"رفح" في زمن الخذلان.. موتٌ منتظر ومخططاتٌ تهجير

"رفح" في زمن الخذلان.. موتٌ منتظر ومخططاتٌ تهجير

  • ١٧ شباط ٢٠٢٤
  • عبدالله ملاعب

تشهد مدينة رفح الواقعة جنوبي قطاع غزّة أزمة إنسانية ترتقي إلى مستوى الكارثة. فالمدينة التي لجأ إليها سكّان شمالي القطاع منذ السابع من أكتوبر، باتت اليوم البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم.

في رفح البالغة مساحتها 151 كيلومتر مربع يقطن 27 ألف فلسطيني في كل كيلومتر واحد. مليون ونصف المليون يجهدون للبقاء أحياء والتعلّق ببقايا أمل عشيّة الإقتحام الإسرائيلي المتوقع الذي تستنكره الولايات المتحدة الأميركية في العلن، فيما توافق على إرسال مزيد من الذخائر الحربية المتقدّمة في السر، وآخرها حزمة جديدة بقيمة 10 ملايين دولار تتضمَّن ما يقرب من ألف قنبلة من طراز MK-82، وذخائر الهجوم المباشر المشترك KMU-572 التي تضيف توجيهًا دقيقًا للقنابل، وصمامات القنابل من طراز FMU-139، بحسب ما كشفته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية صباح اليوم.

فلسطينيو رفح عالقون بين جحيم الأرض والسماء

الكارثة الإنسانية التي يعانيها أهالي رفح تفوق التصوّر. لا مكان آخر لهم للهروب إليه من القصف الإسرائيلي والهجوم البرّي المرتقب، فالمدينة على تخوم الحدود المُقفلة مع مصر. وقد حذّرت منظمة أطباء بلا حدود من أنّ 1.5 مليون نسمة في المدينة الواقعة في أقصى الجنوب يواجهون المجاعة والمرض. هدف إسرائيل إنهاء قيادة حماس وتحرير الأسرى إنَما الواقع على الأرض هو تفريغ القطاع من الفلسطينيين مع وصول الدبابات الإسرائيلية إلى تخوم رفح.

المدينة اليوم تواجه بمفردها مشروع التهجير الإسرائيلي الذي يطال آخر رقعة في القطاع نزح إليها الملايين، والمشكلة أنَّ إسرائيل تقنع الغرب الذي يُصفّق لها أنَّ تنكيلها برفح مردّه تصفية قيادة حركة حماس. فيما يجري تبادل الأدوار داخل القيادة الإسرائيلية في هذا السياق إذ يتزامن حديث القيادة العسكرية الإسرائيلية عن إقتحام رفح مع تصاريح لمسؤولين آخرين يطالبون فيه بنقل الفلسطينيين من رفح إلى مصر أو ما بعد البحر.

تحوّلت غزة اليوم من سجن مفتوح إلى معسكر إعتقال مكتظّ، كما يصف المشهد أهالي المدينة. هم يعيشون في مخيَّمات لا في بيوت أو مبانٍ. يواجهون المسيَّرات الإسرائيلية التي تقصف الخيم، كما أنَّ المدنيين إتخذوا من الطرقات منازلًا لهم بعد أن أقنعتهم إسرائيل في مطلع الحرب أنَّ رفح آمنة. فهربوا وقتذاك من شمال القطاع ووسطه إلى آخر نقطة حدوديّة.

خطة التطهير العرقي التي يقودها نتنياهو على الأرض في رفح، كان قد مهدّ لها في الإعلام الغربي مؤخراً بإطلالات متكرَّرة على شاشات أميركية شبَّه فيها قرار عدم إقتحام رفح كقرار أميركي «مفترض» بعدم أقتحام آخر رقعة لتنظيم الدولة الإسلامية - داعش في العراق، وذلك  لتبرير جريمته. وبدوره يستمر الإعلام الإسرائيلي بتناول كل ما له علاقة بهجوم 7 أكتوبر، لا غيره، مع تعمية مقصودة لكل ما تقوم به القوات الإسرائيلية من جرائم فادحة في قطاع غزة. تغطيةٌ تحت قاعدة: «إمَّا نحن أو هم، لذا علينا إقتحام القطاع كلّه»

يتعاظم خوف الفلسطينيين على مصيرهم وبلدهم بعد أن هُجّروا تاريخياً من مناطق أراضي الـ48 إلى قطاع غزة، واليوم من كل القطاع إلى رفح، بعد تسرّيب بعض الخطط التي تُحاك حول تهجيرهم. آخر تلك الخطط ما سُرّب عن بدء مصر في بناء منطقة مغلقة محاطة بجدران خرسانية عالية على طول حدودها مع غزة، ويبدو أنَّها تهدف إلى إيواء الفلسطينيين الفارين. وقد أظهرت صور ومقاطع فيديو نشرتها مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، وهي مجموعة مراقبة، عمالًا يستخدمون آلات ثقيلة في تركيب حواجز خرسانية وأبراج أمنية حول شريط من الأرض على الجانب المصري من معبر رفح.

ولم تقدّم مقاطع الفيديو، المؤرخة في 15 فبراير/شباط، سوى إشارة قليلة إلى قيام السلطات بتركيب المياه أو البنية التحتية الأخرى. وتُظهر صور الأقمار الصناعية التي نشرتها شركة «بلانيت لابز» في اليوم نفسه مناطق خالية من الأراضي المتاخمة لحدود غزة.
إلّا أنً مصر نفت أن يكون الهدف ممَّا يُبنى استقبال الفلسطينيين، وقد تمّ ربط المشاهد التي سُرّبت بعمل الدولة المصرية في مكافحة الإرهاب والتنظيمات المتطرّفة الموجودة في سيناء.


محكمة العدل الدولية خذلت بدورها رفح

حتى محكمة العدل الدولية خذلت أهالي رفح، إذ رفضت المحكمة العليا في الأمم المتحدة أمس الجمعة طلب جنوب أفريقيا لممارسة المزيد من الضغوطات القانونية على إسرائيل لوقف الهجوم على رفح. وكان ردّ المحكمة أنَّها «ملتزمة بالإمتثال للإجراءات القائمة» بعد أن كانت جنوب أفريقيا قد طالبتها بإجراءات عاجلة لحماية رفح من مخطط الغزو الإسرائيلي.

في الختام، تعي الإدارة الأميركية والحكومات الغربية الداعمة لإسرائيل أنَّ ما تقوم به القوات الإسرائيلية بحقّ آخر صوت فلسطيني في قطاع غزة أخذ من رفح ملجأ له، لا يهدف للقضاء على حركة حماس بحجة السردية الإسرائيلية القائمة على «القضاء على الإرهاب» بل يكمن الهدف بتصفية الفلسطينيين، وإنهاء أي فرصة لقيام الدولتين. وما هو أكيد أنّنا نشهد إبادة جماعية على مرأى من العالم العربي والغربي معاً.