون أن تستوفي أدنى الشروط. فالجامعة الإسلامية على سبيل المثال قد سجلت حوالي 17,000 طالباً عراقياً في برامج ماجستير في العام الدراسي 2020 – 2021. وقد تذرّعت الجامعة بالتعليم عن بعد وبأنّ التنسيق بين الكادر التعليمي والطلبة المُسجلين يتمّ عبر الإنترنت. إلّا أّنّ المشكلة الأساسية بحسب وزارة التربية أنّه ليس ثمة قانون أو مرسوم يُنظم التعليم العالي خلال مرحلة الماجستير. هذا الملف، يعمل لمعالجته وزير التربية الحالي عباس الحلبي، كي لا تبقى الجامعات الخاصة تستثمر هذه الثغرة القانونية وتُسجل آلاف الطلبة وتعطي شهادات كاذبة باتت باباً للفساد من جهة، وطعنة لصورة التربية والتعليم العالي في لبنان من جهة أخرى.