هجرة الطيور وساسة لبنان إلى بروكسل

هجرة الطيور وساسة لبنان إلى بروكسل

  • ٢٧ أيار ٢٠٢٤
  • جو حمّورة

نتمنى للوفود اللبنانية إقامة سعيدة في أوروبا، والإستفادة من مشاهدة أسراب الطيور المارة فوق بروكسل. ويبقى من حقنا أن نتساءل عن الجدوى الحقيقية لمثل هذه المؤتمرات وما إذا كانت ستؤدي إلى تحسين الأوضاع في لبنان، أم أنّها مجرد رحلات خارجية ليعزّز ساسة لبنان علاقاتهم العامة ومزاجهم لا أكثر؟!

في وقت تشهد مدينة بروكسل ذروة هجرة الطيور العابرة فوقها، يلتقي اليوم، في عاصمة الإتحاد الأوروبي، حوالي 800 مشارك من الدول المحيطة بسوريا، في مؤتمر هو الأهم هذا العام ويحمل عنوان «دعم مستقبل سوريا والمنطقة». 

يشارك لبنان على المستوى الرسمي، السياسي، والشعبي في المؤتمر، دون أن يعني أنّ وجوده سيكون له تأثير مهم على مجريات المؤتمر. حتى الأحزاب اللبنانية كان لها دور في الإنتقال إلى عاصمة الإتحاد الأوروبي، حيث تشارك وفود من «التيار الوطني الحر»، و«القوات اللبنانية»، وغيرهما من وفود حزبية في مؤتمر بروكسل. أما شعبياً، فقد دعا حزب «القوات اللبنانية»، على لسان رئيسه سمير جعجع، في 9 أيار الجاري، اللبنانيين في أوروبا للمشاركة في تحرّك شعبي في بروكسل «للمطالبة بمنح المساعدات للسوريين داخل بلدهم وليس في لبنان».

وبجردة حسابية سريعة، يتضح أنّ أغلب ساسة لبنان قد إنتقلوا إلى أوروبا في الأيام القليلة الماضية. فحتى وزير السياحة وليد نصار، ووزير الداخلية والبلديات بسام المولوي، ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ونائبه ناجي حايك، كانوا بالأمس في مدينة فلورانس الإيطالية، يشاركون في قداس ترأسه البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، بمناسبة ترميم كنيسة مار شربل في المدينة.

هذه الظاهرة تطرح تساؤلات حول أولويات الساسة اللبنانيين وقدرتهم على إدارة شؤون البلاد وهم متواجدون في الخارج، وفي زيارات يعرف الجميع أنّها لن تقتصر على المشاركة في المؤتمر فقط، بل تتعداها إلى تمضية الوقت السعيد والإستجمام في أوروبا. فبينما تحلّق الطيور عبر سماء بروكسل، يحمل السياسيون اللبنانيون معهم حقائب السفر والسياحة، لا هموم المواطنين، إلى أوروبا، ليظهروا مرة أخرى في مشهد يعكس قدرتهم على التكيف مع الحياة في الغرب، بعيداً عن الأزمات المستعصية التي تعصف ببلدهم.

ويبرز هنا تناقض كبير بين ما يجب أن يكون وما هو قائم. فبينما ينتظر المواطن اللبناني من ممثليه البحث عن حلول عملية للأزمات الإقتصادية والإجتماعية التي تضرب البلاد، ينشغل هؤلاء بتمضية أوقاتهم في أوروبا والمشاركة في مؤتمرات قد لا يكون لها أي تأثير مباشر على تحسين الأوضاع الداخلية. هذا التناقض يكشف عن فجوة كبيرة بين الشعب وساسته، ويثير تساؤلات حول جدوى مثل هذه المشاركات الخارجية في ظلّ غياب رؤية واضحة وخطة عمل جادة لمعالجة القضايا الملحة في لبنان.

فحتى الوفود اللبنانية الكثيرة، ليست متفقة تماماً في طروحاتها حول كيفية حلّ مسألة الوجود السوري غير الشرعي في لبنان، لذا ترى نائبًا عن حزب يقترح ترحيلهم إلى بلد ثالث، فيما يقترح وزير إغلاق الحدود مع سوريا، وآخر يريد تطبيع كامل مع السلطات السورية «لتقبل بعودة رعاياها». هذا دون أن نغفل وجود من هم مستفيدون ومؤيدون لبقاء حال اللجوء السوري على ما هو عليه في لبنان. ربما كان على لبنان أن يتوصل إلى تفاهم محلي، يليه قرار رسمي يصرّح به مسؤول واحد لحل واحد عقلاني قابل للتنفيذ في ما يخصّ اللجوء السوري في لبنان، ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود، أعلى ساسة لبنان المختلفون حول كل شيء؟

على الرغم من أهمية المؤتمر بذاته، إلّا أّن ما قيل عنه في الصحافة الأجنبية وما سُرّب منه، لا يتعدى تكرار النسخ القديمة من المؤتمر الذي يُقام كل سنة. هذا وسيطرح المؤتمر حله «المبتكر» القائم على «الإلتزام بالعملية السياسية في سوريا بما يتوافق مع القرار الدولي رقم 2254»، وهو القرار الصادر عن مجلس الأمن عام 2015، والذي ينصّ على وقف إطلاق النار والتوصّل إلى تسوية سياسية للوضع في سوريا، والذي لم يُطبقه أحد حقاً منذ 9 سنوات. 

أما لبنان، فغالباً ما يحصل على فتات الدعم المالي من مثل هذه المؤتمرات، بوصفه بلداً مضيفاً يستقبل ملايين اللاجئين السوريين، فيما تكون هذه الأموال مجرد ضمانة أوروبية لكي يبقى السوريون في لبنان لسنة أخرى، ريثما تتدبر بروكسل أمرها وترفد لبنان ببضعة ملايين اليوروهات الجديدة.

إنّ «هجرة» الساسة اللبنانيين إلى أوروبا، بينما تواجه بلادهم تحديات كبرى، تعكس أيضاً مدى اعتمادهم على الدعم الدولي لحلّ الأزمات الداخلية. ومع ذلك، يبدو أنّ هذا الدعم لا يُترجم إلى حلول ملموسة على الأرض، بل يبقى غالباً في إطار المؤتمرات والإجتماعات التي تفتقر إلى المتابعة والتنفيذ الفعلي.

وفي ظلّ هذا الواقع، نتمنى للوفود اللبنانية إقامة سعيدة في أوروبا، ونتمنى لهم، كذلك، الإستفادة من مشاهدة أسراب الطيور المارة فوق بروكسل، والتي تقدرها منظمات بيئية بلجيكية بحوالي 116 ألف طائر من 143 فصيلة، يمرّون فوق المدينة في نهاية شهر أيار من كل عام. كما يبقى من حقنا أن نتساءل عن الجدوى الحقيقية لمثل هذه المؤتمرات وما إذا كانت ستؤدي إلى تحسين الأوضاع في لبنان، أم أنّها مجرد رحلات خارجية ليعزّز ساسة لبنان علاقاتهم العامة ومزاجهم لا أكثر.