داني الرشيد «فاراً» من أمن الدولة... إليكم القصة كاملة!

داني الرشيد «فاراً» من أمن الدولة... إليكم القصة كاملة!

  • ٢٨ آذار ٢٠٢٤
  • فتاة عيّاد

في دولة القانون اللبنانية، يُحكم بإسم الشعب اللبناني، لكن في دولة الكارتيل، ينطق القضاء أحياناً بإسم الضغوط السياسية، على حساب القانون والشعب والعدالة. وقد يخرج المسجون من سجنه، ليس بحكم قانوني، بل بـ«تهريبة».

تهمة الحكم «بإسم الضغوط السياسية»، تواجهها الهيئة الإتهامية في البقاع اليوم، التي أصدرت قرارا إتهامياً نسفت فيه القرار الظني للقاضية أماني سلامة وتحقيقات شعبة المعلومات، التي تثبت بأنّ مستشار مدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا، ومدير مكتب الوزير السابق سليم جريصاتي، داني الرشيد، أنشأ «عصابة أشرار» لقتل المهندس عبدلله حنا، مبرئة إياه من تهمة الجناية وفقا للمواد 335 و336، أي مبرئة إياه من تهمة إنشاء العصابة ومحاولة القتل.
أما تهمة «التهريبة» فتواجهها أمن الدولة بشخص مديرها العام اللواء طوني صليبا: أولا مع امتناعه عن إرسال مستشاره داني الرشيد، من سجن أمن الدولة لسجون قوى الأمن الداخلي. وثانيا، وبما أن علاقات الرشيد الأمنية والسياسية خولته إنشاء «عصابة الأشرار» واقتناء هواتف أمنية لتنفيذ الجريمة (الأمر المثبت في القرار الظني لسلامة)، ومع فراره أمس من مبنى حماية الشخصيات في منطقة ساعة العبد التابع لأمن الدولة، يصبح هذا الجهاز الأمنيّ تحت مجهر الرأي العام اللبنانيّ، حول مسؤوليته عن «هرب» داني الرشيد من سجن أمن الدولة، ويصبح المحامي العام التمييزي القاضي جمال الحجار ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي اللذان يحقّقان في عملية فرار الرشيد، أمام مسؤولية محاسبة مهربي الرشيد، بدءًا ممن يقبع على رأس جهاز أمن الدولة!
تهديد... فتخطيط... فتنفيذ
داني الرشيد: العقل المدبّر للجريمة

بتاريخ 6/12/2023 أُدخل المهندس عبد لله حنا الى مستشفى تل شيحا، لتعرّضه للضرب بآلة حادة على رأسه ووجهه عند دوار كسارة زحلة.
ووفق القرار الظني للقاضية سلامة بتاريخ 22/2/2024، فإنه، وعند الساعة 6:45 وأثناء إنتقاله من منزله في حوش الأمراء الى بلدة عميق، إصطدمت بسيارته سيارة «كيا» بيضاء إعترضت طريقه من الأمام فترجل لتفقدها من الخلف، وترجّل شخصان من «الكيا» وبدأ مباشرة أحدهما بضربه بآلة حادة وعصا على رأسه وكل جسمه. ثم حضر شخص آخر من الخلف وأقدم على ضربه بواسطة مسدس حربي على وجهه وأسنانه فوقع أرضاً ثم اقترب منه الشخص الأول وضربه أيضا بواسطة عصا حديدية. 
وتمكن أحدهما من إنتزاع مسدسه نوع «غلوك » ثم صعدا الى السيارة، ولاحظ حنا سقوط مسدس خلابي منهما، فاتصل بعائلته وذهب الى المستشفى حيث مكث 4 أيام.
في ادعائه على مرتكبي الإعتداء، أفاد حنا بمعرفة المدّعى عليه الأول  منذ 10 سنوات وإسمه ملهم مطر. ولم يكن يعرف الثاني والثالث والسادس، أما المدّعى عليه داني الرشيد، المتهم الخامس في القرار الظني، فكان قد تعرّض له بتهديدات مراراً.
وتمّ سابقاً تحذير حنا مراراً من نية داني الرشيد بإيذائه، على خلفية إحتلال فادي وعبده سكاف جزءًا من تركة الياس سكاف، ما جعل المهندس حنا، وهو مدير أعمال الورثة، يرفع صفة الإدعاء الشخصي ضدّ المدّعى عليهم كافة. 
فالتهديدات وصلت للتخطيط للقتل حيث كان داني الرشيد هو العقل المدبر، عبر تشكيل «عصابة أشرار» لهذه الغاية، مؤلفة من ملهم مطر، ماهر مطر، سامي حاطوم، حسين زامل، محمد شهلا، منفذي عملية محاولة القتل.
ووفق القرار الظني «أقدموا بالإشتراك فيما بينهم بتأليف جمعية أشرار مسلحة بهدف إرتكاب الجنايات ، كما أقدموا بالإشتراك والتحريض فيما بينهم على محاولة قتل المهندس عبدلله حنا عمداً بضربه على رأسه بواسطة عقب مسدس وعصي، كما أقدموا على تزوير لوحات السيارة تسهيلاً لإرتكاب جريمتهم». 

