«ضَبّوا الشناتي ومشوا».. لبنان ينتهي عام 2038

«ضَبّوا الشناتي ومشوا».. لبنان ينتهي عام 2038

  • ١١ نيسان ٢٠٢٤
  • عبدالله ملاعب

الدولة اللّبنانية من سياسة "اللا سياسة" تجاه النازحين، إلى سياسة الإقصاء الفاشلة.. نزوح إلى لبنان وهجرة إلى الخارج، ودولة وكالات.

سلوكيّات الجماعة، ترتبط بالأنظمة والقوانين وانتظام السلطة التي تُشكّل ممارساتها: قاعدة تُدرّس في علم السياسة. مفادها القول، إنّهَ وبقدر ما تكون الدولة حاضرة بقوانينها وآلياتها ومنتظمة بأُطر المراقبة والمحاسبة، بقدر ما يكون الشخص المنضوي تحتها، مواطناً كان أو مقيماً، مُنظماً ومحترماً في المعنى الإجتماعي والمدني. تأتي هذه القاعدة السياسية إلى الأذهان اليوم، بعد مقتل باسكال سليمان على يدّ عصابة من سوريين حملوا بطاقات لبنانية مُزوّرة. حادثة أليمة، حرَّكت موجة جديدة من الإعتراض على النزوح السوري الثقيل، ودفعت بالكثير من اللبنانيين، طلب الترحيل الفوري للنازحين، أما المسؤولين، فقد تخبّطوا بين بعضهم البعض وظهر صراع وزيري الداخلية بسام المولوي والمهجّرين عصام شرف الدين إلى العلن. ولكن من يتحمّل المسؤولية؟ 

«سياسة الاقصاء».. نجني ثمارها 
في مطلع الحرب السورية وبداية النزوح، قرّرت الحكومة اللبنانية إتباع سياسة «اللا سياسة» بالتعامل مع النزوح الذي كان لايزال بمراحله الأولى. خافت قوى سياسيّة عديدة من تكرار تجربة اللجوء الفلسطيني، فنتج عن حكومات الوحدة الوطنية «لا شيء» مما خلق واقعاً يعود بنا إلى القاعدة السياسية التي تقول أنّ «النظام يُحدد السلوكيات». 
عام 2014، إعتمدت الإدارة السياسية للبلاد فكرة، «التجمعات المؤقتة» مع التدفق الهائل للنازحين. إلا أنَّ تلك «التجمّعات» سرعان ما تحوّلت إلى مخيّمات دائمة خارجة عن سيطرة الحكومة، يزعم وزير المهجّرين في حكومة نجيب ميقاتي أنَّ فيها اليوم 20,000 مُسلحاً. 
 أتت إستراتيجية الحكومة، التي قرّرت تأسيس تجمّعات أو مخيّمات مؤقتة، بنتائج عكسية. ففي محاولتها تجنّب إدخال النازحين إلى الأحياء الفقيرة، قامت بإنشاء وحدات نزوح. 
والمشكلة، الأكبر أنَّ التجارب التاريخيّة تؤكّد أنَّه عندما تطول مدة اللجوء، فمعظم الجهود الرامية إلى إبقاء اللاجئين بعيدين عن المجتمع ومؤسساته وتفاصيله، تفشل. 

بين عامي 2019 و2020 إزدادت نسبة السكان في لبنان، الذي يعاني من بنى تحتية هشّة وطرقات سيئة ومزدحمة وشبكات مياه وكهرباء لا تلبي الطلب، إلى 30% بفعل النزوح. أثَّر ذلك بشدّة على الأنظمة العامة التي أصلا تعاني من القصور. أتت الدراسة التي حدّدت زيادة بنسبة 30% في عدد السكان، مفاجئة لدولة تبنّت مطلع الحرب السورية شعار الرئيس الشهيد رفيق الحريري يوم قال: «وقفنا العدّ»، ونسيت أنّه لا يجوز تطبيقه على النازحين السوريين في لبنان. لم تكن تريد الدولة اللبنانية معرفة أعداد النازحين الحقيقيّن، تجاهلت (الفيل القابع في الغرفة). لم تكترث بأرقام مفوضية الأمم المتحدة للاجئين حول أعداد السوريين، ولو استطاعت لعرقلت عملها التام في لبنان و لما قصَّرت.

كانت السياسة والمواقف من النظام السوري هي التي تهمّ أغلب القوى اللبنانية، لا تنظيم للنزوح. «حزب الله» دخل عام 2013،  بكل ما لديه من عديد وعتاد إلى الداخل السوري. جعل من سوريا ساحة إختبارات لقواته وعداده. يقول أحد عناصره البقاعيين الذين إلتقيتهم بعد السابع من أكتوبر، «تدربنا في سوريا». 
دخل «حزب الله» إلى القُصير والقلمون وريف حمص والزبداني. وامتدّت المناطق التي يسيطر عليها إلى ريف حلب والبادية السورية. وقد دفع ذلك مدنيين عُزّل للنزوح القسري نحو الشمال السوري أو اجتياز الحدود إلى بلدة عرسال اللبنانية. بالتالي، لم يفشل لبنان بإدارة الملف فحسب، بل فاقم تدفق النازحين إليه بسبب «حزب الله». 

