الغطرسة الإسرائيليّة.. وانتصار الحزب الوهمي

الغطرسة الإسرائيليّة.. وانتصار الحزب الوهمي

  • ٢٣ شباط ٢٠٢٤
  • عبدالله ملاعب

سقطت صفة «المساندة» عن جبهة الجنوب اللّبناني، أقلّها في القاموس الإسرائيلبي. حزب الله لا يردّ على العمليات الإسرائيليّة بالمستوى ذاته. أكبر عملياته نُفذت بصمت.. تكلفة الحرب التي يخوضها باهظة، وجملة من الأهداف التي نناقشها هنا، تجعله يتريّث. فيما الثابتة الوحيدة تبقى أنَّ معركة اليوم مختلفة بحيثياتها والظروف، لذلك يُقدّم الحزب فيها كثيراً من الشهداء.

سبع إطلالات لأمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله منذ دخول لبنان على خط الحرب على غزة، في الثامن من أكتوبر 2023، حتى لحظة كتابة هذه المقالة. وما بين الخطابين الأول والأخير، تغيُّرات كبيرة في جبهة أرادها السيّد نصرالله، مطلع المواجهة أن تكون مساندة لغزة، فربط إستمراريتها بثلاثة أهداف هي: وقف إطلاق النار، إنهاء العدوان على القطاع، وإنتصار حركة «حماس»، حسبما قال في خطابه الأول، في 3 تشرين الثاني 2023.

ولكن، سرعان ما سقطت صفة «المساندة» عن الجبهة، أقلّها من القاموس الإسرائيلي. حيث لم تعد غرفة الطوارئ الإسرائيلية تربط الجبهة الشمالية بجبهة الداخل. ذلك ما تؤكده جملة من تصريحات، صدرت عن «بنيامين نتنياهو» و«يوآف غالانت» ورئيس الأركان «هرتسي هليفي»، في أكثر من مناسبة. أكَّدوا فيها إستمرار العمليات على الجنوب اللبناني، حتى لو تمّ التوصّل إلى إتفاق تبادل للأسرى بين «حماس» وإسرائيل، ينتج عنه وقف لإطلاق النار في غزة، لا في الجبهة الشمالية. 

تُفسَّر الضربات الأخيرة التي خرقت «قواعد الإشتباك» في الجنوب، على أنَّها ضمن إستراتيجية إسرائيلية جديدة تنطلق من قاعدة، يتناولها الراديكاليون الإسرائيليون كالوزيرين «بتسلئيل سموترتش» و«إيتمار بن غفير». مفاد القاعدة، أنَّ على إسرائيل تحقيق أقصى طموحاتها في هذه الحرب، في كل من غزة والضفة الغربية وفي الشمال على الحدود مع لبنان.

وإلى جانب ذلك، «لوبي» إسرائيلي من أعضاء في الكنيست، ومراكز أبحاث عسكرية، وأحزاب راديكالية وجنرالات متقاعدين يحثَّون المجلس الحربي على فتح الجبهة مع لبنان على مصراعيها، وإستهداف صور وصيدا والبقاع وبيروت، كما هدّد قائد سلاح الجو الإسرائيلي «تومر بار» قبل إستهداف الغازية جنوبي صيدا يوم الإثنين الماضي.

ومن بين الداعين لإقتحام الجنوب اللبناني، موقع «ألما الإسرائيلي» للأبحاث العسكرية، الذي ينشر صوراً إستطلاعية لمواقع مختلفة على الأراضي اللبنانية. يقول إنَّها قواعد عسكرية لـ«حزب الله». وينشر تقارير صحافية يقول فيها أنَّ الشمال الإسرائيلي لن يستعيد الأمن والإستقرار، دون ضرب ترسانة «حزب الله» العسكرية. وفي إحدى منشوراته، ينقل الموقع عن إسرائيلية قاطنة في إحدى مستوطنات الشمال قولها أنَّ مشاهد 7 أكتوبر، كان بالنسبة لها ولعائلتها، «مشهد ترويجيّ لما قد يحصل لهم عند تنفيذ «حزب الله» عملية شبيهة بطوفان الأقصى تكون موجهة ضدَّهم».   