«لا صدفة في العالم الجزائي»

وداني الرشيد هو ممن يعرفون كيف يستغلون نفوذهم وعلاقاتهم الأمنية والسياسية، وهذا تماماً ما فعله كمستشار للواء طوني صليبا، فهو يتجوّل بسيارة عسكرية وبمواكبة أمنية من أمن الدولة. لكنه على المقلب الآخر، استغل نفوذه الأمني في التخطيط والتنفيذ للجريمة. فكيف تمّ ذلك؟
بحسب التحقيقات، زوّد الرشيد المتهمين الآخرين بأرقام هواتف أمنية للتواصل فيما بينهم، وإتصالات لاسلكية، واستخدموا ألقاباً فيما بينهم للتمويه، شأنهم شأن عصابات الأشرار الأخرى، فامتلكوا جميع سماتها. 
ومن الأدلة المثبتة في القرار الظني نذكر: 
- إستعمال المدّعى عليه الأول ملهم مطر هاتف أمني لا يستطيع بالمبدأ تأمينه إلّا من هو  قريب من جهاز أمن الدولة.  
- إعتراف المدّعى عليه الثالث سامي حاطوم، بأنّ المدعى عليه الاول ملهم مطر أعلمه  بعدما التقى الرشيد مساء يوم الحادثة، ولدى صعوده معه بالسيارة  بأنه «قبضنا المصاري» لتنفيذ العملية.
- إفادة المدّعى عليه الثاني ماهر مطر بأنّ الرشيد هو مرجعية والده لدى حصول أي إشكال معه وإتصال زوجة الأخير بداني يوم توقيفه وإبنه مما يثبت استخدامه للأمور غير المشروعة.
أما الأهم من ذلك كله: فهو تأييد الوقائع بالتحقيقات الأولية والإدعاء الشخصي وداتا الإتصالات والتقارير الطبية وإفادات الشهود. في حين أنّه «من شأن مكامن الإصابات الخطرة وقوتها وعدد المعتدين واستعمالهم اثبات إرادة قتل المدّعي وليس إيذاؤه بكفين كما ادعوا».
أما تضافر عدة وقائع بحقّ المدّعى عليه الخامس داني الرشيد «فلا يمكنه إلا أنّ يدينه اذ لا صدف في العالم الجزائي»، بحسب القرار الظني.