عام 2038 على الأرز السلام 

 في العام 2004، كانت نسبة اللبنانيين من مجمل التعداد السكاني في لبنان 80%. تقلّصت هذه النسبة تدريجياً لتصل إلى 67% في العام 2018. هذا الإنحدار يستمر. والتعداد الحالي لسكان لبنان يبلغ 5.5 ملايين مقيم، 3.5 منهم لبنانيين وأغلبية القسم المُتبقّي من السوريين. 

ويكشف الأكاديمي والوزير السابق شربل نحاس في دراسة له، نُشرت مؤخرا،ً أنَّ نسبة اللبنانيين من مجمل المُقيمين، ستنخفض إلى ما بين( 72 و52%) في العام 2038، إذا استمرّت هجرة اللبنانيين المصحوبة بموجات نزوح بين الحين والآخر، والتي كان آخرها واحدة في أيلول 2023. 

يعتبر نحاس، أنَّ حماية لبنان من هذا السيناريو الخطير، لايزال ممكناً. ويكون ذلك عبر معالجة الإستجابة اللّبنانية لأزمة النزوح السوري، لأنَّ شكلها الحالي يُفاقم الأزمة. فالأزمة الديموغرافية اليوم كناية عن معادلة قائمة على: هجرة مفرطة للبنانيين، لاسيّما الشباب منهم، مقابل تدفق مستمر للسوريين.  

وفي معرض التواطؤ على اللبنانيين من قبل حكوماتنا. تعود قاعدة «وقّفنا العدّ». يذكر نحاس في حديث صحافي له تعليقاً على دراسته، أنَّ الحكومات اللبنانية، إتخذت في  مناسبات عديدة قرارات بقطع التمويل عن إدارة الإحصاء المركزي، لوقف نشر مؤشرات معينة. دولة تُخيفها الأرقام، وتخشى الديموغرافيا. 

مواطنون يأخذون مكان الدول: 

دراسة نحاس خطيرة، وهي تُجسّد الواقع لمجتمع لبناني يرتفع فيه متوسط العمر سنوياً ليقترب من التحوّل إلى مجتمع هرم كمجتمعات أوروبا. وتكثر فيه الهجرة، لا سيّما الشابة، ويزداد إليه النزوح. إلا أنَّ الأزمة التي أتت نتيجة غياب الأطر الرسميّة وخطط الدولة القادرة على حماية لبنان وإبقاء اللبنانيين في أرضهم، لن تحلها مبادرات فردية لجماعات، هنا أو هناك. لن تنجح جماعات برج حمود والأشرفية وغيرها من القرى بتنظيم الوجود السوري وإنهاء تصدّره المشهد في تلك القرى. الأمر يتطلّب عملا رسمياً، يبدأ من ملاحقة العصابات اللّبنانيّة التي تُزور بطاقات هويات لبنانية وتقدّمها لسوريّين مقابل مبالغ من المال. الحلّ يبدأ من الحكومة، التي عليها الإنتقال من ردّ الفعل إلى الفعل. فمن غير المقبول مثلا أن ينتظر بسام المولوي حادثة كقتل باسكال سليمان ليتذكّر أنَّ عليه عقد اجتماع «لمجلس الأمن الداخلي المركزي» ينتج عنه خطّة موحدة بين كل السلطات اللبنانية السياسية والأمنية والقضائية أيضاً.

على الدولة أن تستيقظ. وعلى المواطن أن يعرف مدى قدرته على تبديل المشهد. وعليه أيضاً أن يُذكّر أحزاباً وتيارات تفيض اليوم باتهام النازحين، بالأمس القريب. تلك الأحزاب التي بنى رؤساؤها زعماتهم ونفوذهم عبر برامج الأمم المتحدة والجهات المانحة في الوزارات والمرافق العامة. تذكّر أولئك الذين أخذوا أموال الـUNHCR والـUNICEF. وأكلوا فلس النازح وأبرموا عقودا لمستشاريهم، واليوم يتسابقون لإخراج النازح. كذلك، تذكّر أولئك الذين يُهجّرون الشباب اللبناني والذين لا يرون أي أهمية للبنان المدرسة والجامعة والفكر والمستشفى، إنّما فقط  لبنان وحدة الساحات والعداء لدول عربيّة تعمل على تحويل رمال الصحراء الى جنائن فيما لبنان يتصحر. 

لن تُحلّ المشكلة الديموغرافية طالما أنَّ الدولة مهترئة. يصح فيها لقب دولة الوكالات. ليس فيها وزيراً أصيلاً، ومعظم مدرائها العامّين بالإنابة. دولة، على مشارف التجديد لمجالس بلدياتها للمرّة الثالثة، في حين أنَّ أكثر من نصف المجالس مُعطّلة. دولة ليس فيها رأس، ولم يعُد انتخاب هذا الرأس أولويّة أصلاً!