كلام نصرالله تبدّل.. ما قبل الطوفان ليس كما بعده

تكلفة الحرب التي يخوضها «حزب الله» اليوم باتت باهظة الثمن. إستشهد فيها أكثر من 220 شهيداً وطالت أكثر من 40 مدنيّاً و8 أطفال. أوقعت كذلك مجزرتين، واحدة في بلدة النبطية وثانية ببلدة الصوانة. مُذكرة بمشاهد قانا التي لم تخرج من ذاكرة اللبنانيين عامة والجنوبيين خاصة. وإن كان السيد نصرالله قد قال بعد 3 شهورعلى الحرب، أنَّ الحزب «أكثر جرأة وإستعداداً على الإقدام» إلّا أنَّ جملة من الأسباب تجعل من السيد نصرالله يتريث ويختار عدم الإقدام، عكس ما يقول، رغم المحاولات المتكرّرة للإسرائيليين لإستدراجه إلى حرب مفتوحة.

ما هي الأهداف التي تدفع نصرالله لعدم الإقدام؟

جملة من الأهداف تدفع «حزب الله» للتخفيف من الجرأة. فإلى جانب الخرق الإستخباراتي الفادح، الذي يشهده الحزب، والعائد للأنظمة الإستخباراتية المتقدّمة التي يمتلكها العدو، وفي طليعتها نظام «بيغاسوس» الشهير للتجسّس، فإنَّ الجبهة اللبنانية لم تُخفّف من هول الكارثة في قطاع غزّة الذي يشهد اليوم مخطط تهجير للفلسطينيين من رفح، المدينة الصغيرة التي باتت آخر ملجأ في قطاع غزة لمليون ونصف نازح، أتوا من شمالي ووسط القطاع. الإنتصار الوحيد الذي حققته «حماس» إلى اليوم، يكمن بفشل إسرائيل في تصفية العقول المُدبّرة لعملية السابع من أكتوبر، أي يحيى السنوار وشقيقه محمد السنوار ومحمد الضيف وروحي مشتهى، الذي ظنّت إسرائيل أنّها قتلته فيما عاد ليظهر بعد حين.

وفي إطار متَّصل، نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن وثائق، قالت إنَّ الجيش الإسرائيلي عثر عليها في قطاع غزَّة، وعلى ذمَّة الصحيفة، ما يكشف أنَّ رئيس «حماس» في القطاع، يحيى السنوار، كان متأكداً أن حزب الله سيفتح جبهة قتال جديدة ضدَّ إسرائيل عقِبَ هجوم السابع من أكتوبر. وأضافت الصحيفة أنَّ السنوار أخبر معاونيه بشكل مكتوب أنَّ حزب الله وبالتوازي مع هجوم حماس سيُنفذ محاولة تسلّل إلى إسرائيل ويُهاجم مدناً إسرائيليّة في الجليل. فيما أضاف موقع «إسرائيل ناشونالز» أنَّ السنوار في تلك الوثائق، أكَّد تلقيه إلتزاماً أنَّ المحور سيُشارك بما وصفه مشروع «الحريَّة العظمى»، إلا أنَّ حزب الله لم يقم بالهجوم المُتَّفق عليه مع السنوار وفق تعبير الصحيفة. 

حزب الله قرّر ألا يذهب بعيداً

إن كان السيّد نصرالله، قد حافظ في خطاباته على مستوى عالٍ من الجرأة والشجاعة والإقدام التي تتطلّبها المرحلة، إلّا أنَّه في المعركة قرّر ألّا يذهب بعيداً. 
العام 2019 يوم خرقت مسيّرتان إسرائيليتان الضاحية الجنوبية لبيروت، بالتزامن مع إستهداف منزل يسكنه عناصر من «حزب الله» في سوريا، خرج الأمين العام لـ«حزب الله»، في اليوم التالي، متوعداً بإسقاط أيَّة مسيّرة تدخل بيروت أو الضاحية الجنوبية. 