الجناية بتهمة عصابة الأشرار ونية القتل

على أساس هذه الأدلة، تقرر وفقا للمطالعة في القرار الظني: اعتبار أفعال المدعى عليهم جناية كل من المواد 335 و336 و549/201 عقوبات والظن بهم بأحكام المواد 72 أسلحة و374 من قانون السير. وإتباع الجنحة بالجناية لعلة التلازم ووجوب محاكمة المدعى عليهم أمام محكمة الجنايات في البقاع وتضمينهم كل النفقات.
ووفقا للمادة 335 «إذا أقدم شخصان أو أكثر على تأليف جمعية أو إجراء إتفاق خطي أو شفهي بقصد إرتكاب الجنايات على الناس...»، فإنّه «يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة ولا تنقص هذه العقوبة عن عشر سنوات اذا كانت غاية المجرمين الاعتداء على حياة الغير او حياة الموظفين في المؤسسات والادارات العامة».
أما وفقاً للمادة 336 فتنص على أنّ «كل جماعة من ثلاثة أشخاص أو أكثر يسيرون في الطرق العامة والأرياف عصابات مسلحة بقصد سلب مادة والتعدّي على الأشخاص أو الأموال أو إرتكاب أي عمل آخر من أعمال اللصوصية يستحقون الأشغال الشاقة المؤبدة الموقتة مدة أقلها سبع سنوات ويقضى عليهم بالأشغال الشاقة المؤبدة إذا اقترفوا أحد الافعال السابق ذكرها، ويستوجب عقوبة الإعدام من أقدم منهم على تنفيذ جناية القتل أو حاول ذلك أو أنزل بالمجنى عليهم التعذيب والأعمال البربرية».

الهيئة الإتهامية: شبهات تلاحق أعضاءها

إلا أنّ قرار الهيئة الإتهامية جاء مخيباً بكل المعايير. ففي إحدى العبارات إعتبر صراحة بأنّ المدعى عليهم «أرادوا إيذاء المدعي لا قتله». 
جاء قرار الهيئة الاتهامية، عاراً على القضاء ونسفاً لجهود تحقيقات شعبة المعلومات والقاضية سلامة. والأهمّ، أنّه يزوّر الحقيقة وهي ظاهرة كعين الشمس، بتبرئة الرشيد من تهمة إنشاء عصابة أشرار ومن تهمة محاولة القتل وإقتصار القرار على إتهامه بسرقة مسدس حنا في مسرح الجريمة.
هذا القرار، الذي يتحمل مسؤوليته القضاة الثلاث، برئاسة القاضية كلنار سماحة والمستشاران وسيم التقي وأنطوان بو زيد، يطرح علامات إستفهام حول الضغط عليهم من قبل نافذين، وحول معيار أحكامهم القضائية: هل هو القانون والحق، أم الضغوط السياسية؟
ويذكّر القرار بقرارات مشبوهة أخرى لأعضاء الهيئة الاتهامية، لا سيّما للمستشار أنطوان أبو زيد، الذي أطلق سابقاً سراح أحد أكبر تجار المخدرات في لبنان مهدي المصري، ويبدو أنّ ذمته في مجال تبرئة المجرمين المثبت إجرامهم «واسعة».

لا صدف في لبنان: شبهات فرار الرشيد

وكما «لا صُدف في القانون الجزائيّ»، فإنّه لا صدف في علاقات داني الرشيد السياسية الأمنية المكشوفة، وفي طليعتهم اللواء صليبا والوزير جريصاتي. 
وما يعني اللبنانيون في هذه القضية، أمرين: الأول، هو قرار الهيئة الإتهامية الذي وضع هو نفسه في موضع التهمة.
والثاني، هو لجوء اللواء صليبا بدوره لحماية الرشيد حتى بعد سجنه، بإبقائه في سجن أمن الدولة رغم طلب المدّعي العام التمييزي جمال الحجار منه، إرسال جدول المتهمين إلى قوى الأمن الداخلي، حيث أرسل جميع الموقوفين وأبقي على الرشيد وشخص آخر، بحجة أنّ الأمر «سقط سهوا»!
والأخطر، هو تبعات «هروب الرشيد» من سجن أمن الدولة، وهذه المعطيات جميعها برسم النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار. والمطلوب منه التحرّك لإعادة مسار العدالة بوجه النفوذ السياسي الأمني الذي يمنع محاسبة المجرمين من داخل الجسم القضائيّ، ولكي لا يتحول الجهاز الأمني المنوط به القبض على المجرمين، إلى تهريب المجرمين، «على عينِك يا عدالة