الأرمن في لبنان.. قومية إجتماعية متمايزة

الأرمن في لبنان.. قومية إجتماعية متمايزة

  • ٢٤ نيسان ٢٠٢٤
  • كاسندرا حمادة

بين الحياد الإيجابي والقومية.. إندماج الأرمن في وحدة سياسية مختلفة

تمكّن الأرمن خلال وقت قصير من بناء بيئة أرمنية مزدهرة بهيكلياتها العديدة والمتنوّعة كالكنائس والأديرة والمدارس والنوادي الصحافية والثقافية والفنية والرياضية والمؤسسات الخيرية، وحفاظ الأجيال الجديدة على اللغة الأرمنية. ورغم التهجير بقيت ملامح الحضارة الأرمنية حاضرة وفاعلة. 

نقل الأرمن ثقافتهم إلى البلدان المقيمين فيها حالياً، بالإشارة إلى أنّ الشتات الأرمني كبير نسبياً (8 ملايين حسب بعض الدراسات، وهو ما يتجاوز كثيراً تعداد سكان أرمينيا نفسها البالغ 3 ملايين) حيث تتواجد المجتمعات الأرمنية في جميع أنحاء العالم، بعد تشتّتها إثر الإبادة التركية للأرمن.

 

من الإبادة إلى القومية
بالعودة إلى التاريخ، تعرّض الأرمن خلال الحقبة العثمانية، إلى الإبادة الجماعية، وذلك عام 1915. فكان هناك ما يقرب من 1.5 مليون أرمني يعيشون في الإمبراطورية، تمّت إبادة ما لا يقل عن 664.000 وربما قد يصل إلى 1.2 مليون خلال الإبادة الجماعية. 
يوم 24 أبريل، من كلّ عام يحيي الأرمن هذه الذكرى، وتعلو أصوات الدول المنادية بضرورة إعتراف تركيا بارتكاب الإبادة الجماعية بحقهم.
ووصل الأرمن إلى لبنان بعد هول الإبادة الجماعية، فتثاقف المجتمعان وتفاعلا ليشكلا وحدة ضمن التنوّع ، كما أنّ طبيعة الدستور التعدّدي في لبنان، ساهم في بناء جسور ثقافية وإجتماعية بين الأرمن الوافدين الى لبنان والمجتمع اللبناني ، و الحفاظ على خصوصيتهم الحضارية. 
تشرح المديرة التنفيذية للهيئة الوطنية الأرمنية في الشرق الأوسط فيرا يعقوبيان، أنّ  القومية التي يقوم عليها الأرمن ليست بالمعنى السلبي. 

فالقومية بالمفهوم العام، هي نظام سياسي واجتماعي واقتصادي يتميّز بتعزيز مصالح أمّة معينة، وخاصة بهدف الكسب والحفاظ على الحكم الذاتي، أو السيادة الكاملة، على وطن الجماعة.

 

ثقافة الأرمن أغنت لبنان
أمّا القومية الأرمنية، تندرج في سياق ثقافي مختلف عن السياسة. فعلى عكس كلّ الجماعات التي وصلت إلى لبنان، ساهم الأرمن في تعزيز لبنان ثقافياً، مالياً، وإجتماعياً.. 
وهناك لائحة من الأسماء يطول ذكرها، شكّلت علامة فارقة في الفن اللبناني، وأثّرت  في وجدان الهوية اللبنانية كما الهوية الأرمنية، منهم: غازاروس أنطونيان أحد أهم الشخصيات في مسرح الرحابنة خاصة مسرحية "لولو"، بيار شماسيان أحد أشهر نجوم "الكوميدي نايت" في لبنان، غاري غاربيديان مخرج لأحد أهم المسلسلات الكوميدية اللبنانية "أبو سليم وفرقته" خلال الستينيات من القرن الماضي…. 
كذلك الطعام الأرمني، حيث بات من الأطباق المحلية اللبنانية و بات من ضمن قائمة المطاعم والمآدب المنزلية. 
فمن من اللبنانيين لم يتذوّق  سندويتشات "السجق" و"البسطرمة" مع البيض، أو اللحم بعجين أرمني وعنتبلي مع اللبن.
ونذكر عدّة مدارس وكنائس خاصّة تابعة للأرمن في لبنان، مثل مقرّ كاثوليكوسية بيت كيليكيا، المدرسة الأرمنية الإنجيلية المركزية العالية… وكان للوجود الأرمني دور فاعل في المجالات الخيرية والثقافية والرياضية في لبنان مشكّلاً الجزء الأهم من النسيج اللبناني المتعدّد. في هذا الإطار، تنشط الجمعيات الخيرية والثقافية والرياضية الجمعية الخيرية الأرمنية العامة، جمعية إعانة الأرمن في لبنان، الهومنتمن، الهومنمن.. وأحياناً تتنافس هذه الجمعيات فيما بينها، ما يشكّل نقطة إيجابية بالنسبة الى تحقيق المشاريع في المجالات المختصة.
وتقول يعقوبيان، إنّ التراث الأرمني جزء من الحياة اليومية الأرمنية. 
ويعدّ الرقص الأرمني أحد أقدم أنواع التراث في الشرق الأوسط، وأكثرها تنوّعاً، وأحد الوسائل التعبيرية لطباع الأرمن وتفكيرهم الفني.

العودة محالة إلّا إذا.. 
لا ترتبط القومية الأرمنية بالعودة إلى الوطن الأم، إذ تشرح يعقوبيان، أنّ دولة أرمينيا الحالية لا تمثّل موطنهم الأصلي، مشيرة إلى أنّ بلاد الأرمن غير محتلّة، بالتالي لا تتوازى مسألة الأرمن مع مسألة فلسطين. 
تحلّ اليوم الدولة التركية مكان شرق الأناضول، وهو الموطن الأصلي للأرمن.

في هذا السياق، تؤكّد يعقوبيان، ألّا عودة للأرمن إن لم تعُد تركيا إلى أصلها الحقيقي، وهو شرق الأناضول، وهذا الأمر مستبعد في سياسة الشرق الأوسط حالياً. 

 

 الأرمن والتأثير السياسي الإقتصادي
من جهة أخرى، إنّ الأرمن إعتمدوا الحياد الإيجابي خلال الحرب الأهلية اللبنانية. فالجماعة الأرمنية، جزء من المجتمع اللبناني. و بالعودة إلى ما قبل عام  1975، توزّع الأرمن في جميع المناطق ة، وبعد الحرب الأهلية، انحصر إنتشارهم في المناطق الشرقية(برج حمود، المتن،… ).كما هاجرت العديد من العائلات الأرمنية خلال الحرب الأهلية، ممّا ساعد على نهضة الإقتصاد اللبناني عبر التحويلات المالية، وبيع البضائع الأجنبية في الأراضي اللبنانية.

بين وجع التاريخ وهاجس الهوية، لم ينسَ الأرمن ولو ليوم واحد جذورهم، لا بل استمرّوا طوال هذه السنوات في المطالبة بالعدالة، والإعتراف بالأخطاء التاريخية، التي إرتكبت بحقهم وعلى رأسها الإبادة الجماعية في فترة حكم السلطنة العثمانية. 
واللافت، قدرة هذه الجماعة على الإندماج في وحدة سياسية ليست لها أي علاقة بها،  فإنّ ذلك لم يجعل منهم فئة مستبعدة في الوطن الذي يقيمون فيه، بل قيمة مضافة الى المجتمع اللبناني، الذي واجه تداعيات مأساوية نتيجة الجماعات الأخرى التي وطأت أرضه للحماية واللجوء فباتت عبئاً على كل المستويات.