وفي آب من العام 2023، يوم هدَّد «نتنياهو» بتصفية صالح العاروري، بسبب ضلوعه بعمليات قتل مستوطنين في الضفة الغربية، كما زعم «نتنياهو»، ردّ السيد نصرالله متحدّياً العدو. وقال: «إنّ أي إستهداف لشخصية قيادية من محور المقاومة، سواء أكانت لبنانية أو فلسطينية، سوف يقابلها ردّ بالمثل».

هذا كلّه لم يحصل بعد 7 أكتوبر. فلم يردّ «حزب الله» بالمستوى ذاته على عمليات إسرائيلية خطيرة خرق فيها العدو بيروت وقتل العاروري ودخل إلى العمق وقتل مدنيين. ولربما تكون العمليّة الأكبر لـ«حزب الله»، هي إستهدافه قاعدة عسكرية في صفد بعمق 15 كيلومتراً داخل الأراضي المحتلة، أدت إلى مقتل جندية إسرائيلية وإصابة سبعة جنود. وتتساوى مع هذه العملية، عملية إطلاق مسيّرة نحو طبريا صباح الإثنين 19 شباط 2024، إستطاعت التسلّل لخمسين كيلومتراً كلم في العمق الإسرائيلي قبل أن يتمّ إعتراضها.

إنَّما المشترك بين العمليّتين المنفذتين بعد إعلان السيد نصرالله معادلة «الدم بالدم»، في آخر خطاب له، أنَّه لم يتبنَ أياً منهما على عكس كلّ العمليات الأخرى التي فاق عددها الألف وكان إعلام «حزب الله» يعلن عنها فور تنفيذها. 

يُردّد السيد نصرالله في خطاباته، أنَّ إسرائيل لا تعلن عن حجم الخسائر التي تطالها جرَّاء العمليات العسكرية لـ«حزب الله»، بإشارة منه إلى أنَّه يُطبّق مقولة «من يهددنا بالتوسّع في الحرب نهدّده بالتوسّع كذلك»، وفق ما جاء في خطابه ما قبل الأخير. إلّا أنَّ الميدان لا يُظهر ذلك. فالردّ على مجزرتي النبطية والصوانة على سبيل المثال كان بإطلاق عشرات صواريخ الكاتيوشا نحو مستوطنة كريات شمونة. وعلى الرغم من أهمية هذا الردّ، إلّا أنَّه استهدف واحدة من المستوطنات الـ43 التي أخلاها العدو الإسرائيلي من المدنيين بشكل تام منذ بدء الحرب.

 

تغيّرٌ ببنك أهداف العدو، والسيّد لم يتبعه

إنتقل العدو الإسرائيلي إلى مرحلة جديدة من حربه على لبنان. فبعد نهج من الإستهدافات المُحكّمة التي طالت قياديين بارزين لـ«حزب الله»، كان أخرهما علي الدبس، القيادي البارز في قوات الرضوان، ووسام الطويل العضو في مجلس شورى «حزب الله»، والذي كانت تربطه صلة مصاهرة مع السيد نصرالله بحسب «وول ستريت جورنال»، كشفت غارات الغازية أنَّ إسرائيل تسعى لضرب البنى التحتية لـ«حزب الله». فيما الأخير لم يردّ بالمثل حتى الساعة على إستهداف ثلّة من قيادييه. 

ختاماً، عدم الإستدراج إلى الحرب، عنوان يرفعه السيد نصرالله، وإنّ كان في خطاباته يرفع السقف أكثر مما تنجز قواته في الميدان. هذا الواقع دفع اليوم ناشطين وسياسيين في تل أبيب تحذير الجيش الإسرائيلي حول ما يصفونه إستراتيجية لـ«حزب الله»، قوامها إستفزاز إسرائيل لدفعها نحو فتح الجبهة وبالتالي إظهار «حزب الله» بصورة المُعتدى عليه، وإعطائه شرعية دولية، إنَّما الثابت الوحيد في هذه المواجهة الخطيرة ما قاله السيّد نصرالله في أول خطاب له بعد الطوفان: «المعركة مختلفة في ظروفها وإستهدافاتها وحيثياتها ومن نوع آخر، لذلك نُقدّم فيها كوكبة الكثيرة من الشهداء».